لايمكن أن ينتهى الحديث فجأة عن تعويضات الحكومة لضحايا حوادث الطرق كما بدأ فجأة، وكأن شيئا لم يكن، وإذا كان الموت وهذه الحوادث لاموعد لها وتحدث فجأة، لكن آثارهما دائما تبقي، بل ربما تبقى أطول بكثير مما ينبغى. وهنا أعود وأقول، ليس وقت التباكى والبكاء على أبنائنا وأشقائنا الذين رحلوا، إنما على مصيبة الحكومة التى ابتلانا بها القدر كلما ألمت بنا كارثة ونراها واقفة تائهة جامدة العقل والرؤية، وفقط لاتفعل شيئا إلا إطلاق التصريحات والشعارات والتقاط الصور التذكارية وسط المشهد الحزين، وأما المصيبة الأكبر التى لم أتوقعها ويتوقعها غيرى من ملايين المصريين أن تصنفنا الحكومة طبقات ليس فى وظائف أو مهن أو درجات علمية، وإنما فى الموت وكأنها تمارس علينا سياسة جديدة يمكن أن نلقبها ببرجوازية الآخرة، وهى سياسية التمييز والتعالى وعدم الرؤية الثاقبة للواقع وتفاصيله . فمنذ أن وقعت كارثة البحيرة ومن قبلها كوارث سوهاجوأسوان والفيوم ومطروح وأنا أتلقى مكالمات ورسائل من أهالينا فى الصعيد ومطروح تعاتبنى، وتسألنى لماذا لاتكتبون عما فعلته حكومة محلب من تمييز مستفز يستنفر الكراهية بداخل كل منا، عندما قامت بصرف تعويضات لضحايا حوادث الطرق فى المحافظات الأربع " أسوانوسوهاج ومطروح والبحيرة "بأسعار وتقديرات متباينة وكأن الإنسان المصرى له تسعيرة حسب المنطقة التى يعيش فيها وينتمى إليها، لا لكونه مواطنا يعيش على أرض الوطن متساويا فى الحقوق والواجبات مع سائر المواطنين الآخرين، فماذا يعنى أن يتم صرف تعويضات لضحايا كارثتى أسوانوسوهاج، 20 ألفا للمتوفى ومطروح 30 ألفا والبحيرة 50 ألفا !، فعلى أى أساس تمت هذه التقديرات، ولماذا هذا التباين بين مواطنين مصريين يعيشون على أرض واحدة وربما تربطهم أوصال وأعراق واحدة من أقصاها إلى أقصاها ؟! .. حتى الآن حاولت أن أجد تفسيرا لهذه الغرابة، لم أجد سوى أن المصريين أمام الحكومة طبقات وأخشى ما أخشاه أن يكون تقديرهم لهذه التعويضات تم بناء على أن ضحايا البحيرة جذبوا أكثر عدد من الكاميرات واهتمام الفضائيات والأقرب للعاصمة ومقر الحكومة والجار أولى بالشفعة والتمييز، بل ربما تكون تعويضاتهم سياحية لأن مدارسهم فندقية . ثمة نقاش لابد أن يبدأ حول هذه المهزلة وبرجوازية الآخرة التى تفرق بين موت فى حادثة عن اخرى. لمزيد من مقالات أبوالعباس محمد