وكأننا أصبحنا علي موعد إسبوعي مع قتيل بين صفوف تلاميذ المدارس، تعددت الأسباب و الموت واحد اختلفت الحالات و الجاني واحد، إنه الإهمال الذي يختطف فلذات كبد آباء و أمهات أطفال و صبية عاشوا من أجلهم، كدوا و اجتهدوا لتربيتهم يحلمون بيوم تخرجهم حتي يروا حصاد عنائهم، يذهبون إلي المدارس كل يوم حاملين آمال أسرهم منتظرين عودتهم، إلا أنهم لا يعودون لتتحطم الآمال، و تتبدد الأحلام، و تتحول إلي كوابيس تلازمهم طيلة الحياة، ذكريات مؤلمة تحفر في أذهانهم. فلم يكد جرح والدي ادهم الذي دهسته سيارة التغذية داخل مدرسة أمين النشرتي في أطفيح يندمل حتي استيقظنا علي وفاة يوسف داخل مدرسة بمدينة العبور بالقليوبية، وقبل أن تنتهي أيام العزاء فيه حتي ودع تلاميذ مدرسة أحمد بهجت زميلهم بيتر مجدي، و كالعادة لم تقصر وزارة التربية و التعليم في تقديم واجب العزاء فيه، وكأنها أعدت خطاب عزاء مسبقا و جاهزا يخرج سريعا بعد كل وفاة، خاصة أن وفاة التلاميذ داخل المدارس أصبح شيئا معتادا وكأن المدارس قد تحولت إلي مقابر ينتهي بها أعمار التلاميذ، فإن لم يموتوا بسبب سيارة التغذية.. نافورة المدرسة.. سيخ حديدي.. لوح زجاجي.. باب المدرسة، كلها مرادفات و أسباب لنتيجة واحدة: وفاة طلبة المدارس، بيتر مجدي هو آخر ضحايا الإهمال بالمدارس المصرية، وليس الأخير توجه إلي مدرسته مدرسة أحمد بهجت بمنطقة كفر الجبل بالهرم يوم الخميس الماضي، ولم يدر أنه كان اليوم الأخير له بالمدرسة بل إنه نهاية عمره عندما حاول بصحبة اثنين من زملائه الهرب من أعلي سور المدرسة ليسقط علي سيخ حديدي مدبب ليصيبه برقبته فيسقط قتيلا، و بدلا من أن يعود لأسرته صرعهم الخبر بأن بيتر أصيب، و نقل إلي المستشفي ليهرعوا إلي المدرسة فيجدوا ابنهم ميتا وتبدأ مرحلة تحديد المتهمين والمقصرين كالعادة، فأين كان مسئولو المدرسة و مشرفو الأمن عندما هرب التلاميذ من اعلي السور، و كالمعتاد قدمت وزارة التربية والتعليم خطابها المسجل لتعزية أسرة ضحية الأسبوع من تلاميذ المدارس، و إجراءات تليها إجراءات والنتيجة اننا علي موعد كل أسبوع مع ضحية جديدة من بين تلاميذ المدارس، و لو أن قدر هؤلاء موتهم إلا أن الإهمال لم يكن أبدا قدر المدارس المصرية، خاصة الحكومية منها، و التي عشش فيها التقصير، و قدم وزير التربية والتعليم العزاء لأسرة الطالب، و قال إن الوزارة اتخذت كل الإجراءات لمحاسبة كل من له صلة بالحادث لتحويلهم إلي التحقيق العاجل جنبا إلي جنب مع الإجراءات التي ستتخذها النيابة، ومنذ بداية العام الدراسي في 20 سبتمبر الماضي، و بعد أن شهدت المدارس المصرية 6 حالات وفاة كلها أثناء اليوم الدراسي بعد 40 يوما فقط من بدايتها، و لم يتغير موقف وزارة التربية و التعليم بعد كل حالة وفاة المتكررة داخل المدارس، فتوقف الوزارة مدير المدرسة عن العمل، وتعلن تشكيل لجنة من الشؤون القانونية في الوزارة للتحقيق في الواقعة. و إذا كان الطالب بيتر مجدي الطالب بمدرسة أحمد بهجت الثانوية التابعة لإدارة الهرم قد لقي مصرعه بعد صعوده علي سور المدرسة بهدف الهروب فسقط علي سيخ حديدي، وفي بيان صادر عن وزارة التربية والتعليم فإن الطالب حاول الهروب من داخل المدرسة إلي خارجها قفزا علي السور معه زميلين له، وهو ما أدي إلي سقوط الطالب علي سيخ حديدي ، وتم نقل الطالب إلي مستشفي الهرم إلا أنه لقي مصرعه هناك ولكن لم تذكر الوزارة كيف هرب التلاميذ من المدرسة، و أين كان المسئولون بها، و مشرفو امن البوابة، و ما الذي يجعل التلاميذ يهربون من المدارس، و إذا كانوا هم المخطئين، فأين المسئولون، و حتي إن ظلوا موجودين داخل المدارس، فإن ذلك لن ينجيهم من الموت، فقبل يوم واحد من وفاة بيتر مجدي توفي الطالب يوسف سامح جرجس بمدرسة باردي الخاصة للغات بإدارة العبور التعليمية بالقليوبية بسبب سقوط نافورة مياه المدرسة عليه عقب تعلقه بسياجها خلال الفسحة المدرسية، وشكلت الوزارة لجنة تحقيق من الشؤون القانونية بالوزارة، وجهاز التفتيش والمتابعة والإدارة العامة للتعليم الخاص لإجراء تحقيق عاجل في الواقعة كما أكد الوزير إيقاف مسؤولي أمن المدرسة والإدارة التعليمية عن العمل، وإحالتهم للتحقيق لتأخرهم في الإبلاغ عن الواقعة، وعدم اتخاذهم الإجراءات المتبعة، وقبل أن تندمل أحزان أسرة الطالب أدهم محمد عبدالعال التلميذ بالصف الثالث الابتدائي بمدرسة أمين النشرتي الابتدائية التابعة لإدارة أطفيح التعليمية بمحافظة الجيزة بعد أن دهسته سيارة التغذية الخاصة بتوريد الوجبات المدرسية أمام المدرسة أثناء دخول التلاميذ للفترة المسائية قرر الدكتور علي عبدالرحمن محافظ الجيزة إيقاف كل من: مدير مدرسة أمين النشرتي الابتدائية، و مسؤول الأمن بالمدرسة، و مدير إدارة أطفيح التعليمية عن العمل لمدة 3 أشهر، كما تم تحويلهم للنيابة الإدارية للتحقيق في الواقعة التي كشفت في تحقيقاتها أن السيارة دهست التلميذ بوجهها ولم تكن تعود إلي الخلف، كما ادعوا، بل إنهم رفضوا نقله و زميله المصاب إلي المستشفي ليصبح كل حلم أسرة أدهم ان يدون اسمه علي مدرسته التي مات فيها بدلا من أن يتخرج منها. وكأن الاهمال لم تختص به الجيزة وحدها، أو صدفة لن تتكرر فكان سقوط بوابة المدرسة سببًا في وفاة الطالب الطفل يوسف سلطان زكي التلميذ بمدرسة الزغيرات الابتدائية بمرسي مطروح يوم 19 أكتوبر في حصة التربية الرياضية في فناء المدرسة، وأثناء لعب الطلاب وأدائهم تمرينات الجري المطلوبة منهم قام التلميذ بمحاولة تسلق بوابة المدرسة مما أدي إلي سقوطه، وسقوط البوابة عليه، وقرر محافظ مطروح إحالة كل من مدير مدرسة الزغيرات الابتدائية بالنجيلة، ومدير الإدارة التعليمية بالنجيلة، ومدير المتابعة بمديرية التربية والتعليم إلي النيابة الإدارية بمطروح لتحديد مسؤوليتهم في الواقعة مع إيقافهم عن العمل لمده لا تتجاوز 3 أشهر. و حتي و إن جلس الطفل يوسف محمد التلميذ بالصف الثالث الابتدائي بمدرسة عمار بن ياسر بالمطرية داخل فصله فقد لقي مصرعه يوم 14 أكتوبر إثر سقوط زجاح شباك الفصل عليه، وقضي الطفل 4 ساعات حائراً بين مستشفيات «المطرية والزيتون وعين شمس التخصصي حتي لفظ أنفاسه الأخيرة في غرفة عمليات عين شمس. و حالة الوفاة الطبيعية الوحيدة كانت يوم 30 سبتمبر الماضي، وهي اول حالة وفاة في العام الدراسي الحالي للطالب مصطفي محمد (10 سنوات) بعد إصابته بحالة من الإعياء، وسقوطه مغشياً عليه، ووصل الطالب لمستشفي بورفؤاد العام وهو متوفي. والسؤال إلي متي سيموت التلاميذ بدلا من أن يتعلموا، و إذا تم إيقاف مديري المدارس و الإدارات التعليمية مع كل حالة وفاة، فإنه بنهاية العام الدراسي ستخلو المدارس، و الإدارات التعليمية بمصر كلها من مديريها ، بعد أن تحولت المدارس في مصر إلي مقابر لطلابها.