رنة مميزة على تليفونى المحمول تعلن وصول رسالة تحمل أخبارا جديدة. "الإيبولا صنعته وزارة الدفاع الأمريكية لإبادة شعوب يكرهها الغرب"! قفزت تلك الرسالة القصيرة المقتضبة على شاشة تليفونى المحمول فجعلتنى أقفز من مقعدى متجها نحو مصادر الأخبار للتأكد من تلك المعلومة الغريبة. فقد ذكرتنى تلك الرسالة بنظريات "مالتوس" المثيرة للجدل. فالإيبولا مرض فيروسى (معروف باسم حمى إيبولا النزفية) وقد تسبب الإنتشار الأخير للفيروس والمرض فى قتلى بالآلاف ويهدد العالم بخسائر إقتصادية تقدر بعشرات المليارات من الدولارات بالإضافة إلى التهديدات الأمنية والسياسية المصاحبة لحالات عدم الإستقرار التى تواكب ظهور الإيبولا فى أى دولة من الدول. أما "مالتوس" فهو توماس روبرت مالتوس (1799 1834) باحث سكانى واقتصادى سياسى إنجليزى إشتهر بنظرياته المؤثرة حول التكاثر السكاني. وقد إشتهر مالتس بأنه أول من أشار بشكل علمى إلى ما وصفه ب"العوامل الإيجابية" التى تعيد التوازن بين النمو االسكانى من جانب والنمو المحدود للموارد من جانب آخر. وحتى يكون الأمر أكثر وضوحا فإن "العوامل الإيجابية" التى تحدث عنها مالتوس تتمثل فى الحروب المدمرة والمجاعات والأمراض والأوبئة مثل الإيدز والإيبولا!! فمالتوس، ابن المجتمع البريطانى الإمبراطورى الإستعمارى فى ذلك الوقت من القرن التاسع عشر، توصل إلى أن الطبيعة مسئولة عن إنتشار البؤس والظلم فى العالم لأنه من وجهة نظره الخاصة يرى أن زيادة السكان تتم بشكل يفوق زيادة الموارد الطبيعية على كوكب الأرض مما يؤدى إلى إختلال فى توزيع الموارد الغذائية والثروات الطبيعية بين البشر، وبالتالى فقد رأى أن أنسب حل للتخلص من تلك المشكلة هو المجاعات أو قيام الحروب أو إنتشار الفيروسات والأمراض والأوبئة مما يقلل من أعداد البشر بالآلاف أو الملايين فيعود التوازن بين زيادة الغذاء وزيادة السكان من جديد!! وعلى الرغم من الإنتقادات التى تم توجيهها إلى تلك النظرية "المدمرة" فإن هناك من تبناها فكريا وفعليا مثل التعقيم القسرى للهنود الحمر والسود فى أمريكا. وظهرمن البيض فى الغرب من ينادون بإبادة الهنود الحمر والسود وعلى الجانب الآخر هناك من يطالب بإبادة البيض بينما يطالب آخرون بإبادة العرب!! وظهر من يقول بأن الإيبولا سلاح بيولوجى أمريكى أو غربى موجه إلى العالم! فقد نقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية ما كتبه سيريل برودريك الأستاذ المشارك بجامعة ولاية ديلاوير من أن وزارة الدفاع الأمريكية تقف وراء تجارب الإيبولا على البشر قبل أسابيع قليلة من إندلاع الوباء القاتل فى دول غرب أفريقيا!! وفى مقاله تحت عنوان "الإيبولا والايدز هل هما من صنع شركات الأدوية الغربية ووزارة الدفاع الأمريكية؟" ، كتب"إن الولاياتالمتحدة، وكندا، وفرنسا، والمملكة المتحدة جميعهم متورطون فى الأفعال البغيضة والشيطانية المتعلقة بتجارب الإيبولا. وهناك حاجة لمتابعة التعويض الجنائى والمدنى عن الأضرار الناجمة عن ذلك". أما الروس فقد أشارت صحافتهم "برافدا" إلى ما قاله لويس فراخان (أو فراقان) محمد زعيم التنظيم السياسى والدينى الأمريكى "أمة الإسلام" – حيث أكد أن فيروس إيبولا من صنع الحكومة الفيدرالية الأمريكية!! وعلى الجانب الآخر ظهرت فى أمريكا أصوات (فى مقدمتها أندرو ويبر، مساعد وزير الدفاع الأمريكى للشئون النووية وبرامج الدفاع الكيميائية والبيولوجية) تحذر من إستخدام الإيبولا كسلاح بيولوجى ضد أمريكا وباقى الدول الغربية من قبل أية جماعة إرهابية!! يدفع كل ما سبق إلى طرح سؤال محورى هو: "لماذا؟". فلماذا كل هذا الحقد وتلك الكراهية التى تصيب البعض وتجعلهم يثيرون فزع العالم أو يلحقون بالبشر كافة ضروب الأذى؟ إن الحيوانات والحشرات ذاتها لا تقدم على الإضرار ببعضها البعض إلا فى حالات محدودة نادرة لا تؤثر على إستمرار النوع. فهم لا يبيدون بعضهم البعض بأسلوب الإبادة الجماعية مستخدمين أسلحة دمار شامل نووية أو كيميائية أو بيولوجية. ويخبرنا التاريخ إن الإضرار بالبشرية وفنون إبادة الشعوب والأمم ظهرت على يد قلة من البشر إمتلكت التفوق العلمى والتكنولوجى والإقتصادى، ونتمنى أن تكمل تلك المجموعة "تعليمها" وتتعلم من الحيوانات والحشرات! دارت تلك الأفكار فى ذهنى فنحيت تليفونى المحمول جانبا ونظرت إلى الأفق فى صمت. لمزيد من مقالات طارق الشيخ