الحكومة سايبانا نموت..ناس كتير أغلقت الورش.. وذهبت تبحث عن لقمة العيش في مهنة أخري.. لوانتهينا ستنتهي معنا الحرف التراثية.. جمل يرددها ذوو الأنامل الذهبية من صناع الفن اليدوي منذ عدة سنوات لكن مع تطورالأحداث السياسية ومنذ اندلاع ثورة يناير بات الكثيرون منهم يعانون شظف العيش.. فهم يعيشون اليوم بيومه ويرتبط معظم إنتاجهم بالسياحة. صناع مهرة وتراث وطني مهدد بالانقراض في ظل إهمال الدولة والمنافسة الأجنبية وعدم حماية الصناعة الوطنية. نقابة للحرف التراثية نشأت أخيرا لحماية الحرفيين وتطالب بحقوقهم في الدستور الجديد. إنا لله وانا اليه راجعون.. هي أولي كلمات أحمد شعبان, الشاب العشريني, خريج كلية تربية وصانع جلاليب شرقية, معبرا عن حال كثير من الحرف والحرفيين الآن. في ورشته الصغيرة في مساكن الحرفيين بالدويقة.. كثير من القطع تنتظر زبونها.. وأيضا الأقمشة والخيوط الحريرية التي تنتظر من يقوم بحياكتها.. تتدفق الكلمات علي لسانه واصفا الوضع بأنه يزداد تدهورا يوما بعد يوم, بسبب وقف حال السياحة, وهناك ورش كثيرة للحرفيين في المنطقة أغلقت أبوابها.. في الوقت الذي قرر فيه عدد من الصناع المهرة في منطقتنا استخراج رخص قيادة ليتحولوا إلي سائقي توك توك أو ميكروباص.. ويضيف: يرتفع سعر الخامة كل يوم في حين ينخفض ربح الصانع, مشيرا إلي أن كيلو القيطان الذي يستخدمه في تطريز الجلاليب الشرقية زاد سعره خلال عدة شهور من28 جنيها ليصل إلي68 جنيها, في الوقت الذي نضطر فيه لتخفيض أسعارنا للوسيط أو المورد حتي نستطيع العيش. وتبدو السلسلة متعددة الحلقات.. فالأمر لا يقتصر علي وسيط واحد كما يشرح جاره أسامة حسين, صانع زجاج البايريكس, موضحا أنه يقدم بضاعته للتاجر بالجملة وأنها تمر بين عدة وسطاء, حتي تصل للزبون ولكل منهم نسبته, لتباع في النهاية بخمسة أوستة أضعاف ثمنها في الوقت الذي يقل فيه هامش ربحنا. وهذا علي الرغم من أنه يقضي الساعات الطويلة أمام لهيب الحرارة لصهر وتشكيل الزجاج وتحويله إلي قوارير للعطورأو شمعدانات أوبعض أشكال الهدايا, زبونها في خان الخليلي والمناطق السياحية في شرم الشيخ و الغردقة وكان بعض التجار يشترون منتجاته لبيعها في الدول العربية. حالة ركود وإهمال من الدولة لمهن أصحاب الأنامل الذهبية حولت الصديقين إلي مدمنين للعبة البلاي ستيشن.. في الوقت الذي يقومان فيه بمتابعة الأحداث السياسية علي مدار اليوم. كنا لا نستطيع الالتفات من كثرة طلبات الشغل..لكن منذ أحداث الثورة وبدأ تراجع السوق, ليزداد الأمر سوءا في الشهور الأخيرة دون أن يلتفت أحد لأحوالنا. يقول أحمد مشيرا أن كثيرا ممن يعرفهم هجروا المهنة ولولا عشقه المتوارث عن أبيه لها لتركها ليستطيع العيش مشيرا إلي أنه لو ترك الجميع المهنة سوف تختفي..وهذا جزء مهم من تراثنا. ومن الدويقة إلي درب الساقية... بجوار مسجد قايتباي وبين أحضان مقابر الخفير حيث يعمل عدد من صناع الزجاج والصدف والأرابيسك في ظروف قاسية, يجاورون الموتي وتطوقهم القمامة وتحيط بهم الكلاب الضالة, ومع ذلك يقاوم الكثير منهم لهيب أسعار الخامات المتزايد كل يوم وندرة الزبون من أجل حفنة جنيهات لسد جوع الأبناء. عم سعيد مصباح, يعمل في منزله في تعشيق بعض وحدات الإضاءة بكسر الزجاج الذي يحاول الحصول عليه بأسعار قليلة.. لكنه منذ أكثر من عام ونصف العام ورغم حصوله علي عدة موافقات.. مازال ينتظر نهاية متاهة البيروقراطية الحكومية.. ليحصل علي مكان في المنطقة الأثرية ليتخذ منه ورشة يعمل بها, متعهدا بتنظيف المكان وتأهيله. ويتساءل: لماذا لا تستغل المناطق الأثرية كأماكن لصناعة الحرف اليدوية و معارض لترويجها..أين وزارة االثقافة والآثار من الحفاظ علي هذا التراث؟ لماذا تتركنا الحكومة لنموت؟ صناع الفن.. في كنف الموتي أساتذة في صنعة الزجاج والصدف والنحاس والأرابيسك..يعملون في منطقة المقابر.. ويقومون بعد ذلك بالتدليل علي انتاجهم لبيعه للتجار. منهم من يعمل ويعيش اليوم بيومه مثل خالد أحمد علي وأولاده الذي ورث مهنة نفخ الزجاج البلدي عن والده ومازال يحرص علي مزاولتها هو وولداه.. وكانت صاحبة إحد البازارات وهي فرنسية الجنسية تأتي لتشتري حوالي90% من إنتاج ورشته لكنها بعد تلاحق الأحداث السياسية في مصر لم تعد تطرق بابهم..لتنتظر المزهريات والأواني والأباريق زبونا لا يأتي إلا نادرا. ومنهم من استطاع منذ زمن إيجاد فرصة تسويق خارج مصر وتوسع في انتاجه مثل الحاج محمد شرف واخوته. وفي ورشته في نفس المنطقة يقوم عدد كبير من العمالة بالمشاركة في انتاج وحدات إضاءة عالية الجودة تسافر إلي بلجيكا وفرنسا ودول أوروبا لكن للأسف تحت شعار صنع في بلجيكا.. شرطا للمستورد الذي يقوم بتسويق البضاعة التي تصنع بشكل كامل في مصر. لكننا مضطرون كما يقول شرف لأنه ليس لدينا خبرة للتسويق بالداخل أوالخارج..رغم أن بضاعتنا متميزة وتستخدم فيها خامات منتقاة لكن الدولة لا تهتم بالصانع المصري ولا توفر له البدائل التسويقية حوالي105 حرف يدوية يعمل بها من750 الفا إلي حوالي900 ألف شخص بحسب التقديرات الأولية لنقابة الحرف التراثية, بالإضافة لآلاف آخرين يعملون في المنازل. أرقام يندرج معظمها, كما يقول علاء عبد الصادق, صانع اللابستروتحف فرعونية ونقيب الحرفيين, خارج الاقتصاد الرسمي. الحفاظ علي الهوية ولأن الحرف اليدوية هي من أدوات حفظ التاريخ.. وهي جزء أساسي من هويتنا الثقافية والاجتماعية وهي أيضا بصمتنا الخاصة..ولأن ما يحدث من إهمال لها وللعاملين بها منذ سنوات طويلة وعدم حمايتهم ضد المنافسة الأجنبية, أدي إلي انقراض بعضها وإضمحلال البعض الآخر.. نشأت نقابة للحرف التراثية في شهر مايو.2011 وكانت أولي خطواتها هي محاولة حصر عدد الورش علي الأرض وعدد الصناع وعمل دليل للحرف مؤكدين أنه لا يوجد حصر رسمي في الدولة بالحرفيين والورش التي تعمل بالحرف التراثية وكأنها عمل غير رسمي أو شرعي كما يقول أحد الصناع..فهم يعانون أيضا عدم الحصول علي معاشات أو تأمينات تسعفهم وقت المرض وضيق الحال. فالكثير من الورش ليست لديها سجلات تجارية.. ويهتم معظم الحرفيين بكسب قوت اليوم ولا ينتبهون لأهمية التأمين والمعاش إلا وقت الحاجة. وهو الموقف الذي عاشه علاء عبد الصادق, نقيب الحرفيين مع والده الذي قضي سنوات طويلة في صناعة التحف, وحين وصل عمره ل55 عاما, كما يقول لم نتمكن من علاجه من الكبد لأنه ليس لديه تأمين صحي وبعد وفاته كان المعاش120 جنيها. وفي منطقة الدرب الأحمر وعلي بعد خطوات من مقر نقابة الحرفيين, بخان الخيامية, تقع ورشة عم مصطفي زكي حسنين المنكب طوال40 عاما علي قص وإعداد أقمشة الخيامية..يبتكر الرسومات المستوحاة من البيئة.. ويصمم مشاهد من القرية المصرية أومن القاهرة الفاطمية.. من الحياة اليومية للمصريين أومن التراث الشعبي. قد تكلفه القطعة خامات ب100 جنيه و10 أيام من العمل لتظل أسابيع معروضة في انتظار مشتر يأتي, رغم ابداعها ودقة صناعتها. يقول: حين احتجت لإجراء عمليات في ساقي بسبب جلستي لفترات طويلة في الشغل.. ظللت عاما كاملا احاول الحصول علي موافقة لاجرائها علي نفقة الدولة..ولم اكمل علاجي. صانع خيامية أبا عن جد وحين حاول كتابة مهنته في البطاقه لم يفهمه الموظفون واليوم يرفض ابنه تعلم المهنة.. ويفكر عم مصطفي في تركها والبحث عن عمل آخر..أصبحنا نأكل يوما ونجوع أياما ويتساءل لماذا لا تمنحنا الدولة قروضا لمساعدتنا وتقيم معارض لتسويق منتجاتنا ؟. ويقول حاملا صورة والده مع كسوة الكعبة التي كان يشارك في اعدادها..من يموت منا لا يتذكره احد. في الوقت, الذي يؤكد فيه سيد عاشور, بائع كليم يدوي أن هناك معارض تقام بالفعل لكن لكبار التجار ولا تخدم الصنايعية الحقيقيين. مشكلات كثيرة أدركها علاء عبد الصادق وأعضاء مجلس نقابة الحرف التراثية ليصبح اليوم علي قائمة أولوياتهم وضع مادة في الدستور الجديد لحماية الحرف التراثية, و ضمان حق الحرفيين في الحصول علي معاش وعلاج, واعتبارهم جزءا من طاقة الوطن الإنتاجية والصناعية. وقد بدأوا بالفعل, كما يشرح عبد الصادق, بمخاطبة الجهات المختلفة من وزارة القوي العاملة ومصلحة الأحوال المدنية ومركز تحديث الصناعة لتوثيق المهنة وايجاد حلول لمشاكلها. وتحديد مواصفة عامة للحرف التراثية في مصر..وايجاد وسيلة لحفر علامة صنع في مصر علي المنتجات لحمايتها و يستطرد: تواجهتنا بعض المشاكل مع مركز تحديث الصناعة لأنهم يطلبون لكي تحظي بخدماتهم أن يكون لدي كل صانع سجل تجاري والمهنة عادة ما تمارس في الأزقة والحواري, فمن أين يأتي بالرسم الهندسي والمواصفات وعدد عمال مؤمن عليهم, والكثير منهم هجرته العمالة بسبب سوء الأوضاع؟ حماية الصناعة الوطنية ويدعو عبد الصادق الدولة للتدخل لإنقاذ الصناعة اليدوية لأن أسعار الخامات تعجز الصانع ورسوم الجمارك كبيرة في الوقت الذي تنخفض فيه الرسوم علي المنتجات المستوردة من الصين وغيرها التي تغرق الاسواق بأسعار مغرية رغم عدم جودة الصناعة بالمقارنة بالمنتج المصري الذي يستهلك جهدالعامل وأعصابه وصحته..مؤكدا أن من لايحافظ علي تراثه كما النخلة بدون جذور..اعطونا امكانات وفرصا تسويقية وسترون ماذا سيفعل الصانع المصري..وكيف يمكن الاستفادة من انتاجه لزيادة حجم مشاركتنا في التجارة العالمية.. لكن ما يحدث اليوم هو اعتماد الصناع علي أنفسهم في تسويق انتاجهم وهو ما يؤكده ناجي ياسين الذي يعمل بالروباسية النقش علي النحاس..درس في كلية ألسن حتي العام الثاني ودرس علم الأديان وانفتح علي ثقافات كثيرة قائلا: جميعنا نعتمد علي الجهود الذاتية.. نبحث عن فرص تسويقية.. ونحن كحرفيين ينقصنا التواصل والخبرة في هذا المجال..ويتساءل: لماذا لا تقام معارض في الأماكن الاثرية القديمة مثل زينب خاتون.. سبيل محمد علي.. الغورية وغيرها.. لدينا كحرفيين ثقافة تراثية و تأثرنا بالبيئة في القاهرة الفاطمية.. وتعايشنا معها.. كل قطعة أنتجها أضع فيها من روحي..فكيف نجد الفن الفرعوني في متحف اللوفر وفي متحف برلين ولانجده في مناطقنا الأثرية.. هم يهتمون بفنوننا وتراثنا ونحن نهمله.. ويستنكر حال الصنعة موضحا:. اعمل لساعات طويلة لإسقاط أفكاري علي قطعة نحاس قيمتها300 جنيه في مقابل أخري الصيني ب100 سهل الكسرو بخامات مضرة بالبيئة تغرق السوق.. مما يضطرنا أحيانا لإنتاج شغل أقل قيمة كي نستطيع تسويقه مشاكل كثيرة ومتراكمة اضطرت طارق إبراهيم لترك مهنة الصدف ااتي يعمل بها منذ20 سنة ليحصل علي وظيفة ثابتة كعامل نظافة في مكتب أحد المحامين. ويقول: لدي الآن أجر ثابت وكنت أعمل احيانا24 ساعة بدون دخل..لا أحد يهتم بحرفتنا. كل صنايعي يهجر المهنة كما يقول ناجي ياسين, نفقده مرتين..مرة كحرفي وأخري كمعلم وهو ما يهدد الحرف اليدوية بالانقراض.ويتساءل: ثلاث سنوات مرت والأمور مازالت غامضة بالنسبة لنا.. وأحوالنا تزداد سوءا كل يوم.. يتغير الوزراء والمسئولون ويبقي حالنا علي ماهو عليه.. فهل من منقذ لمهنتنا وأيضا لهويتنا الثقافية والتراثية.