قصة النضال الجزائرى ضد الاحتلال الفرنسى قصة طويلة متعددة الفصول والاحداث، جمعت بين الصمود والبطولات المطلقة من قبل الشعب الجزائرى والوحشية المطلقة من جانب المحتل الفرنسى، بين المحاولات المستميتة لمحو الهوية وسحق الكرامة الوطنية والدينية والانسانية. وبين التصدى الشرس لكل ذلك سعيا وراء الحرية والاستقلال الذى تحقق فى النهاية بتضحيات مليون شهيد أريقت دمائهم فى ساحات المقاومة فى المدن والقرى والجبال. وقد بدأ النضال والمقاومة المسلحة مع بدء العدوان الفرنسى فى الرابع عشر من يونيو عام 1830، بعد أن قامت فرنسا بعملية انزال ضخمة غرب العاصمة بجيش قوامه 40 الف جندى من المشاة والخيالة واسطول يتكون من 700 سفينة، حيث هب الشعب الجزائرى للدفاع عن ارضه واستجاب لدعوة العلماء والاعيان ولكن عمليات المقاومة فشلت لعدم توازن القوى و لتشتت المقاومة جغرافيا أمام الجيوش الفرنسية المنظمة حتى سقطت العاصمة ثم المناطق الساحلية الشرقيةوالغربية. ومنذ اللحظة الاولى شجعت فرنسا الاوروبيين على الاستيطان والاستيلاء على أراضى الجزائريين وأصدرت القوانين والقرارات التى تساعدهم على ذلك، كما عملت على صبغ الجزائر بالصبغة والثقافة الفرنسية وجعلت اللغة الفرنسية هى اللغة الرسمية للدولة ولغة التعليم بديلا عن اللغة العربية. كما حول الفرنسيون الجزائر الى مقاطعة مكملة لمقاطعات فرنسا حيث نزح أكثر من مليون مستوطن من الفرنسيين والايطاليين والاسبان للمدن الجزائرية. واعتبرت السلطات كل المواطنين ذوى الاصول الاوروبية مواطنين فرنسيين كاملى الاهلية يتمتعون بكل الحقوق وفى مقدمتها التمثيل فى البرلمان، بينما اخضع السكان العرب والامازيغ الى نظام تمييز واضح ضدهم، وكانت اكثر مظاهره وضوحا وفجاجة "قانون الاهالى" الذى صدر بعد 41 عاما من احتلال كافة التراب الجزائرى، وبعد أن قضى الفرنسيون وقتا فى الدراسة المتأنية لواقع البلاد وردود الفعل المتوقعة عليه، خاصة أنه عبارة عن مجموعة من الاجراءات التعسفية التى مورست على الجزائريين وكرست واقعا من الظلم والقهر كانت أبرز ملامحه القضاء على المؤسسات التقليدية التى اعتمدت فى تسيير شئون المواطنين على العرف والتقاليد والقوانين الاسلامية، بالاضافة الى الحد من حرية تحرك الجزائريين فى وطنهم الا برخصة يقدمونها لسلطات الاحتلال، واخيرا تفكيك الملكيات الزراعية وتوزيعها على الجاليات الاوروبية. هذه الاجراءات الى جانب روح الصمود لدى المواطنين تسببت فى ابقاء جذوة المقاومة مشتعلة طوال القرن التاسع عشر الذى شهد أكثر من عشر ثورات مسلحة من أهمها ثورة الامير عبد القادر التى امتدت من عام 1830 الى عام 1847 وشملت شمال الجزائر. وقد تميزت المقاومة فى تلك الفترة بعدة سمات منها أنها بدأت بدعوات من رجال الدين وتميزت بالرفض المطلق للوجود الاستعمارى، كما اتسمت بالاستمرارية والتداخل الزمنى، الى جانب التوسع الجغرافى حيث امتدت شرقا وغربا وجنوبا، وخضعت للقيادة الجماعية ونجحت فى نشر الوعى والمحافظة على الروح الثورية ورفض الاحتلال، ولكن عابها نقص التنظيم والاعداد وطغيان الحماس الثورى على التخطيط الحربى المنضبط، ورغم ذلك فقد نجحت فى بلورة أهداف المقاومة فى تحرير الوطن واسترداد ثرواته وممتلكاته وإعادة الاعتبار للشخصية الجزائرية وبناء مقومات وطنية وقومية. وقد شكلت بداية القرن العشرين مرحلة جديدة ومهمة من النضال السياسى والمقاومة خاصة بعد أن بلغت السيطرة الاستعمارية ذروتها رغم المقاومة الشعبية، حيث بدأ دوى المدافع يهدأ ليفتح المجال أمام أسلوب جديد من المقاومة التى انطلقت فى المدن معتمدة على جيل شاب تشكل وعيه سواء من دراسته الدينية التى عمل من خلالها على نشر أفكار الاصلاح الاجتماعى والدينى، أو من الطلاب ممن أتموا تعليمهم باللغة الفرنسية واقتبسوا من الثقافة الغربية طرقا جديدة فى التفكير، وكلا الفريقين اعتمد على الصحافة وتقديم المطالب المكتوبة وكانت حركاتهم نواة لتجمعات ونواد ومنتديات ثقافية وحزبية. ولكن هذا النضال السياسى اتسم منذ بدايته بالانقسام بين نخبة محافظة ممن يؤمنون بالقومية الاسلامية ويعادون فكرة التجنيس والخدمة العسكرية تحت العلم الفرنسى ويطالبون بالغاء قانون الاهالى والمطالبة بحرية التعليم باللغة العربية، وبين نخبة ليبرالية تشبعت بالثقافة الفرنسية وطالبت بالاندماج والتجنس دون شروط، ولكن هذه الجماعة التى عرفت بالنخبة لم تتمكن من ايجاد موقع لها فى الحياة السياسية حيث لم تستجب السلطات الاستعمارية لمطلبها ورفضت المساواة كما أنها لم تنل التأييد الشعبى من الجزائريين لان افكارها تعبر عن توجه ثقافى غربى. ولكن رغم هذا الانقسام الا أنها نجحت فى افشال المخططات الاستعمارية الهادفة الى اذابة الشخصية الوطنية وطمسها، كما لعبت دورا محوريا فى نشر الوعى الوطنى لدى المواطنين الجزائريين وتكوين جيل قاد حراكا وطنيا طوال ثلاثينات القرن العشرين وحتى اندلاع الحرب العالمية الثانية، وأصر بعد انتهاء الحرب على تحقيق الوعود الفرنسية بالحرية، خاصة بعد التضحيات التى قدمها الجزائريون خلال هذه الحرب، ولكن فرنسا نقضت عهدها، عند ذلك خرج الجزائريون فى مسيرات ومظاهرات سلمية لمطالبة فنسا بتحقيق وعودها، كان رد الاخيرة بالسلاح والاضطهاد لشعب أعزل وحدثت مجزرة رهيبة عام 1945 سقط خلالها ما يزيد على 45 ألف شهيد، وأدرك عندها الشعب الجزائرى أنه لا حرية ولا كرامة ولا استقلال الا عن طريق الكفاح والنضال المتواصل، فكان الخيار عنذئذ المضى قدما فى طريق الثورة التحررية التى اندلعت شرارتها فى الاول من نوفمبر عام 1954 بعد أن أصدر قادتها بيانا أوضحوا فيه اسبابها وأهدافها وأساليبها. وبعد أن استقر شباب الحركة الوطنية على ضرورة وصل ما اسماه البعض الحلقة الضائعة فى تاريخ النضال، أى نقل الثورة من الغرف المغلقة الى الشارع، وهو البيان الذى استجاب له الشعب الجزائرى فخاض ثورة شعبية عارمة من أجل تحرير الوطن انعكس صداها على المستوى الاقليمى والدولى الى أن تحقق الاستقلال.