انطلاقا من إدراك عميق بقيمة الفلاح المصري، وبحس إيمانى كامل لدى الرئيس، وبأن الودعاء الطبين من أهلنا سيرثون تلك الأرض فى نهاية المدي، وباعتبارهم صناع أعظم حضارة على ضفاف النيل العظيم، فقد صدق الرئيس السيسى على «إنشاء نقابة موحدة للفلاحين والتأمين الصحى على الفلاح وأسرته والزراعة التعاقدية، والتكافل الزراعى وقانون الصيد، وتوج ذلك بتسليم عقود تمليك لعدد من منتفعى الإصلاح الزراعي، إضافة إلى عرض موقف المتعثرين من الفلاحين ببنك التنمية والائتمان الزراعي. وانطلاقا من الاهتمام بهذا الإنسان البسيط الذى يعد ملح الأرض، وهو درة التاج فى صلب الحضارة التى قامت على الزراعة منذ فجر التاريخ . لقد أدرك الرئيس وهو يدشن كبرى المشروعات القومية «محور قناة السويس» أن الحضارة المصرية القديمة تميزت بطابعها الزراعي،وقامت تلك الحضارة حينما استقر الإنسان المصرى القديم وزرع الأرض،وكانت الزراعة أساس رخاء البلاد وثروتها، فقد أحسن المصرى القديم استغلال الأرض وموارد مصر الطبيعية لسد حاجاته،واعتبر نهر النيل من أهم العوامل الطبيعية التى ساعدت على قيام الحضارة المصرية، وقد راقب المصريون القدماء نهر النيل وعرفوا كيف يستفيدون من مياهه عن طريق: إقامة المقاييس وإقامة السدود وحفر الترع والقنوات، لذلك صدق الرئيس على قوانين وقرارات جديدة - طال انتظارها - ليهب الفلاح من كبوته « 52% من طاقة القوى العاملة» ، ويودع سنوات الغربة والضياع فى انطلاق جديد نحو تعمير الوادى والدلتا عبر ملحمة جديدة من الصمود والتصدي، ليضيف لرقعة مصر الزراعية أربعة ملايين جديدة من الأفدنة فى خطوات جادة نحو توفير الحد الأدنى من الغذاء ويسهم بأكثر من (14% من الناتج الإجمالى القومي، عبر هذه الانطلاقة الجديدة التى تضمن استقلال القرار السياسى والاقتصادى المصرى فى وقت يطل فيه العالم بعين فاحصة مترقبا ذلك المارد المصرى الذى وفر (64 مليار جنيه فى 8 أيام) لمشروع محور قناة السويس. سنوات الغربة والضياع ربما تلخص لنا المسافة الفاصلة بين عام 1977 وحتى عام 2014 ،(حوالى أربعة عقود) تاريخا من عمر سنوات الغربة والضياع التى لحقت بحياة الفلاح المصرى جراء سياسات الانفتاح الاقتصادى ، التى أكلت الأخضر واليابس فى حياته ، رغم أنه هو نفسه الذى استطاع قبل آلاف السنين أن يبنى أكبر حضارة إنسانية على العشب وزراعة الحبوب، والتى امتدت على ضفتى النهر العظيم بفعل المياه التى كانت تتهادى بخفة فى تيه وخيلاء ، فى رحلة قدومها من منابع الحبشة فى عمق أفريقيا. فى ظل سياسات عبد الناصر الزراعية فى أعقاب ثورة يوليو 1952 ، كانت العيدان ترتوى فى نشوة، وتزداد طولا محملة بالثمار تتمايل فى دعة ، معلنة فى الوقت ذات التحدى الكبير فى وجه عواصف الحياة وأنوائها ، بعد أن ظلت تلازم الإنسان المصرى الذى احترف مهنة الفلاحة منذ فجر التاريخ وحتى يومنا الحالي، ومع ذلك فعلى طوال تاريخه الطويل ظل مسافرا زاده الخيال والحب والظلال مع مياه النهر الخالد، ولم تثنى عوده الأسمر النحيل تلك القوانين الجائرة والقرارات الصارمة ، ولا حتى حملات الاستعمار الظالمة التى أكسبت معدنه النفيس قدرا هائلا من بريق الصمود والتصدى فى رحلة البحث والشقاء. هجرة الزرع والضرع ربما نالت حياة الغربة فى عاصفة الهجرة إلى الخليج « سبعينيات القرن الماضي، والتى كانت مجرد عرض أو ظرف استثنائى ، حيث شهدت التربة المصرية حالات من النزوح المؤقت،لأول مرة فى تاريخه الحديث ترك الفلاح على أثرها أرضه وزرعه وضرعه، وهو الذى كان يمثل العمود الفقرى فى الحياة المصرية وصانع الحضارة الفرعونية القديمة عبر آلاف السنين. وعلى قدر مساهمة الفلاح المصرى فى تعمير الصحاري، واحتماله لحرارة الشمس المصحوبة بالرطوبة القاتلة التى كانت تنذر آنذاك بانهيار كامل لصاحب أكبر حضارة زراعية فى التاريخ ، سرعان ما عاود الفلاح المصرى صناعة الأسطورة من جديد، لكن نوائب الدهر كانت قد لعبت لعبتها القبيحة، عندما عاد حاملا أنواعا جديدة من أسباب الرفاهية باقتناء بعض الأجهزة الكهربائية « كاسيت فيديو غسالة بوتاجاز وغيرها» ، تلك التى أحالت عيشه إلى نوعا من الجحيم ، وتحولت على أثرها حياته من النمط الفطرى البسيط إلى ذلك النوع من النمط الاستهلاكى على جناح الكسل والشراهة الغريزية المقيتة. عندئذ لم يعد الفلاح المصرى هو ملح الأرض الذى كانت تضرب به المثل فى الحضارات المتعاقبة فى تاريخ البشرية ، فقد ضاقت سماء الوادى الصافية ، وتحولت المروج الخضر إلى ساحات من البوار ، بعد أن أصبح الفلاح غريبا عن ترابه المقدس. وهنا يوضح لنا الدكتور إيهاب سرحان - باحث بمعهد بحوث أمراض النباتات - أن الفلاحين رغم عودتهم من جديد قد أجمعوا على أن السياسات الزراعية لا تسير فى الاتجاه الصحيح، وفكرة اقتصار عمل الفلاح على الزراعة تعد «سُبّة فى جبينه»، لأنه بهذا المنطق يعيده إلى زمن العبودية الذى حرره منه جمال عبدالناصر بثورة 1952. ثورة الذهب الأبيض لقد أبى «القطن» صاحب أكبر الملاحم غنائية فى التاريخ المصرى قديمة وحديثة أن يكمل المشوار فى عهد الفلاح الجديد،القادم بعداءات تكنولوجية مهلكة، فبعد أن كان القطن مصدر فخر الفلاحين حيث كان الفدان فى ستينيات القرن الماضى ينتج «18- 24 قنطارا للفدان فى الموسم الواحد»، عرفت عجلات «عربات الكارو» طريقا سريعا وعودة مبكرة للبيوت ، لأنها باختصار لم تعد تحمل فى رحلة العودة، بعد أن تودع الشمس فى رحلة غروب قرصها القرمزى فى مواسم جنى القطن سوى «كيس أو كيسين» لا تزن أكثر من «خمسة قناطير للفدان» فى ذات الموسم، وهى حصيلة لاتكفى كساء أفراد أسرة أو تحقق طموحا فى زواج أحد أفرادها ، وذلك كله بعد انقلبت الموازين المغايرة للناموس الطبيعى فى حياة الفلاح. سرقت عيدان الحطب السمراء الفرحة من فوق جبين الفلاح بعد أن كانت أرضه مفروشة باللون الأبيض الصافى تزهو به قبل موسم جنى القطن، بعد ما ذبل عوده واصابته أمراض التخمة، واصفر لونه كلون غيطان الذرة، عندما تشى بخسران مواسمها. فرق النقاوة اليدوية وعلى أثر غربة الفلاح المصرى عن أرضه عرفت « الدودة الأمريكية « أرواق القطن وبشراهة غير منقطعة النظير، تفوقت على سائر أنواع الدود التى كانت تتعايش معنا نحن الفلاحون - فى التهام الأوراق التى أكسبتها لونا أخضر تصعب معه مقاومة «فرق النقاوة اليدوية»، فلم تعد تلك الطرق مجدية كما كان فى الماضي، خاصة أنه تواكب معها ظهور طائرات رش المبيدات التى كثيرا ما حلق بها الطيارون «الهولنديين والبلجيك» فى سمائنا هائمين على وجوههم فى الأودية والحقول ، غير مبالين بتضرر الزراعات الأخرى وإحداث خلل بيئى جسيم يمثل عدونا جديدا على الفلاح. ولم تسلم من طلعاتهم العداونية القضاء على الطيور الصديقة للفلاح « أبو قردان وأبو فصاده والهدد» ، ناهيك عن ثروة الفلاح السمكية ، التى كانت على اختلاف أنواعها وأشكالها وألونها تمرح فى سكينة عبر « القنايات المصارف الترع «، وفى أحشاء حقول الأرز ، فى مواسم سد المياه ، وقبل الحصاد، حيث توفر غذاءا شهيا مجانيا لأبناء الفلاحين من البسطاء والأجراء الذين كانوا يتفنون فى صيدها ، بأدوات بدائية من السدود الصغيرة التى تحجز جيوشها الجرارة أيام قلائل ، ثم تصفى المياه لتصل إليها أيدى هؤلاء البسطاء عائدين لبيوتهم مجبورين الخاطر. وهم نفس الطيارين الذين اغتالت أياديهم الآثمة - فيما بعد - فرحة الأطفال فى «مدرسة بحر البقر» الشهيرة ، بعد أن تدربوا على خرائط ومواقع من الريف المصرى فى مواسم رش المبيدات، ودشنوا عهدا جديدا من المقاومة، اغتالوا به طرق المكافحة اليدوية للدودة عدو القطن. كانت «فرق النقاوة اليدوية» تلك مدرسة أخرى من مدارس الحياة ، وبفضل أشعة الشمس المعتقة بندى الصباح، ولونها القرمزى فى أول المساء فى تلك الأيام، سرت فى عروق أطفال الفلاحين دماء مغايرة ، وقويت عزيمة تلك الأيادى الغضة الطرية على تحمل المشاق والمتاعب ، فى صفوف منتظمة عبر رحلة العمل الدؤوب طوال اليوم من السابعة صباحا وحتى السابعة مساء فى مشهد يشبه الكتائب العسكرية من حيث قواعد الالتزام والانضباط فى العمل. صلافة السياسات الجائرة لم تشفع نضالات فلاحى مصر منذ أواخر الخمسينينات حتى منتصف الستينيات- ضد التوجهات التى تشى باستغلال للفلاحين، وسقطت من ذاكرة الدولة تلك المعارك التى قامت فى «كمشيش وأوسيم ومطاى وبنى صالح وشبراملس والحوانكه وسجين».. وغيرها من قرى مصر فى بحرى والصعيد، والتى استشتهد على أثرها عدد من مناضلى الفلاحين «صلاح حسين والدسوقى أحمد على وعبد الحميد عنتر وأبو زيد وأبو رواش»، وغيرهم من القيادات الفلاحية، فلقد عاد الفلاح من هجرته القصرية مستقبلا حزمة من القانونين الظالمة والإجراءات التعسفية فى علاقة المالك والمستأجر وغيرها من تعديات على حقوقه التى أثقلت كاهله، عبر سياسات التكيف الهيكلى التى فرضت علينا منذ منتصف السبعينيات، وتفكيك المؤسسات الفلاحية والزراعية، وإتباع سياسة ما يسمى «التصدير من أجل الاستيراد كزراعة الفراولة لاستيراد القمح، فضلا عن رفع يد الدولة عن العملية الزراعية على كافة محاورها «الائتمانية والإنتاجية والتسويقية»، وإطلاق العنان لقوى السوق بالنسبة لحيازة الأرض ، وهو مما كان وراء صدور قانون الإيجارات الجديد، والاعتماد الرئيسى تجاه المتطلبات الغذائية على معونات المانحين، وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية. وكان من الطبيعى أن يترتب على هذه السياسات: تقلص المساحات المنزرعة بالمحاصيل الغذائية أو اللازمة للصناعة الوطنية، وازدياد معاناة وهموم الفلاحين من السوق السوداء وحاشيات الاحتكار، إضافة إلى تدهور الناتج الزراعى والاعتماد على الاستيراد من الخارج. ومنذ ذلك التاريخ بدأت مرحلة جديدة وومريرة من نضال الحركة الفلاحية والقوى اليسارية المناصرة لها، فالأمر لم يعد مجرد مواجهة استغلال كبار الملاك (كما كان الوضع قبل ثورة يوليو)، ولا مقاومة التآمر على الإصلاح الزراعى (كالخمسينيات والستينيات)، لكنه أصبح مواجهة لمخطط عدوانى أجنبى شرس للهيمنة على زراعتنا وغذائنا ومقدرات مجتمعنا مع تدشين مشاريع الصرف المغطي، ذلك الذى أضر بالتربة المصرية وكاد يقضى عليها، وتواصل النضال الفلاحي، فى محاولة الخلاص من هذه السياسات المدمرة للزراعة والمهدرة للفلاحين، لكن الرياح كانت أقوي. نسيان الميراث الحضاري لكن الفلاح المصرى كان قادما من الخليج فى حينه يرتدى عباءة استهلاكية جديدة قصمت ظهره فيما بعد.، ولم يعد الفأس يقوى على الغوص كثيرا فى عمق الطينة السوداء عازفا لحنه الشجى على ايقاع آهات الفلاحين،التى كانت غالبا ما كانت تأتى من الأعماق فى قلب سيمفونية العرق. وواكب حالة الرفاهة الفلاحية تلك فى تسعينيات القرن الماضي، إعلانات التليفزيون عن أنواع السمن الصناعى خالى الطعم والدسم ، ومساحيق الغسيل التى أسقطت من الذاكرة الحية نقاء السريرة ، وأصبحت تشير بأصابع الاتهام إلى أن الفلاح المصرى لم يكن يعرف طرق النظافة طوال تاريخه الطويل والمديد. وفى زحمة الحياة العصرية الجديدة نسيت الفلاحات طرقهن الإبداعية فى «الخبيز» فى مرحل إعداد العيش بلدى طازج كت «المرحرح» الذى كان يكفى واحد منه لسد رمق الصغير والكبير مصحوبا بقطعة جبن أبيض، مع بعض حبات الطماطم والخيار، أو مع بطيخة مشبعة بندى مساء مرصع بالنجوم وعلى ضوء القمر فى انتصاف شهره الهجري. صناديق أسمتنية خانقة وليس حال بيوت الفلاحين أوفر حظا من أهلها ، فقد تحولت من «الطين اللبن» أو «الطوب الأخضر» كما كان يسميه أهلنا فى الريف والذى كان واحة برد وسلام ، طريا حانيا فى الصيف ، دافئ فى عز الشتاء القارص على أهله. ليظل أسوأ ما لحق بالفلاح المصرى فى حياته هو تحول تلك البيوت من مرحلة الطين اللبن إلى الخرسانة المسلحة، لتتشكل فى صورة صناديق بغيضة فى تصميمها وأشكالها ومعالمها العشوائية ، بحيث لا تعبر عن ملمح حضاري، أو عصري، سوى أنها تعكس ثقافات مغايرة للفلاحين العائدين من الخليج ، من حيث الطرز المعمارية التى تتراص فى ايقاع غير منتظم. اجتياح الشاشات الفضائية وفى ليلة ليست أقل سوادا هبطت الشاشة الفضية من سماء الحداثة كالبرق الخاطف ، لتغتال فطرته، وتغزو ريف مصر، تماما كجيوش الجراد الموسمى لتأكل الأخضر واليابس فى حياته ، وتحيل تلك الحياة إلى كابوس مفزع حيث تحجرت العيون فى المقل، وغازلت الصورة الخيال الخصب الذى تربى طويلا على قيمة العمل فى النهار، لتحيل ذلك الليل البهيمى إلى نهار يقظ فى فضاء تجليات سحر الصورة ، وعلى إيقاع صاخب من موسيقى ماجنة ، دب الكسل. وبعد كانت متعة السهر التى كانت تحلو فى محيط أمتار قليلة فوق «تراس» أو « فرندة» - كما كنا نسميها، أصبحت الغرف المغلقة باردة المشاعر،هى موطن شباب الريف يقضون معظم أوقات الليل، إما أمام تلك الشاشات البغيضة، أو أمام « الشبكة العنكبوتية» غارقين فى دومات الدردشة المهلكة ، ولعله كان سببا من ضمن أسباب تراجع التحصيل العلمي، الذى كان معرفا لدى الطلاب من أبناء الفلاحين، جنبا إلى جنب مع منظومة تدمير التعليم التى امتدت لثلاثة عقود من سنوات الضياع وتردى الأوضاع، ولعل تفسير الطبيب المصري، مجدى بدران هنا يأتى فى محله بأن للتربة الزراعية أثرا فى شعور الفرد بالانتماء، وأن هذا الأثر ليس أثراً وطنيا فحسب «ولكنه أيضا أثرا صحيا حيث أن التعامل مع التربة الزراعية له فوائد مناعية تفسر سر سعادة الفلاحين ونبوغ ابناء الريف وزيادة مناعة أجسامهم عن ابناء المدن.» ويرجع بدران ذلك للاحتكاك المباشر بين «أبناء الريف والتربة الزراعية التى تحتوى على بكتريا السعادة المسماة فاكي، والتى تقوم بتحفيز المخ على انتاج هرمون السيروتونين، وهو هرمون السعادة والانشراح حيث يعتبر مضاداً للاكتئاب والقلق والميول العدوانية.، مضيفا أن الارض الزراعية تمثل بساطا أخضر يعمل على توليد الاكسجين الذى يعد سر البقاء على الأرض وهو ضرورى للنشاط والمناعة والذاكرة والشفاء والراحة والاسترخاء وغيابه يعنى الموت للكائنات الحية ، وأن الجلوس على الأرض خاصة الزراعية يخلص جسم الإنسان من الشحنات الضارة المكتسبة نتيجة التعامل مع الموجات الكهرومغناطيسية، وأن التلامس أولاً بأول مع الأرض «بالسجود أو الجلوس أو النوم عليها يخلص الجسم من تلك الشحنات الضارة ولذا فإن الصلاة تجعل الإنسان أكثر استرخاء.» ومع تردى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للفلاح المصرى وتزايد همومه ومشاكله، وتنامى صور استغلاله وإهدار حياته وإنتاجه تحت شعارات المراوغة التى أطلقتها الحكومات السابقة من «تحرير الزراعة، التكيف الهيكلي، الارتباط بالسوق العالمي» وغيرها، وكذا الحصار المضروب حوله بفعل حزمة السياسات الحكومية المستوردة جعلته دائما يعيش فى خطر محدق ويفقد الأمل فى المستقبل الذى ضاع بعد أن اغتالته العولمة المتوحشة، وهو ربما ما كان سببا جوهريا فى أن يصاحب ذلك حالات من تمرد الفلاح المصرى على أرضه وبيته وزرعه وضرعه، ومعه أصيب بأمراض جديدة مستعصية، جاءت أمراض الفشل الكلوى التى انتشرت على أثر تراجع الرعاية الصحية، وتلوث الماء والغذاء ، وتفشى أمراض أخرى جراء الأطعمة المهجنة، ما أدى لانهيار جسد الفلاح، الذى كان يدب بقدمه فوق هذه الأرض تلك الطيبة فيزلزلها من تحته حتى تتفجر بالخيرات فى مواسم الحصاد الوفير. طاقة أمل جديد إنها باختصار حكاية انهيار مهنة الفلاحة فى مصر التى كانت نتاج تجريف حياته، وهو الذى أذهل الأشجار نفسها يوما فى ابتكار أساليب الري، لكن الظروف دفعته إلى سنوات الهجر والغربة والضياع لتجريف أرضه بصورة انتحارية منظمة، فى ظاهرة لم تتمكن الدولة بكامل قوتها وجبروتها من ردعها طالما بقيت القوانين الجائرة ، والإهمال المتعمدة ، والتنكيل بصانع أكبر حضارة فى التاريخ فى دهاليز السجون على أثر الديون المتراكمة. وها هو الرئيس السيسى يأتى اليوم بطاقة أمل جديد، بعد كل تلك الرحلة من المعاناة بمظلة قوانين ترفع عن كاهل الفلاح المصرى ذلك الظلم المصلوب على رأسه لعقود طويلة، ليعيد له الثقة من جديد، بعد تخليه وعدم انصياعه للدورة الزراعية، ليزيد إنتاج القمح المصري، بدلا من الأمريكى والمكسيكى وحتى الروسي، والأرز البلدي، بدلا من الفليبينى وغيره ، ويعيد الاعتبار ل «مهنة الفلاحة» بعد أن كان المزارع يراها نوعا من العبودية للحكومة التى تستحوذ على معظم انتاجه بأبخس الأسعار، ويعيد هيبة القطن ذلك الذهب الأبيض، الذى كان ومازال العمودى الفقرى فى حياة الفلاح ، حيث يرهن عليه كل متطلبات حياته من مأكل وملبس وزواج أبنائه وغيرها من أمور حياته، كان يؤجلها «على الإيراد» - هكذا يسمى نهاية موسم جنى القطن - باعتباره الموسم الوحيد الذى يوفر السيولة المالية. ولأجل كل مامضى فقد استقبل الرئيس فى عيدهم أكثر من 1000 فلاح قابلوه بالتصفيق الحاد، لحظة دخول إلى قاعة المؤتمرات بمدينة نصر. وتحدثوا عن المشكلات التى تواجه الفلاحين ومنها «الأسمدة، والري، وتسويق المحاصيل، وغياب الرقابة على توزيع مستلزمات الإنتاج الزراعي، والفساد، وتعدد النقابات التى تعبر عنهم». وداعب السيسى الحضور فى بداية كلمته، حين قاطعه البعض لسرد المشاكل المختلفة، قائلا: «ماتستعجلوش على حل المشاكل، إنتو بترحبوا بيا بالطريقة دي، أنا جاى أقول لكم كل سنة وانتوا طيبيينّ، وأنا عارف إن 70 % من ريف مصر (رقيق الحال) ومش عايز أقول أكتر من كده.. والله العظيم لو أقدر أجيب حتة من السما هاجيب علشان خاطر البسطاء». ويبقى أن نردد مع الرئيس قول الإمام محمد عبده - رحمه الله - عندما قال: « اللهم ارزقنى إيمان الفلاح البسيط ، الذى يأكل من العشب ، وينام على العشب ، ويصلى على العشب ، ويموت على العشب»، علها تكون سببا جديدا فى ارتباط الفلاح المصرى بأرضه وزرعه وضرعه ، ليعيد الأحفاد سير الأجداد فى بناء حضارة جديدة على ضفاف النيل.