ماذا نريد من الشباب، وهل المشكلة الآن تنحصر فى كيفية تمكينهم من الانخراط فى المشاركة السياسية بشكل جدى يضمن لهم تمثيلا حقيقيا فى كل المجالس المنتخبة، ووجودا كبيرا فى المواقع القيادية، وعن أى شباب نتحدث بالضبط ؟ تساؤلات كثيرة تثيرها قضية تمكين الشباب فى مصر، التى تفجرت عقب ثورة يناير، لكنها كانت مثارة أيضا بشكل أو بآخر قبل ذلك، ولكن فى إطار محاولات استغلالها من قبل البعض لدعم عملية توريث الحكم التى كانت قائمة آنذاك على قدم وساق. وطبقا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء الصادرة فى 12 أغسطس الماضى بمناسبة اليوم العالمى للشباب، يبلغ عدد الشباب بمصر فى الفئة العمرية من 18 إلى 29 عاما نحو 20 مليون نسمة بنسبة 23.7% من إجمالى السكان، منهم 51.1% ذكور و48.9% إناث. وتشير البيانات إلى أن 51.8% من الشباب فقراء، منهم نحو 27.7% يعانون الفقر، و24.1% يقتربون من خط الفقر، فى حين يمثل غير الفقراء 48.2% للفئة العمرية نفسها، وذلك طبقا لبيانات بحث الدخل والإنفاق لعام 2012 2013. ويبلغ عدد الطلاب المقيدين بالجامعات والمعاهد العليا (الحكومية - الخاصة) خلال عام 2012 نحو 2 مليون طالب، وكذلك المقيدون بالمعاهد الفنية فوق المتوسطة (حكومية - خاصة) نحو 82 ألفا و537 طالبا. بينما تبلغ نسبة مساهمة الشباب فى قوة العمل من هذه الفئة العمرية53.1%، منهم 74.8% ذكور، و29% إناث، مع الإشارة إلى أن نسبة الشباب المشتغلين بعمل دائم بلغ 44.9%، ونسبة العاملين بعقد مؤقت 35.1%، فى حين يصل معدل البطالة فى هذه الفئة العمرية إلى 29%، ويبلغ معدل البطالة للشباب الذكور الحاصلين على مؤهل جامعى فأعلى 36.4%، بينما انخفض إلى 14.7% للحاصلين على مؤهل أقل من المتوسط والأميين، فى حين بلغ معدل البطالة للإناث الحاصلات على مؤهل جامعى فأعلى والمؤهل فوق المتوسط نحو 57.2%، بينما انخفض إلى 25.4% للحاصلات على مؤهل أقل من المتوسط، و13.7% للأميات. وأظهرت بيانات نشرة الزواج والطلاق لعام 2013 أن 65.7% نسبة الشباب المتزوجين فى هذه الفئة العمرية من إجمالى المتزوجين الذكور، مقابل 85.7% للإناث، كما بلغت نسبة المطلقين الذكور أكثر من الربع بما يقدر بنحو 26.3% من إجمالى الذكور المطلقين مقابل نحو النصف للإناث 47.8%. هذه الأرقام ينبغى أن تكون نصب أعين أى شخص عند الحديث عن قضية تمكين الشباب، وأن تخضع لدراسة مكثفة للكشف عن مدلولاتها الحقيقية إذا كنا نسعى لمعالجة جادة لهذا الموضوع. كما أن مثل هذه الدراسة التى لابد أن تشمل بالطبع الشباب فى المحافظات المختلفة باعتبارهم يمثلون الأغلبية العظمى من الشباب فى مصر وليس فى القاهرة فقط، ستكشف بوضوح الأولويات الحقيقية للشباب بشكل علمى بدلا من الأولويات المفترضة التى يصنعها الإعلام وبعض المتحدثين باسم الشباب فى العاصمة. وعلى سبيل المثال هل يمثل قانون تنظيم الحق فى التظاهر الأولوية الحقيقية للغالبية العظمى من الشباب فى مصر الآن كما يزعم البعض، أم أن هناك أولويات أخرى أكثر إلحاحا مثل إيجاد فرصة عمل على ضوء هذه الأرقام التى تتحدث عن نسبة بطالة تبلغ 29%، وتصل إلى 36.4% للشباب الذكور الحاصلين على مؤهل جامعى فأعلى ، ترتفع إلى نحو 57.2% للإناث الحاصلات على مؤهل جامعى فأعلى والمؤهل فوق المتوسط. ومن هم الذين ينبغى لهم الحديث باسم الشباب بالضبط، هل هم أصحاب الروابط والاتحادات والتحالفات الوهمية التى قد لا يزيد أعضاء البعض منها على عدد أصابع اليد الواحدة أو أقل، وهل سنكرر نفس مأساة مئات الكيانات الوهمية التى ظهرت للحديث باسم ثورة يناير، وفشلت فى التحول إلى أحزاب سياسية حقيقية، لأنها لم تكن سوى «سبوبة» لدى البعض للحصول على أى مغانم شخصية، أو ستار لجماعات أخرى للقفز على الثورة كما حدث بالنسبة للإخوان ، بينما ظل شباب الثورة الحقيقى ووقودها بعيدا عن الاهتمام لفترة طويلة. والغريب أن وزارة الشباب والرياضة مثلا عندما رأت المساهمة فى ندوة الأهرام لبحث المشاركة السياسية للشباب، سارعت بعقد مؤتمر فى أحد مبانى مركز شباب الجزيرة بالقاهرة، لتكرس مفهوما خاطئا بأن المقصود بالشباب هم ممثلو النخبة ذات الصوت العالى التى تعيش بالقاهرة وتحتكر لنفسها حق التحدث باسم شباب مصر فى الإعلام وكل المنتديات السياسية والثقافية. ولو أنصفنا لنزلنا إلى مراكز الشباب المنتشرة فى الغالبية العظمى من قرى مصر، وتعرفنا من الشباب الحقيقى على همومه ومشكلاته وطموحاته وأولوياته، وسبل تمكينه سياسيا فى ظل ظروفه الحالية بهذه المحافظات من فقر وبطالة وسيطرة العصبيات القبلية والعائلية وذوى النفوذ على العمل السياسى والانتخابات العامة بصفة خاصة. كيف تظهر قيادات شابة جديدة، ونحن لم نهتم بانتخابات المحليات ولا نعرف لها موعدا ولا أحد يتحدث عنها، رغم أنها السبيل الحقيقى لظهور القيادات الشعبية. إن تمكين الشباب هى قضية وطن، ولكن معالجتها جديا تبدأ من قلب الريف والصعيد وليس من القاهرة، وبالتفاعل مع شباب مصر الحقيقى وليس مع من يحاولون احتكار التحدث باسمه بحثا عن منصب أو غنيمة، واقرأوا الأرقام مرة أخرى.