رجل ينفخ فى أنبوب حتى تنتفخ أوداجه وفى الطرف الآخر للأنبوب هناك شيء آخر ينتفخ ويكبر حتى يصبح كرة من البلور. براعة ومثابرة، حساسية شديدة وتوافق عضلى وقدرة إبداعية على التشكيل.. كل ذلك أمام فرن شديد الحرارة. يبدو بوجهه الأسمر الملتهب دائما وجسده النحيل وكأنه جزء من ورشته الصغيرة العتيقة. تتحالف حرارة الموقد وقسوة ظروف المهنة لترسم ملامح المعاناة على جبينه.. إنه خالد أحمد على، واحد من بين عائلات قليلة لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة مازالت تعمل فى نفخ الزجاج اليدوى فى مصر فى بعض المناطق مثل قايتباى وباب الفتوح ومدينة السلام و الدويقة. مهنة هجرها الكثيرون بسبب قسوة ظروف العمل ومنافسة الصناعة الآلية لكن خالد رفض الاستسلام وعلمها لولديه أحمد ومحمد. فى درب الساقية، بجوار مسجد قايتباى ومقابر الخفير، حيث الحياة والموت متجاوران، يقضى أحمد، الذى ورث عشق المهنة عن أبيه، حوالى ثمانى ساعات يومية فى إنتاج قطع فنية من الزجاج اليدوى تجذب بسحر ألوانها وتشكيلاتها التلقائية الأنظار. لتخرج من بين أنفاسه وأنامله القناديل والقوارير والمزهريات والأكواب العجمى والأطباق والأباريق متنوعة الأشكال والألوان، منها الرشيق المتمايل، ومنها المنتفخ البطن، ومنها الشامخ المتفاخر، ومنها الملتف بحلزونة حول عنقه، حسب طلب الزبون. قطع فنية تعتبر أكثر نقاء وحفاظا على الصحة لأنها تتعرض للصهر فى درجات حرارة عالية.