عند ميلاد المسيح عليه السلام فى مدينة بيت لحم ظهرت رؤى للكثير من الناس فى مختلف البلاد، نعرف منها أن الملائكة ظهروا لرعاة الغنم فى تلك المدينة ليبشروهم ومنها أن نجما ترائى لرجال دين فى فارس ليعلمهم بمولد ملك سماوى فى بيت لحم. جاء هؤلاء الفرس إلى فلسطين لينحنوا احتراما للمولود وساقتهم الأقدار لسؤال هيرودس الملك عن مكانه. وباختصار خاف هيرودس وظن أن ذلك الطفل قد يأخذ منه ملكه فأصدر أوامره بقتل أى مولود يقل عمره عن العامين. ومن العجائب أن التوراه قد تنبأت بتلك المذبحة قبل حدوثها بمئات السنين، ولذلك وردت القصة بالذات فى إنجيل متى الذى كان مهتما بصفة خاصة بمسألة تحقق النبؤات القديمة سواء المتعلقة بالميلاد أو بغيرها. المهم، ظهر ملاك ليوسف النجار وأمره بالذهاب إلى مصر فورا. سافرت العائلة إلى مصر فى رحلتها المشهورة وسبقوا وحوش هيرودس الذين افترسوا أطفال بيت لحم. تنبه هيرودس لسفرهم قبل وصول سفاحيه، فأرسل كتيبة منهم لمتابعة العائلة المقدسة فى مصر. رؤيا ثاؤفيلس ويعتقد الكثيرون أن مسار رحلة العائلة المقدسة فى مصر قد تحدد بناء على رؤيا رآها البابا ثاؤفيلس السادس بعد أن وضع الأمر فى قلبه وصام وصلى وطلب من الله أن يوضح الطريق الذى سارت فيه العائلة المقدسة فى هذه الرحلة، وبالرغم من صحة ذلك وبالرغم من أن ذلك قد حدث فعلا، فإن وضعه بهذه الطريقة هو إيجاز معيب ويشوه الحقائق. فالأماكن التى توقفت فيها العائلة المقدسة أثناء رحلتها فى مصر كانت محددة ومعروفة قبل تلك الرؤيا، وكانت الكنيسة والمصريون يعرفون تلك الأماكن. وعلى من يشكك فى هذه الحقائق أن يسأل نفسه سؤالا بسيطا: هل يعقل أن المصريين بتدينهم المشهور عنهم (والذين كانوا تقريبا جميعا مسيحيين فى ذلك الوقت)، - هل يعقل ألا يكونوا يعرفون الأماكن التى توقف فيها المسيح كلمة الله ومريم خير نساء العالمين؟. ويروى الباحث سينوت شنودة عن لقائه بالأستاذ الدكتور أشرف إسكندر صادق من باريس والذى قام بوضع أربعة مؤلفات ضخمة عن هذه الرحلة (ولم تنشر بعد) وأنه وجد مخطوطات تعود للقرن الثالث والرابع الميلاديين محفوظة في المكتبة الوطنية بباريس تتكلم عن بعض الأماكن التي زارتها العائلة المقدسة فى مصر خاصة الفرما ونهر النيل والدير المحرق، وكذلك بعض كتابات الرحالة الأوربيين الذين أهتموا بزيارة مسار العائلة المقدسة. باختصار فإن كل ما حددته رؤيا البابا ثاؤفيلس كان هو ترتيب زيارة تلك الأماكن أى المسار الذى تبعته العائلة المقدسة ولكن كانت تلك الأماكن معروفة سلفا قبل رؤياه. انهيار الفاصل الزجاجى وأنا فى عملى أسافر دائما فى مصر وخارجها لزيارة الآثار، سواء القديم منها أو الأحدث،رأيت قصورا وقلاعا سكنها أناس مشهورين وأساطير معروفة. ولكن دائما ما كان هناك فاصلا زجاجي شفاف بين وبين تلك الأحداث، ففور وقوفى وراء الكاميرا أتحول لمحترف ينسى كل شئ عدا مهنته. ولكن أخذنى عملى فى إثر العائلة المقدسة ثلاث مرات، وفى كل مرة ينهار ذلك الفاصل الزجاجى وأكاد أن أرى «خير نساء العالمين» وهى ترعى وحيدها فى ذلك المنزل الصغير فى الدير المحرق والذى تحول إلى هيكل لكنيسة الدير. لم أتبع ذلك المسار بالترتيب، وإنما ذهبت إلى دير السوريان فى وادى النطرون، حيث عاش الأنبا بيشوى (قبل دخول الإسلام مصر) وتذمر تلاميذه من أن السيد المسيح ظهر له وحده. فأخبرهم انه أيضا سيظهر للجميع فجرا على قمة تل قريب، فبكروا وذهبوا للقائه. فى الطريق قابلهم رجل عجوز لا يقوى على السير وطلب أن يساعدوه لكى يذهب معهم، فأجابوه بلطف أنهم كانوا يودون أن يساعدوه ولكنهم يخافون أن يتأخروا. ظل الشيخ مكانه حتى قابل بيشوى وطلب منه المساعدة. لا أعرف بالضبط ما الذى جرى فى عقل الأنبا بيشوى ولكنه فى النهاية حمل الشيخ على كتفيه (وكان هو الآخر شيخا عجوزا وفجأة أخبره ذلك العجوز أنه هو نفسه السيد المسيح وأنه كما أخبر تلاميذه أثناء وجوده على الأرض سيكون موجودا فى نفوس الفقراء والمرضى وأن كل ما سيفعلونه لهؤلاء المساكين فكأنهم صنعوه له. جلس بيشوى وعاد تلاميذه متذمرين أنهم لم يروا السيد!!! الفضيحة ذهبت لأسيوط ولم أجد فندق، فسكنت فى مركب سياحية بعد توقف الرحلات النيلية. كان كورنيش أسيوط أجمل بكثير من كورنيش القاهرة. أما الدير المحرق بأسيوط فهو أهم تلك الأماكن من الناحية الزمنية، حيث سكنت فيه العائلة المقدسة لمدة ستة أشهر، وبالرغم من ترحاب الآباء الرهبان ومساعدتهم المستمرة فى مختلف الكنائس، فقد أعطانى أحدهم درسا عميقا. حملت وحدى أجهزة تصوير ثقيلة وسار بجانبى ذلك الراهب الشاب ولم يعرض أى مساعدة، بل واخبرنى أنه يجب أن أجد أحدا ليساعدنى وسار هو أمامى فى نشاط. فى اليوم الثانى شاء الله أن ألتقى معه فى الحصن مع أحد الرهبان الأكبر سنا الذى ساهم معى فى حمل أجهزتى صعودا على سلم البرج. حين صعدنا جلسنا للراحة ولم أستطع كتمان ما فى صدرى من «غيظ» وأخبرت الراهب الأكبر عن أن زميله الشاب لم يحمل معى شيئا، وذكرته بقصة تلاميذ الأنبا بيشوى الذين لم يساعدوا الشيخ. جاءت إجابته حكيمة، ولكن رد فعل الراهب الشاب كان مذهلا. فقد تقدم طالبا أن أسامحه فإبتسمت وإستمر هو فى إخبارى عن إمتنانه لأننى «فضحته» أمام زملائه فذلك أفضل جدا من الفضيحة فى السماء فى يوم الحساب. وهكذا قامت وزارة السياحة ممثلة فى هيئة تنشيط السياحة بإعادة افتتاح ذلك الطريق وأقامت تلك الاحتفالية يوم الثلاثاء الماضى بحضور البابا تواضروس الثانى ورئيس الوزراء إبراهيم محلب وعدد من الوزراء والمحافظين. ويقول الأستاذ مجدى سليم رئيس إدارة المتابعة والتخطيط والمعلومات فى هيئة تنشيط السياحة أن السياحة الدينية من أهم فروع السياحة فى العالم، وإن الوزارة تستهدف اجتذاب ملايين السياح الذين تجتذبهم تلك الأماكن المقدسة التى يزورها المصريون جميعا مسلمين ومسيحيين. --------------------------------- كنس السلالم ذهبت للمنيا لزيارة «جبل الطير» وكان الاحتفال بعيد دخول العائلة المقدسة، وككل الأعياد الدينية الشعبية فى مصر، فإن الجميع يحتفلون معا مسلمين ومسيحيين. قابلت سيدة محجبة تكنس سلم جبل الطير، وهو سلم هائل يقولون إنه يتكون من مائة درجة. وبغض النظر عن جدوى كنس سلم فى مولد فقد اقتربت منها وأجابتنى بعد أن «شخطت» فى أولا.. قالت إن إسمها أم رانده من دمشيش وأنها تكنس السلم وفاء لنذرها «للعدرا» لأن الله أعطاها. ونظرت لى مبتسمة عندما سألتها عما أعطاها الله. وبعدها قابلت وديع عطية فيلبس الذى كان يكنس السلم هو الآخر وفاء لنذره لأم النور التى أنقذت ابنه من حادث سيارة انقلبت به بعد أن كاد يموت، واستجاب الله لدعائه.