يقول د. محمد شوقي عبد العال وكيل كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة لاشك أن للمفكرين والمثقفين والأدباء دورا كبيرا للغاية في صياغة عقل الأمم, وفي نشر الوعي لدي الشعوب. ولقد كان لهؤلاء المفكرين والمثقفين والأدباء دورهم المشهود في بناء مصر الحديثة منذ محمد علي باشا حيث ساهم هؤلاء لاسيما بعد عودة البعوث التي أرسلها إلي أوروبا, في بناء الدولة ثم في صياغة مؤسساتها التشريعية ودساتيرها المتعاقبة كذلك فقد شهدت برلمانات ما قبل ثورة يوليو وجودا مؤثرا لنخبة كبيرة من اعلام الفكر والثقافة والأدب. غير أنه مما يؤسف له أن برلمان الثورة الحالي, وهو أول برلمان منتخب انتخابا نزيها في مصر منذ ثورة1952قد جاء خلوا من رموز الفكر والثقافة أو يكاد فلم نر فيه مفكرا كبيرا أو أدبيا أو شاعرا عظيما, وإن لم يخل من بعض الأكاديميين والمتخصصين. ولعل مرد ذلك إلي أسباب عدة, من بينها احجام هؤلاء المفكرين والأدباء والمثقفين عن الترشح, ربما عزوفا عن الولوج إلي ساحة العمل البرلماني في مثل هذا التوقيت, أو رغبة في عدم الترشح تحت راية حزب من الأحزاب, وعلي قوائمه, في الوقت الذي يبدو فيه الترشح فرديا أمرا في غاية العسر. ويقول د. حسام عقل ما من شك في أن المراقب للمشهد المصري في الأشهر الأخيرة سيلحظ للوهلة الأولي, غيبة النخبة المثقفة عن صناعة الحدث وتوجيهه أو ضبط مساره, لقد عجزت النخبة حتي الآن عن أن تعانق نموذج المثقف العضوي الذي تحدث عنه جرامشي أعني المثقف الملتحم بقضايا أمته ويحمل علي كتفيه قضيتها السياسية ويؤازرها في صياغة دستورها الأمثل ويقدم للقيادات الحزبية والكوادر السياسية إطار النصح المناسب( ويلاحظ هنا أن رفاعة الطهطاوي قد استهل جهده التنويري بترجمة الدستور الفرنسي ليفيد منه طلائع العمل السياسي في مصر آنذاك) ولاننسي دور العقاد البرلماني الشهير ودور الكاتب الأديب أمين الرافعي(1886 -1927) في حملة نوفمير( حملة نوفمبر1952) التي دعا فيها الساسة وأعضاء البرلمان المنحل أن يعقدوا برلمانهم في موعد انعقاده الدستوري وهو ما اضطر القصر والحكومة إلي إعادة( الحياة النيابية) مرة أخري, ويضاف إلي هذا التراث, متألقا الأدوار الشامخة التي قام بها د. محمد حسين هيكل(18881965) حيث لعب هيكل دور العقل المفكر للحزب منذ مطلع إنشائه عام.1922 وتكتمل الصورة البهيجة بمشهد عبد القادر حمزة(1880 1941) أحد رموز العمل الصحفي الكبيرة إبان ثورة9191 ومشهد الأديب والكاتب توفيق دياب وهو يخوض معركة الشباب عام.1935 وأمثلة المشاركات الوطنية المشرفة لأدباء مصر ومفكريها تند عن الحصر. وهي أمثلة تدعو النخبة المثقفة الآن في مصر إلي استيحائها والإفادة منها بحيث تعلو هذه النخبة فوق خلافاتها الإيديولوجية. وتقول د. سامية خضر صالح أستاذ علم الاجتماع تربية عين شمس أين مثقفو مصر?!: ثلاثون عاما قضاها الشعب المصري تحت حكم مستبد مما أدي الي تحول معظم المثقفين والمفكرين والأدباء من قوة فكرية ومبدأ واع إلي أناس يتعايشون مع نظام عمل علي ترويض المثقف المصري مع إعطاء الجميع فسحة واسعة لحرية القول المبتور وبذلك فقد المثقف والمفكر دوره الحقيقي وظهرت شخصيات قص ولزق.. ولاننسي هروب عدد من المثقفين إلي دول الخليج وأصبح الشعب مشغولا برغيف الخبز والمثقف مشغولا بنفسه أو بشذرات من الثقافة ولايمكن أن نغفل أن مصر بها اليوم من المثقفين العظماء لكن المناخ لم يعد مهيأ والإعلام عبارة عن تفاهات وثرثرة وتحريض. وهكذا تعرض المثقف للاغتراب في بلده, معني هذا وجود جيل بأكمله في وطن بلا مظلة ثقافية وطنية من السهل اختراقه واحتلاله وأري أنه عندما يتخلص المثقف من أدران المجتمع وتعود اليه قيمته, ويعتلي كرسي الحكم من يؤمن بالثقافة مبدأ ومنهجا, وقتها يعود إلينا المثقف الحقيقي والمفكر الواعي الذي يكون له الوجود المتميز والمشاركة الفعالة. ويقول د. يسري العزباوي الباحث بمركز الدراسات السياسية بالأهرام, لعلنا لانجافي الحقيقة لو قلنا إن أغلب كتابات المثقفين وطريقة طرحها يستهدف النخبة من المجتمع في حين أن الوقائع تشير إلي تدني المستوي الثقافي. وكان نتيجة طبيعية أن تنحسر العلاقة بين المثقف وجميع الأجهزة التشريعية والتنفيذية في الدولة. والحقيقة, يمثل اليوم في البرلمان بعض الباحثين وأساتذة الجامعة ولكنهم غير قادرين علي التعبير عن هموم وواقع المجتمع بتلك اللغة التي عبر بها بيرم التونسي الذي نظم زجلا رائعا في فساد المحليات, وتوفيق الحكيم عندما طالب بتحويل البرلمان الي مصنع للطائرات وإلغاء الطربوش الأحمر. لذا نري ضرورة أن يكون للمثقفين بصمتهم عند كتابة الدستور الدائم وأن تكون فيه مكانة لوجعهم الثقافي الذي ما هو إلا انعكاس لوجع الكيان الثقافي المريض. كما يري أحمد عبد الفتاح المشرف العام علي متاحف وآثار الإسكندرية أن الثقافة هي دين عالمي بصرف النظر عن أي تصنيف تقليدي, لافتا إلي أنه لابد أن تضم لجنة الدستور لأول مرة علماء متخصصين في الحفاظ علي آثار مصر, وأن يتضمن الدستور المقبل نصا يحفظ لمصر تاريخها المادي منذ ما قبل التاريخ وفي الثروة العقارية الحالية المعرضة للدمار وتاريخها المعنوي.