من الحقائق التي لاخلاف حولها ان الاقتصاد المصري يعاني من استمرار استنزاف قواه وموارده مند قيام ثورة25 يناير سنة2011 ولأسباب لاعلاقة للثورة بها. لقد خسر الاقتصاد الكثير من موارده من السياحة والتصدير والاستثمارات الاجنبية المباشرة وغير المباشرة. كما فقد الاقتصاد الكثير من طاقاته الانتاجية بسبب تعطل حركة الانتاج, ولقد ادي ذلك الي زيادة عجز الموازنة العامة, وزيادة العجز في ميزان المدفوعات, واستنزاف احتياطي البنك المركزي من النقد الاجنبي, كما ادي كل ذلك الي ضعف شديد في السيولة النقدية, وزيادة حجم الدين العام, وارتفاع معدل البطالة, وزيادة اعداد من يعيش دون حد الفقر.. الخ. هذا الاستنزاف ومايترتب عليه قد ازدادت خطورته في الفترة الاخيرة الي الحد الذي يخشي معه انهيار الاقتصاد, ولابد ان يقف وفورا. واذا التزمنا الصدق مع النفس, والموضوعية في التحليل, فإننا سنجد ان اهم الاسباب التي ادت الي ما يعانيه الاقتصاد المصري من استنزاف لقواه وترد في موارده انما يرجع اساسا الي الاوضاع السياسية الراهنة, والتي اتسمت بتعدد صور الصراع والصدام بين القوي السياسية النشطة علي الساحة المصرية, و هو صراع وصدام ركز حول الرغبة في الاستحواذ علي ثمار الثورة واحتكار السلطة وليس حول ترسيخ مباديء الديموقراطية وبناء الاقتصاد الوطني.. و كان من نتائج هذا الخلل الخطير في الاهداف والاولويات ان ترك الانفلات الامني ليستمر ويتفاقم, و تركت الاعتصامات والاحتجاجات العفوية لتتصاعد وتعطل حركة الانتاج, وكانت حالة الفوضي التي نعيشها الآن والتي ألحقت وتلحق ابلغ الضرر بالاقتصاد وعلي مااعلنته الثورة من اهداف الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية. ان الصراع والصدام يدور في الوقت الراهن بين ثلاث قوي سياسية ر ئيسية, الاولي هي قوي شباب الثورة يساندها قدر من القوي الليبرالية, وهذه القوي تولد لديها قدر لايستهان به من الاحباط نتيجة لعدم حصولها علي ماتعتقد انه حق لها من مقاعد مجلس الشعب, والقوة الثانية هي قوة احزاب الاسلام السياسي وفي مقدمتها حزب الحرية والعدالة صاحب الاكثرية في مجلس الشعب, والقوة الثالثة هي قوة المجلس الاعلي للقوات المسلحة صاحب السلطة الشرعية في المرحلة الراهنة, ولقد صاحب هذا الصراع والصدام تحالفات بين بعض هذه القوي خاصة بين احزاب التيار الاسلامي والمجلس الاعلي للقوات المسلحة, كما صاحب هذا الصراع والصدام تدخلا من جهات اجنبية تخشي من تصاعد قوة مصر, واخري محلية ممن ارتبطت مصالحهم بالنظام السابق علي الثورة, مما زاد من تعقيدات المشهد السياسي, وزيادة حدة تبادل الاتهامات وشيوع قدر كبير من الفوضي وعدم الانضباط, مما اتاح الفرصة للعناصر الخارجة علي القانون البلطجية للاستهانة بالدولة واجهزة امنها وارتكاب جرائم السطو والقتل والتعدي علي المنشآت الخاصة والعامة علنا, فقوي شباب الثورة وبمساندة قدريعتد به من التيار الليبرالي تعتقد ان المجلس الاعلي للقوات المسلحة قد أسهم في تهميش دورهم وتقليل فرص مشاركتهم في المؤسسة التشريعية وذلك لما قام به من تفاهمات مع حزب الحرية والعدالة, فلجأت مرة اخري الي ميدان التحرير وتعددت اعتصاماتها واحتجاجاتها في ماسبيرو وشارع محمد محمود, وامام مجلس الوزراء ووزارة الداخلية واخيرا نادت بالدعوة الي الاعتصام المدني.والمجلس الاعلي للقوات المسلحة يعتقد ان هناك من القوي الاجنبية والمحلية, والقوي الخارجة علي القانون التي اندست بين شباب الثورة مستغلة مايشعرون به من احباط لتشجيعهم علي استمرار الاضراب والاعتصام بمختلف الوسائل اضرارا بمصالح الوطن, واستمرارا للانفلات الامني وعدم الاستقرار, ونتيجة لهذه الفوضي السائدة, وقفت حكومة د. الجنزوري, وكان الله في عونه, عاجزة عن تنفيذ ماوعدت به, كوزارة انقاذ من القضاء علي الانفلات الامني وتحريك عجلة الانتاج. ان استمرار هذه الحالة المأساوية من الفوضي وعدم الاستقرار وغياب سيادة القانون لايمكن ان تتفق مع الرغبة في تحقيق الديموقراطية والتنمية والعدالة. والسؤال الآن ماهي خريطة الطريق للخروج من الحالة السياسية الراهنة وما ادت اليه من فوضي واضطراب؟ ان نقطة البداية في خريطة الطريق هي ضرورة احترام مايسفر عنه صندوق الانتخابات, خاصة اذا كانت الانتخابات قد تمت بنزاهة وحيدة, وذلك اذا كنا حقا نؤمن بالديموقراطية ومبادئها. واذا كانت قوي شباب الثورة والقوي الليبرالية لم تستطع ان تحصل علي الاغلبية في المجلس الحالي فإن دورها كقوة معارضة لايقل اهمية عن دور الاغلبية, وعليها ان تقوم بدورها بموضوعية تامة وعلي نحو يدعم فرصها في جولة مقبلة, إن الاحتجاج والاعتصام,والعصيان لرفض ما اسفر عنه صندوق الانتخابات بحرية ونزاهة, لايمكن ان يتفق مع السلوك الديموقراطي, واذا ما استقر في ذهن كافة القوي السياسية نبذ الصراع والصدام واعلاء المصالح السياسية والاقتصادية للوطن, فإن الخطوة التالية لابد من تشكيل حكومة تستند الي اغلبية داخل مجلس الشعب, ان وجود حكومة لاسند قويا لها داخل مجلس الشعب يجعلها حكومة ضعيفة غير قادرة علي الحسم وتنفيذ برامجها بفاعلية, والخيار الاول عند تشكيل الحكومة المقبلة ان تكون حكومة ائتلافية تشارك فيها معظم الاحزاب السياسية الممثلة في مجلس الشعب,. وهو الامر الذي لن يتحقق الا اذا ساد الوفاق محل الصراع والصدام. و لاشك ان حزب الحرية والعدالة هو صاحب المصلحة الاولي في تشكيل حكومة ائتلافية فالمرحلة المقبلة مليئة بالتحديات, واحتمالات عدم القدرة علي تلبية تطلعات الجماهير وفقدان الشعبية امر وارد. ومن ثم, فإن من مصلحة حزب الاكثرية في مجلس الشعب, ان يأتلف مع عدد من الاحزاب الاخري حتي تعم وتشيع المسئولية وحتي لايتحمل وحده تبعات ماقد يحدث من فشل هو الاكثر احتمالا. ولكن علي الجانب الاخر قد لاتري الاحزاب الاخري وجود اية مصلحة لها في الائتلاف, وان من مصلحتها ان يتحمل حزب الحرية والعدالة المسئولية وحده, عسي ألايستطيع مواجهة ماتحمله المرحلة القادمة من تحديات, مما يتيح لها فرصة الفوز في انتخابات قادمة. وسواء تم تشكيل حكومة ائتلافية ام انفرد حزب الحرية والعدالة بتشكيل الوزارة, فإن حجر الزاوية الوصول الي مرحلة الاستقرار, الضرورية لتحقيق التنمية ان تحترم جميع القوي السياسية نتائج صناديق الانتخاب, وان يقوم كل حزب بدوره في الحكومة او في المعارضة وفقا لما تفصح عنه تلك الصناديق. وما ان يتم تشكيل الحكومة وتنتهي انتخابات مجلس الشوري, فإن الخطوة التالية هي تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور, وان يأتي تشكيلها محققا للرغبة في ان يأتي الدستور عاكسا لارادة جميع طوائف الشعب ومحققا للتوافق بين الآراء والاتجاهات المختلفة. هذه الخطوة لابد ان تسبق انتخابات رئيس الجمهورية, اذ علي ضوء مايقرره الدستور من اختصاصات ومسئوليات لرئيس الجمهورية يستطيع الناخب ان يحدد من هو اقدر المرشحين لتولي هذا المنصب, فلا يجوز ان نقع مرة اخري في نفس الخطأ عندما قررنا اجراء انتخابات مجلس الشعب قبل وضع الدستور ومعرفة ماهو موقف الدستور من كثير من القضايا المهمة مثل طبيعة نظام الحكم رئاسيا او برلمانيا أو مختلطا, وقبل معرفة موقف الدستور من نسبة العمال والفلاحين, ومن وجود مجلس و احد ام مجلسين. الخ وماان تتم صياغة الدستور والاستفتاء عليه, حتي يكون مسك الختام, هو انتخابات رئيس الجمهورية, الذي تتحدد اختصاصاته ومسئولياته وفقا للدستور, عندئذ نكون امام نظام ديموقراطي اكتملت مؤسساته الدستورية, وقامت فيه كل قوة سياسية بدورها في الحكم او المعارضة بموضوعية, هنا يتحقق الاستقرار وهنا يقف نزيف الاقتصاد المصري, وتبدأ مراحل البناء بكل جدية, وتتحقق اهداف الثورة في الحرية والتنمية والعدالة. المزيد من مقالات د. مصطفي السعيد