ما شهدته مدينة كولونيا من أعمال شغب، وصدامات عنيفة بين آلاف من مثيرى الشغب من مشجعى كرة القدم ( الهوليجانز) واليمينيين المتطرفين، وبين الشرطة الالمانية التى أصيب من قواتها 50 شرطيا فى هذا الهجوم ، ليست إلا فضيحة جديدة تكشف عن مشكلة حقيقية يواجهها المجتمع الألمانى فى التعامل مع ظاهرة النازية الجديدة، واليمين المتطرف من ناحية، ومع العداء المتزايد للمسلمين من ناحية اخرى! فقد شعر الألمان بالصدمة من مشاهد العنف غير المسبوق، وأثار الدمار التى خلفها نحو أربعة آلاف متظاهر فى شوارع كولونيا بعد مظاهرتهم التى أطلقوا عليها شعار “ هوليجانز ضد السلفيين “ واندلع جدل واسع هنا حول عدم استعداد الشرطة الألمانية لهذا الجيش من مثيرى الشغب والمتطرفين، غير أن ردود الفعل الرسمية والإعلامية الألمانية الضعيفة فى إدانة ما رفعه هؤلاء من شعارات عنصرية نازية يمينية تحرض ضد جميع المسلمين، دون تفرقة بين أقلية متطرفة، وأغلبية معتدلة، تثير المخاوف من أن المجتمع الألمانى يتعامل هنا بمعايير مزدوجة، فيدين أى اعتداء لفظى، او فعلى من اليمين المتطرف به شبهة معاداة للسامية، فى حين يتساهل فى التجاوزات والاعتداءات التى تطال المسلمين، ربما لان قلة منهم ( السلفيين) ينظر لها اليوم باعتبارها عدوا خطيرا يهدد أمن وسلامة المانيا. “ اليوم يضحون بالخراف والأبقار، وغدا يذبحون أطفالنا المسيحيين” هو أحد الشعارات التى كان يرددها أعضاء هذا التحالف الجديد والمريب بين النازيين الجدد، وبين مثيرى الشغب فى الملاعب، الذين أتوا من مختلف أنحاء المانيا للتظاهر ضد السلفيين فى كولونيا، ويقصدون به المسلمين جميعا، مطالبين بطردهم، وطرد الأجانب بشكل عام من المانيا. وامتدت تجاوزات هؤلاء المتطرفين أثناء مغادرتهم المدينة - كما أكدت مصادر فى الشرطة- إلى الأجانب ذوى الملامح الأجنبية من ركاب احد القطارات المتجه من كولونيا إلى مونستر، حيث قاموا بملاحقتهم، مما دفع مفتشو التذاكر لحماية الركاب الاجانب، او من تبوح ملامحه بأصوله الأجنبية، او الشرق أوسطية، وذلك بتجميعهم فى إحدى العربات فى نهاية القطار، وإغلاقها عليهم! وكشفت الشرطة ان الأمر نفسه تكرر من قبل نازيين جدد من “جماعة اخنر لاند” فى مدينة دورن حيث أجبروا ركابا أجانب على مغادرة القطار فى مشاهد وصفها مسئول شرطى بأنها مخزية! اللافت للامر أن هذه التجاوزات العنصرية النازية لم تثر من الاهتمام الإعلامى والرسمى هنا ما أثارته تلك الحملة الفردية التى قام بها بعض السلفيين فى إحدى مدن المانيا منذ شهر، عندما ارتدوا سترات كتب عليها “شرطة الشريعة” وانطلقوا ينصحون المواطنين بالبعد عن القمار والخمر والمخدرات إلخ. وهو ما دفع المستشارة أنجيلا ميركل نفسها لإدانة ما حدث، ومحاولة قلة متطرفة القيام بدور الشرطة، وفرض أفكارها على المواطنين. طبعا شرطة الشريعة وغيرها من الاستفزازات التى يقوم بها مسلمون متشددون إلى حد التطرف أحيانا فى المانيا يطلق عليهم الإعلام هنا “ السلفيون” وتقدر السلطات عددهم بنحو ستة آلاف شخص، هى محل جدل واسع، وتثير مخاوف الالمان على جميع المستويات. بل إن المسئولين الألمان مثل وزير الداخلية دى ميزيير ورئيس جهاز حماية الدستور لا يتوقفان عن التحذير من الخطر الكبير الذى يمثله الإسلام المتطرف على أمن المانيا، خصوصا مع تزايد ظاهرة الشباب المسلم الذى يسافر من المانيا واوروبا للقتال فى صفوف داعش، ثم يعود بعضهم إلى أوروبا، حاملا معه ليس فقط افكاراجهادية، وإنما ايضا خبرات قتالية مكتسبة. ويسهم الإعلام الألمانى فى تضخيم حجم الخطر الذى يمثله “السلفيون” بالتوازى مع بث صور الجرائم المرعبة التى يقوم بها إرهابيو داعش فى سوريا والعراق، الأمر الذى يضع المسلمين جميعهم فى المانيا بشكل أو بآخر فى قفص الاتهام. هذه الأجواء المعادية للسلفيين يستغلها الآن اليمين المتطرف، والنازيون الجدد فى أنحاء المانيا لتسليط الاضواء عليهم كجبهة وطنية ألمانية تسعى لحماية الألمان من هذا العدو المشترك، من هؤلاء السلفيين ومن المسلمين بشكل عام! هذه الظاهرة الجديدة يصفها الإعلامى يوخن جرابلر رئيس تحرير راديو بريمن هكذا “ .. هناك شئ ما سلبى يتشكل فى المانيا..فى قلب المانيا.. هناك مجموعة تتهم المسلمين وتلصق بهم مسئولية ما يحدث فى سوريا والعراق من جرائم..فلنضع انفسنا فى مكان هؤلاء المواطنين الأجانب فى بلادنا ، إنهم الآن يخشون على حياتهم وسيترددون قبل الخروج إلى الأماكن العامة وركوب القطارات إلخ..اين ردود الفعل ؟ وزير العدل يقول إنه لن يسمح للسلفيين والهوليجانز بالتصعيد ..إن التعامل مع ما حدث فقط باعتباره مواجهة بين سلفيين وهوليجانز خطأ فادح. هذه هى الإشكالية الحقيقية، فهناك إصرار من قبل مسئولين ووسائل إعلام المانية على تجاهل مشاركة النازيين الجدد، وبأغلبية فى هذه المظاهرة، والتركيز فقط على مثيرى الشغب، او الهوليجانز.وطبعا مفهوم أن السر وراء ذلك يكمن فى ان مثيرى الشغب فى الملاعب بالمفهوم التقليدى هم مشجعون يبحثون عن العنف، ولكنهم ليسوا جماعة ذات أهداف سياسية ، ولذلك ليس من مصلحة المانيا، او المجتمع الألمانى تصوير ما حدث، وكأنه تحرك جديد منظم من قبل اليمين المتطرف يسعى فيه لتحريك الشارع الألمانى ضد الإسلام والمسلمين اولا، ونشر العداء العنصرى ضد الأجانب ثانيا.صحيح أن صحفا ومجلات عريقة مثل شبيجل وشتيرن تداركت ذلك بعض الشىء إلا ان هناك صحفا المانية شهيرة معروفة بتوجهها اليمينى المعادى للإسلام لا تزال تتناول ما حدث باعتباره تجاوزات لمجموعة من مثيرى الشغب الأغبياء. وينتقد الكاتب المعروف ياكوب اوجشتاين فى عموده بموقع شبيجل أونلاين حركة “ هوليجانز ضد السلفيين” ويقول :” إنهم ينظمون تظاهراتهم تحت شعار حماية المانيا من السلفيين، ولكنهم يقصدون كل المسلمين والإسلام. إن كراهية الإسلام تنتشر فى المانيا وتضرب بجذورها فى الإعلام والسياسة. والكراهية تولد العنف.. لقد كان هناك 78 اعتداء على المساجد فى المانيا خلال العامين الماضيين، لم ينتج عنها أى موجة تضامن، او حتى اهتمام بهذه الاعتداءات، لذلك فإن ما شهدناه من عنف فى كولونيا هو حصاد ما يزرعه دعاة الكراهية المروجون للإسلاموفوبيا فى مجتمعنا..” الآن تستعد هذه الحركة الجديدة التى تسعى لتوحيد مثيرى الشغب فى الملاعب مع اليمين المتطرف لمظاهرات جديدة فى المانيا، بعضها يسعى لاستغلال احتفال الألمان فى 9 نوفمبر بذكرى سقوط جدار برلين ، لركوب موجة المشاعر الوطنية الألمانية المكثفة فى هذا اليوم وترديد شعارات “المانيا للألمان فقط”. كما ان هناك مظاهرة اخرى فى مدينة هانوفر فى منتصف نوفمبر. وتبحث السلطات الألمانية حظر هذه التظاهرات فقط، خوفا من تكرار العنف والصدامات، سواء مع الشرطة، او مع جماعات من السلفيين التى ربما تسعى لتنظيم تظاهرات مضادة.ولا تزال المانيا تنتظر موقفا سياسيا وإعلاميا حاسما لصد موجة العنصرية الصاعدة ضد مواطنيها المسلمين.