محافظ مطروح يشهد ختام الدورة التدريبية للعاملين بإدارات الشئون القانونية    رئيس وفد الاتحاد الأوروبي: مزرعة الرياح الجديدة خطوة مهمة نحو توفير الطاقة النظيفة والمستدامة لمصر    طرح وحدات سكنية في القاهرة الكبرى بأسعار مميزة.. بالتقسيط وكاملة الخدمات    بعد النرويج وإسبانيا.. أيرلندا تعترف بدولة فلسطين رسميا    أونروا: ما يحدث في رفح الفلسطينية سيدفع بالعمليات الإغاثية والإنسانية إلى الانهيار    اليوم.. ينطلق معسكر الفراعنة استعدادا لمبارتي بوركينا فاسو وغينيا    وجوه جديدة وعودة بعد غياب.. تعرف على قائمة المغرب للتوقف الدولى    نتيجة الصف الثالث الاعدادي برقم الجلوس الترم التاني 2024 ( رابط مفعل)    موعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2024.. تصل إلى 9 أيام متصلة (تفاصيل)    تويوتا لاند كروزر.. النيابة تسلم سيارة عباس أبو الحسن بعد فحصها من حادث دهس سيدتين    إحالة المتهمين بترويج عقاقير وأدوية مخدرة أونلاين للمحكمة الجنائية    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية البراجيل في ملوي غدًا    انطلاق فاعليات الاحتفال باليوم العالمي لصحة المرأة بتمريض بني سويف    «الرقابة الصحية»: التأمين الشامل يستهدف الوصول للمناطق الحدودية لضمان تحسين حياة السكان    سياح من كل أوروبا.. شاهد رحلات جولات البلد على كورنيش الغردقة    أمينة الفتوى: الله يسر العبادات على المرأة نظرا لطبيعتها الجسدية    اقتراح برلماني لطرح 2 كيلو لحم على بطاقات التموين لكل أسرة خلال عيد الأضحى    بولندا تشترى صواريخ دفاع جوى أمريكية بقيمة 735 مليون دولار    بالأسماء.. حركة تغييرات تطال مديري 9 مستشفيات في جامعة الإسكندرية    الاتحاد الأوروبي يتعهد بتخصيص 2.12 مليار يورو لدعم مستقبل سوريا    الرئيس الأوكراني يوقع اتفاقية أمنية مع بلجيكا اليوم    مواعيد امتحانات الدور الثاني لصفوف النقل بالمدارس 2024    ضبط متهم بإدارة صفحة على «فيسبوك» للنصب على المواطنين في الغربية    القبض على سائق سيارة نقل ذكي بتهمة سرقة حقيبة سيدة    تفاصيل الساعات الأخيرة في حياة فؤاد شرف الدين.. «كان يقاوم الألم»    بالصور.. توافد أعضاء المجلس الأعلى للثقافة لانعقاد اجتماعه السنوي ال 70    رئيس الوزراء يتابع جاهزية المتحف المصري الكبير للإفتتاح    فيلم السرب الأول في شباك تذاكر أفلام السينما.. تعرف على إجمالي إيراداته    الليلة.. فرقة الأنفوشي للإيقاعات الشرقية تشارك بالمهرجان الدولي للطبول    شروط وضوابط قبول الطلاب للعام الجامعي 2024/ 2025 بجامعة حلوان الأهلية (تفاصيل)    أسامة قابيل يكشف سر الشقاء بين الأزواج    حل وحيد أمام رمضان صبحي للهروب من أزمة المنشطات (تفاصيل)    بعد هبوط أبها.. موسيماني: غامرت بقبول المهمة    وزيرة الهجرة تستقبل أحد رموز الجالية المصرية في جينف بسويسرا    «صحة المنيا»: خدمات طبية ل105 آلاف مواطن في المستشفيات خلال 30 يوما    «الإحصاء»: 956.7 مليون دولار حجم الاستثمارات الصينية بمصر خلال العام المالي 22/2023    مشيرة خطاب: النيابة العامة من أهم السلطات الضامنة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان    مقرر «الاستثمار» بالحوار الوطني: نستهدف صياغة مقترحات تدعم وقف الحرب على غزة (تفاصيل)    رئيس وزراء إسبانيا: نعترف رسميا بدولة فلسطين لتحقيق السلام    قبول دفعة جديدة من الطلبة الموهوبين رياضيًا بالمدارس العسكرية الرياضية (الشروط)    توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 28 مايو 2024.. مكاسب مالية ل«العذراء» ونصيحة مهمة ل«الميزان»    عاجل| وفاة الشاعر اللبناني محمد ماضي    جامعة القاهرة تبحث تعزيز التعاون مع وفد صيني في تعليم اللغة الصينية والعربية    طقس السعودية اليوم.. تحذير من الأرصاد بأمطار غزيرة الثلاثاء 28 مايو 2024 وزخات من البرد    عطل يضرب الخط الأول لمترو الأنفاق وتكدس الركاب على الأرصفة    مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية يوضح فضل حج بيت الله الحرام    المراجعات الداخلية بالبيئة والسلامة فى دورة تدريبية بالقابضة للمطارات    سعر الذهب اليوم الثلاثاء في مصر يهبط ببداية التعاملات    عاجل| هيئة شؤون الأسرى: قوات الاحتلال تعتقل 22 فلسطينيا بالضفة الغربية    الأهلى يواجه سبورتنج فى نهائى دورى سيدات السلة    وزير الصحة يبحث مع نظيره الفرنسي سبل تعزيز التعاون في اللقاحات والأمصال    «الإفتاء» توضح سنن وأحكام الأضحية.. احرص عليها للفوز بأجرها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 28-5-2024    عضو الأهلي: عشنا لحظات عصيبة أمام الترجي.. والخطيب «مش بيلحق يفرح»    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 28 مايو في محافظات مصر    نائب رئيس الحكومة الإيطالية يصف «ستولتنبرج» بالشخص الخطير    عضو مجلس الزمالك: إمام عاشور تمنى العودة لنا قبل الانضمام ل الأهلي.. ولكن!    حكام مباريات الثلاثاء في دور ال 32 بكأس مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد الجمعة يكتبه : أحمد البرى
حلم العمر!
نشر في الأهرام اليومي يوم 09 - 10 - 2014

أنا رجل تعديت سن الخمسين، وقد تفرقت بى السبل حتى صرت
إلى ما أنا فيه من تشتت وألم وحسرة على سنوات عمرى التى ضاعت فى البحث عن الحب والزواج والاستقرار، وأروى لك قصتى الغريبة منذ البداية، فبعد تخرجى من الجامعة أشارت عليّ أسرتى بالزواج، واستقر الرأى على فتاة لمست فيها كل الصفات التى يتمناها كل شاب من الجمال والأخلاق والهدوء، ولم أفكر فى أمرها طويلا، إذ سرعان ما تقدمت لها، وهى طالبة، وتزوجنا، وصرنا «اثنين فى واحد» وساندتنى فى بداية مشوارى العملي، وتابعت خطواتى لحظة بلحظة، حيث عملت بوظيفة فى مجال السياحة، وكنت أقضى اليوم بين العمل فى الصباح، والعودة بعد الظهر، فأستريح قليلا ثم اذاكر لها دروسها أولا بأول، ثم رزقنا الله بطفل جميل، فاكتملت سعادتنا بتخرجها فى كليتها، أما أنا فقد انتقلت للعمل فى أحد الفنادق لفترة، ثم سافرت إلى شرم الشيخ وبصحبتى زوجتى وابني، وتوليت هناك مسئولية إدارة مطعم كبير، وبذلت فيه جهدا مضنيا حتى صار له اسم معروف فى المدينة، وأصبح له زواره وزبائنه الدائمون، وكبر ابني، وحققت له كل ما يحلم به، بعد أن كنا لا نجد له ثمن لبن الرضاعة، وسعد كثيرا بتحسن أحوالنا المادية، ونجاحى فى عملي، وكنت موضع فخر له أمام أقرانه فى الملاعب التى كان يرتادها.
ومضت بنا الحياة على هذا النحو إلى أن اختلف الشركاء أصحاب المطعم، ولم أجد مناصا من الإنتقال إلى القاهرة، وبعد نحو شهر اتصل بى أحدهم، وطلب منى العودة إلى إدارة المطعم بشروطى الخاصة، فوافقت، ولم أطلب منهم شيئا سوى أن يأخذ كل واحد من الشركاء نصيبه فى الربح الصافى للمطعم آخر الشهر، وأن يترك لى جزءا منه لكى أزيد التوسعات، وأدخل تحسينات على المكان، فوافقوا جميعا وسعدوا بفكرتي، وسار الأمر على هذا النحو لمدة سنة، ثم اختلفوا من جديد، فتركت شرم الشيخ، وعدت إلى القاهرة، ولم يكن قد تغير شيء جوهرى فى حياتنا سوى أننا انتقلنا إلى شقة بديلة للشقة التى نسكن فيها بمكان أفضل نسبيا... أما من الناحية المادية فلقد وجدتنى عند نقطة الصفر، ولم تطق زوجتى هذا الوضع أو تنتظر إلى حين أن تتحسن الأحوال، وهى التى تشاركنى همومى منذ اللحظة الأولى لمعرفتى بها، إذ صدمتنى صدمة مروعة بطلبها الطلاق، لأنها لن تستطيع أن تعيش حياة الفقر الذى ودعته إلى غير رجعة حسب قولها، ولن تتنازل عن المستوى الذى وصلت إليه، فلم أتمالك نفسى أمامها، وبكيت بين يديها، ورجوتها أن تفكر فيما اعتزمته. فهو قرار خطير يبدد حلم عمرى فى الاستقرار والسعادة، ولم ارتكب فى حقها ما يدعوها إلى ذلك، وطال توسلى إليها لكنها مضت بإصرار نحو الانفصال، ولم يصدق أهلنا ومعارفنا أن تسلك هذا السلوك، وهى المعروف عنها الهدوء والتفكير العقلاني، وتصوروا جميعا بمن فيهم أهلها أنها سحابة صيف سرعان ما تنقشع ليعود إلينا حبنا كما كان، ولكن هيهات، فقد وقع الطلاق رغما عنى وبارتياح غريب من ناحيتها، وغادرت المنزل الذى عشت فيه مع ابنى نعانى معا آلام الوحدة والمرض والفراق، وسيطرت حالة من الكآبة علينا، فلم تعرف الابتسامة طريقا إلينا، ومرت الأيام ثقيلة حزينة بلا طعم.

وما إن انقضت شهور العدة حتى تزوجت من كهل خليجى كتب لها أملاكا، وأعطاها من الذهب الكثير، فأدركت أنها باعتنى وباعت طفلها من أجل المال، فليس فيمن انفصلت عنى من أجله أى مزايا سوى المال الذى أعماها عن كل شيء حتى ابنها، وحاولت ألا أدع لليأس فرصة للسيطرة عليّ، وسرعان ما وقفت على قدميّ، وبتوفيق من الله وجدت عملا حرا، عاد عليّ بما يسترني، ويلبى مطالبى أنا وابني، ومر عامان على هذه الحال، ثم قابلت شابة جميلة، دق لها قلبي، فحاولت أن أتعرف عليها، وسألت عنها والتقيت والدتها عن طريق أحد معارفي، وعرفت منها أن ابنتها مطلقة، ولديها طفلة عمرها عامان ونصف العام، وأنهما تعيشان معها، وقالت إن زواجها لم يستمر سوى شهرين متقطعين، وإن انفصالهما نتيجة خلافات دبت بينهما، ولم يكن لها فيها أى ذنب، حيث كان مطلقها عاطلا، ولا يصرف على المنزل مليما واحدا، وأوكل مهام أسرته إلى زوجته، فلم تتحمل هذه الحياة، وطلبت الطلاق، وأنها لم تذق طعم السعادة معه يوما واحدا، فوعدتها بأن أعوضها عن كل ما لاقته من متاعب، وبأن حياتها معى سوف تختلف تماما عن هذا الوضع الذى حدثتنى عنه، فوافقت على ارتباطنا، وكانت كلمة والدتها هى الفيصل فى الموضوع لأن والدها متوفي، واخوتها متزوجون، ولكل منهم بيته وحياته المستقلة، وباركوا زواجنا، وخلال شهر واحد أعددت عش الزوجية، فاشتريت حجرة نوم جديدة، وغيرت ديكور الشقة، وتزوجنا، وحاولت جاهدا أن أرضيها، وألا أكرر تجربتى الأولي، التى فشلت على غير إرادتي، ولأسباب تتعلق بمطلقتي، وفى جلسة ودية قالت لى إنها لم تحبنى عندما رأتنى لأول مرة، لأننى أتيت إليها عن طريق والدتها مثل مطلقها، ولكنها غيرت موقفها منى بعد أن وجدت فيّ الصفات التى كانت تتمناها فيمن سوف ترتبط به، فحمدت الله على ذلك، وأقبلت على حياتى معها بكل رغبة فى تجاوز آلام الماضي، ولكن الأمور لم تخل من تدخلات حماتى التى دست أنفها فى كل شئوننا، ثم شنت حربا نفسية ضدى لم أعرف أسبابها، أو أجد لها ما يبررها، إذ عاملتنى بأسلوب «الترهيب». وهددتنى كثيرا بالطلاق، وراحت تذكر اسم مطلق ابنتها أمامى كثيرا، وأنه كان يأخذ أموالها، وكانت هى التى ترسل إليهما الطعام يوميا من بيتها، فرددت عليها بأننى لم أطلب منها شيئا لكى تردد على مسامعى هذا الكلام كل يوم، وأننى لم أسأل زوجتى عن راتبها أو شيئا من مالها، ووفرت لها كل ما تحتاجه، وكانت عندما تأتى من العمل تجدنى قد اشتريت اللحم والخضار والفاكهة وجميع طلبات المنزل، بل وكنت أتبادل معها غسل أوانى المطبخ، وأساعدها فى طهى الطعام يدا بيد.

ومر عام أنجبنا خلاله طفلا رائعا، ومضى عام ثان، وأنا فى حلم جميل، طالما حلمت به طوال عمري، وهو أن تظلل السعادة بيتي، وأعيش حياة مثالية خالية من المنغصات. ولكن هيهات أن يتحقق «حلم العمر»، فما حدث مع زوجتى الأولى تكرر مع الثانية، وإن اتخذ شكلا آخر، إذ تحولت زوجتى إلى إنسانة أخرى غير التى أعرفها، حيث زاد اهتمامها بنفسها بما يفوق الحد المعقول بما فى ذلك من وضع مكياج صارخ، حتى وهى ذاهبة إلى عملها فى الجهة السيادية، وتطور الأمر إلى حرصها على الرقص فى حفلات زفاف معارفها وأقاربها، فاستفزنى هذا التغير الغريب فى شخصيتها على غير ما عهدته فيها، واعترضت عليه، ولفت نظرها أكثر من مرة إليه، لكنها صممت على موقفها، فما ان تدخل «قاعة العرس» حتى تبدأ الرقص مع أقاربها، وعندما يجدوننى رافضا هذا التصرف، يصفوننى بالتخلف، ويستغربون موقفى من منطلق أننى عملت فى شرم الشيخ، وكأننى كنت أمتهن الرقص هناك!.. لقد قلت لها أننى أغار عليها، ولا أقبل أبدا أن ترقص مع أحد فى وجودى أو أن يراها الآخرون بهذه الصورة، وهى السيدة الوقورة التى لا يتناسب تصرفها هذا مع طبيعة عملها ولا وضعها الاجتماعي، ولا العادات والتقاليد التى نشأنا عليها، ولم أترك وسيلة أستطيع التودد بها إليها هى وأمها إلا وطرقتها، فكنت أقيم الولائم والعزومات لكل من له صلة بهم من أقاربهم، وأقف على خدمتهم جميعا، وفى نهاية كل عزومة أو «وليمة» كما كانوا يطلقون عليها كنت أغلف الأطعمة بنفسي، وأرسلها إليهم فى منازلهم، وعاشت معنا ابنتها، وعاملتها كأنها ابنتى تماما، وتخرج ابنى الأكبر من مطلقتى فى كلية الهندسة، وصار مصمم جرافيك، ثم سافر إلى والدته، وأقام معها فى البلد الخليجي، وافتتح مكتبا هندسيا واستقرت أوضاعه هناك.

وتمادت زوجتى فى مضايقتى بخلاف الرقص فى الأفراح والمكياج الصارخ بكميات رهيبة، فزادت عصبيتها بشكل يفوق ما يتصوره أحد، فكانت تصرخ دائما فى وجه ابننا بلا سبب، وأهملت شئون المنزل تماما، وانصرفت إلى شئونها الخاصة، فلفت نظرها إلى تغيرها المفاجئ، والمستجدات التى طرأت عليها، فإذا بها قد نقلت كل ما دار بيننا وزادت عليه من عندها الكثير إلى الأهل والأقارب وقالت لهم أننى «منتهى الصلاحية».. عند هذا الحد وجدتنى مضطرا إلى الانفصال عنها، فتم طلاقنا فى هدوء، وبعدها جاءنى صديق مشترك للصلح بيننا، وبذل جهدا كبيرا فى مد جسور الصلة من جديد، وقام بجولات مكوكية هنا وهناك إلى أن نجح فى رأب الصدع الذى أصابنا، وعدت إليها، وجمعنى لقاء مع والدتها واخوتها واتفقنا على فتح صفحة جديدة خالية من الصراعات، وكان من بين ما يؤلمنى أن أزواج شقيقات زوجتى لهم حظوتهم عند حماتى دوني، لأنهم يطيعونها فى كل ما تطلبه منهم بلا نقاش!

ومرت الأيام، وذات مرة كانت زوجتى تقف فى المطبخ، وتتحدث فى الهاتف، وكان ابننا يعبث ببعض الأشياء، فوجهت إليه سبابا بصوت عال، فأسرعت إليها وطلبت منها أن تخفض صوتها، وقلت لها إن من يسمعها يتصور أنها تسبني، علاوة على أن السباب ليس أسلوبا للتربية، لكنها تمادت فى صراخها وتفوهت بألفاظ جارحة تخرج عن نطاق الأدب، فألقيت عليها يمين الطلاق للمرة الثانية.. واتصلت أمها بى باكية، ونسيت أنها السبب فى كل مشكلاتنا، وأنها أضاعت حلمى فى الحياة المستقرة، كما اتصل بى شقيقها الأكبر وشكرنى على اهتمامى بابنة أخته، وسهرى الليالى فى مساعدتها فى استذكار دروسها.. وعقب الطلاق أعطيتها كل ما تريد من محتويات الشقة، وطلبت منها أن تظل علاقتنا بعد الانفصال قائمة على الاحترام من أجل ابننا الذى لا ذنب له فى طلاقنا، كما لم يكن لابنى الأكبر ذنب فى انفصالى عن أمه.

واحتضنت ابنى الأصغر، واقترب العام الدراسى الجديد، ولم تسمح حالتى المادية وقتها بتسديد المصروفات، فوعدت مطلقتى زوجة شقيقى بأن تدفع له المصروفات هذه السنة، ثم فوجئت بمكالمة من أختها الوسطى تهددنا بأن أهلهم سيأتون إلينا ويضربوننا علقة ساخنة إذا لم نكف عن استغلال طيبة أختهم بطلب مصاريف المدرسة! فطويت هذه الصفحة تماما، واتصلت بابنى الأكبر وشرحت له ما حدث. فأرسل لى كل ما طلبته من مصاريف دراسية لأخيه، وزاد عليه مبلغا اضافيا لمتطلبات المعيشة، وحصل ابنى الأصغر فى السنة التى تركتنا فيها أمه على ستة وتسعين فى المائة فى الشهادة الابتدائية، وتوليت مسئولية الأب والأم معا، فبعد عودتى من عملى أعد الطعام وأرتب المنزل، ثم أذاكر له دروسه، وأوفر له كل ما يريده، ومنذ شهرين فقط حصل على الحزام الأصفر فى الكاراتيه من خلال النادى الذى نشترك فيه.
ولا أخفى عليك يا سيدى أننى اشتقت إلى الحياة المشتركة، فالكائنات الحية، كائنات اجتماعية، وحلم عمرى أن أحيا فى أمان واستقرار، وقد سعيت إلى ذلك فى كل مراحل حياتي، ولم أفلح فى تحقيقه فى زيجتين أثمرت كل منهما عن انجابى ولدا، فهل بكثير عليّ أن أجد من هى ذات الخلق فتواصل حياتها معى بلا منغصات، وتتمتع فى الوقت نفسه بالجمال الهادئ فتعصمنى من الاغواءات وتكون «ستى وتاج راسي».. أم من الأفضل أن أظل على حالى بعد كل ما جرى لي؟

ولكاتب هذه الرسالة أقول:

السبب الرئيسى فى فشل زيجتيك، وعدم تحقيقك حلم عمرك فى الاستقرار الأسرى هو النكد الزوجى المستمر، وافتقادك أسباب السعادة التى من أهمها البعد عن المنغصات التى تفسد حياة كل زوجين فكل مأساتك تتركز فى المسألة المادية، والتى بسببها فضلت زوجتك الأولى كهلا عليك بعد أن زغلل عينيها الذهب والمال، فآثرت الطلاق غير مبالية بسنوات العشرة والحب والابن والثانية وجدتك عالة عليها من باب انها تشغل وظيفة مهمة بجهة سيادية تدر عليها دخلا وفيرا، فى الوقت الذى لا يوفر فيه العمل الحر لك القدر الكافى للحياة المرفهة التى تتطلع إليها، ووجدت ضالتها للخلاص منك فى تدخلك الدائم فى مسائل شخصية كالرقص فى زفاف أحد أفراد عائلتها أو وضع مكياج صارخ، وربما تكون قد اندفعت نحو هذا السلوك لكى تجبرك على تطليقها خصوصا وأنك ناقشت معها هذه المسائل على مرأى ومسمع من الجميع، فرأت فى تصرفك معها بهذا الشكل إهدارا لكرامتها فكان طبيعيا أن ينتهى الأمر بالطلاق.
وأى حياة زوجية لن تنجح وتستمر فى ظل وجود النكد الذى ينظر إليه البعض وكأنه معركة حربية، السلطة فيها لمن ينتصر أو يفرض سيطرته على الآخر، وما جاء فى سياق رسالتك من تصرفات مطلقتك الثانية يذكرنى بطرفة تقول: «إن امرأة كانت كثيرة النكد فى البيت ومن لا شيء تصنع أشياء منكدة، واستمرت حالتها على ذلك يوميا، ففكر زوجها فى تخصيص يوم اسبوعى للنكد تفرغ فيه كل شحنتها من الغضب والصراخ والاستفزاز وتستريح الاسرة باقى أيام الاسبوع. ولاتكون كل الأيام نكدا، وفى الليلة السابقة على يوم النكد»، اخذت الزوجة تغنى «بكرة النكد بكرة.. بكرة النكد بكرة» لكنى لا اعفيك من المشاركة فى النكد أنت الآخر بإملاءاتك المتكررة على زوجتك وباعترافك الضمنى بأن طباعك عكس أزواج شقيقات مطلقتك الثانية ولذلك فإن والدتها كانت ترتاح اليهم أكثر منك لكنك ارجعت السبب إلى أنهم يطيعون أوامرها والواضح أنك تفسر التفاهم على انه نوع من الخضوع وليس توافقا فى الآراء أو حلا وسطا لتفادى الخلافات وليس معقولا ان يكونوا جميعا مسيرين الى هذا الحد الذى يخضعون فيه لارادة حماتك السابقة وأنت الوحيد الذى لم ترض بهذا الخضوع.

وفاتك أيضا أن الحياة الزوجية المليئة بالنكد تؤثر بشدة على هرمونات المرأة والرجل حيث يرتفع هرمون «الكورتيزول» نتيجة التوتر المستمر، وتصبح معدلات ارتفاع هذا الهرمون أسرع عند المرأة مما يؤثر على قدرتها على تحمل هذه الحالة النفسية.. وهناك رجال يغوون النكد أيضا بارتكابهم حماقات لا داعى لها، لدرجة أننى جاءتنى قارئة باكية لأن زوجها ثبت على هاتفه المحمول نغمة خاصة برقم هاتفها، فكلما طلبته يصرخ رجل قائلا «الحقوني!»، ولا يريد أن يغيرها، وكان ذلك سببا كافيا لانفصالهما وتهدم حياتهما الزوجية!
إن نجاح الزواج أمر نسبى ولا يمكن للحياة الزوجية أن تكون متعة خالصة وسعادة مطلقة، فالارتباط يعنى اشتراك الرجل والمرأة فى حياة بها أخذ وعطاء، وتعد الأنانية المفرطة سببا رئيسيا فى فشل الزواج، ولا بديل عن الإيثار والانتباه لمشاعر الطرف الآخر، والتفاهم والحوار المتبادل مهمان لحل المشكلات التى قد تنشأ بينهما، وليعلم كل زوجين أن حياتهما معا ليست حربا يحاول فيها كل منهما أن ينعم بالانتصار، وإنما هى مسئولية مشتركة يتكاملان خلالها، ويبذل كل واحد أقصى ما يستطيع ليكون غطاء وسترا للآخر.
ومن المفاهيم الخاطئة لدى بعض الرجال أنهم يعتقدون أنهم لكونهم رجالا، فإنه يحق لهم أن يتدخلوا فى كل كبيرة وصغيرة فى شئون الأسرة، وفى الوقت نفسه لا يسمحون لزوجاتهم بممارسة دورهن الأسري، ويطلبون منهن تنفيذ كل الأوامر بلا نقاش ولا حوار. وأنهم قادرون على اتخاذ أى قرارات دون مشورتهن، ويقابل ذلك مفهوم خاطئ لدى المرأة بأنها يجب عليها أن تعامل زوجها بمثل معاملته أى السيئة بالسيئة، والحسنة بالحسنة!. ويغيب عن كل هؤلاء ضرورة «الوفاق الزوجى».. وهو فى الحقيقة يحتاج إلى فترة طويلة من البحث لاختيار الشريك المناسب.
وبرغم التطورات الكبيرة على الأصعدة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، فإن العادات والتقاليد، مازالت تفرض نفسها على اختيار الزوج والزوجة من جانب الأهل و يقبل الطرفان على الزواج، ولكل منهما تصوره الخاص بالحياة الزوجية، حيث يتطلع الزوج إلى أن تقر زوجته تلقائيا بأن تكون له السيطرة والسيادة ويقابلهما تبعية وخضوع تام من جانبها، بينما تتوقع الزوجة أن تمتلك زوجها وتستحوذ عليه أو تحاصره من كل صوب، وهكذا ينشأ الصراع بينهما، وإذا لم تتم معالجته بتقريب وجهات نظرهما، ويتنازل كل منهما بعض الشيء عن شروطه، فلا بديل عن الانفصال، وهذا ما حدث معك نتيجة نظرة كل منكما للأمور من زاويته الشخصية ففى زيجتك الأولي، انفصلت عن زوجتك برغم الحب المتبادل كما تقول، وفضلت عليك كهلا خليجيا بسبب نظرتها المادية، وسعيها إلى أن تعيش فى مستوى مادى عال، ولم تبال بالطلاق، ولا بتشريد إبنها، وكذلك فعلت زوجتك الثانية التى من الواضح أنك طلقتها ثم اعدتها إلى عصمتك ثم طلقتها للمرة الثانية بسبب النواحى المالية أيضا، وإن كنت قد أرجعت السبب إلى تدخل أمها فى حياتها بالإضافة إلى المستجدات التى طرأت عليها كوضع المكياج الصارخ والرقص فى الأفراح، وأحسب أن هناك عوامل أخرى لم تذكرها.
وبصراحة شديدة: فإننى أراك مغاليا فى المسألة المادية إلى حد أنك بعد تطليقك زوجتك الثانية أردت أن تدفع هى المصروفات المدرسية، فى حين أن الطبيعى أنك أنت الملتزم بدفعها لابنك. حتى لو كان فى حضانتها وإن امتنعت عن الصرف احالت الأمر إلى المحكمة، ونالت نفقة شهرية إلى جانب مستحقات المطلقة من نفقة وخلافه!
ياسيدى إن «حلم العمر» بالحياة السعيدة المستقرة لايتحقق من طرف واحد، وعليك أن تدرك جيدا أن التفاهم المتبادل أساس الزواج الصحيح، ولابد من التفكير الهادف فى اختيار شريكة الحياة. فكما يقول المثل الايطالى «من يتزوج على عجل يندم على مهل».. وأنت ارتبطت بزوجتين دون أن تمنح نفسك الوقت الكافى للتدقيق فيهما، والوصول إلى أرضية مشتركة للبناء عليها.. أما الزوجة التى تبحث عنها لكى تواصل حياتك معها بلا منغصات، وتتمتع بجمال يحصنك من الاغواءات، فإنها بالمقابل تتطلب منك شروطا مماثلة من حسن العشرة والقيام بالمسئولية الكاملة للأسرة، وأن تضع ثقتك فيها، ولا تتصور دائما أنك الملاك الذى لا يخطئ، وهى دائما الشريرة التى تبحث عن النكد.
نعم هذا هو الدرس الحقيقى الذى يجب أن تستوعبه قبل الاقدام على زواج جديد أراك فى حاجة إليه، فصحح مسارك ودقق اختيارك تصل إلى ما تريد، والله المستعان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.