يؤكد عدد كبير من فناني ومثقفي الإسكندرية أن المدينة تعاني من تدهور المستوي الفني لمسارحها بالإضافة لإغلاق العديد من المسارح وتغيير أنشطة بعضها في مخالفة صريحة للقانون مما يهدد بإنقراضها. فالمدينة التي كانت تضم ما لا يقل عن48 مسرحا لم يتبق منهما إلا عدد قليل لا يزيد عن أصابع اليد الواحدة مما يستوجب وقفة حازمة لإنقاذ تراث المدينة المعماري والمسرحي أما زمان وبالتحديد في عام1862 فقد تمكن الكونت اتيان زيزنيا تاجر القطن اليوناني قوي الشخصية والذي كان يعمل في نفس الوقت قنصلا لدولة البلجيك في الإسكندرية من الحصول علي ترخيص ببناء مسرحين بالمدينة أحدهما صيفي والآخر شتوي, أما الشتوي فقد أسماه تياترو زيزنيا وعهد ببنائه إلي المعماري الإيطالي بياترو أفوسكاني الذي بناه علي غرار تياترو لا سكالا في ميلانو و كان يتسع ل200 متفرج, وقد إختار الكونت زيزنيا لمسرحه موقعا فريدا في وسط المدينة وبالتحديد في شارع بوابة رشيد- فؤاد حاليا- وهو الطريق الذي كان يؤدي إلي الحي الأوروبي والذي ضم الكثير من القنصليات والقصور الفاخرة فيما بعد. وعلي الرغم من وجود الكثير من المسارح بالمدينة إلا أن تياترو زيزنيا ظل ملتقي الصفوة وأثرياء المدينة من المصريين والأجانب, فقد تخصص في تقديم عروض الفرق الأجنبية والأوبرا والعروض الراقية ومنها العرض الأول لفرقة سليم النقاش المسرحية عام1877, وفيه شاهد الخديو عباس حلمي الثاني أحد العروض المسرحية للفنان جورج أبيض الذي كان يعمل وقتها ناظرا لمحطة سيدي جابر وكان يعشق التمثيل, فأعجب الخديو بتمثيله ووافق علي سفره إلي فرنسا لدراسة المسرح عام1904, وقد عرض عبد الله النديم إحدي مسرحياته وهي طالع التوفيق أمام الخديو توفيق علي خشبة تياترو زيزنيا, وعلي نفس المسرح مثلت سارة برنار عندما زارت مصر عام1907. ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن فقد قام الكونت زيزنيا ببيع مسرحه عام1918 لأحد أثرياء الإسكندرية هو اللبناني بدر الدين قرداحي بك الذي أنشأ مكانه مسرحا جديدا هو تياترو محمد علي علي مساحة2568 مترا وإستعان في تصميمه بالمهندس الفرنسي جورج باركو الذي شيده علي الطراز الإيطالي علي غرار مسرح قصر أوديون الشهير بفرنسا وزينه بمجموعة من العناصر الزخرفية الفريدة وإفتتحه عام1921, ثم في النهاية تغير إسمه وللمرة الثالثة والأخيرة ليصبح مسرح سيد درويش تكريما لفنان الشعب السكندري, وقد تم تسجيل المبني في قائمة الآثار الإسلامية للمدينة عام1990. أما مسرح زيزنيا الصيفي فقد كان ذو طراز خشبي مميز وقد أقامه الكونت زيزنيا علي شاطئ البحر في منطقة سان إستيفانو وبعدها بعدة سنوات تهدم وأقيم في موقعه فندق سان إستيفانو الذي كان علامة من العلامات السياحية للمدينة.. الجدير بالذكر أن الكونت زيزنيا الذي تحمل إسمه أحد أهم أحياء الإسكندرية كان يمتلك قصرا فخما يعد تحفة معمارية بمنطقة حي القناصل المنشية تم تدميره بالكامل أثناء ضرب الأسطول الإنجليزي للمدينة عام1882.