ان السبب وراء احتكار بنك التنمية والائتمان الزراعي توزيع الأسمدة وإقصاء التجار والقطاع الخاص من مصدر الرزق الوحيد لخمسة آلاف تاجر منذ اربع سنوات دون مبرر يرجع الى الإرباح الضخمة التي يحصل عليها البنكأما أباطرة صناعة السماد في مصر فقد فاقوا في طغيانهم أباطرة تجار السلاح، وأصبح ثمن شكارة الكيماوي يتجاوز المائة وخمسين جنيها بشكل أفقد الزراعة المصرية وكسحها وأخرجنا من سوق القطن الدولي وها نحن نستورد الأرز بعد ان كنا نصدره! كل هذه التحولات التي أضاعت هيبة الدولة وأمرضت عمالها وفلاحيها كانت تتم بلا مقاومة من بؤرة تذكر هنا أو هناك، لكن الكوتة في البرلمان هي التي أثارت الكرادلة فأخذوا بالتهديد والوعيد ولم نسمع لهم صوتا حينما كانت أملاك مصر تنهب بلا رحمة، وحينما كان يتم إخراج مصر من سوق القطن وحينما كان يتم طرد العمال من المصانع لبيعها لمستثمر أجنبي بالثمن البخس لمجرد إشباع غريزة النهب الفاجر.قالوا لنا في التعليم المتخلف أن مصر تملك ساحلين طويلين على البحر المتوسط.. هذان الساحلان لا يوفران إنتاجاً كافياً للسوق المصري ولا لغيره ، كما أن الصيد في مصر موسمي جداً بحيث يجبر بعض الصيادين على القيام برحلات شديدة الخطورة إلى سواحل بعيدة يواجهون فيها الأهوال.. حدثونا طويلاً عن التربة الزراعية في مصر ، ونسوا التشوه الذي حدث في الهيكل الزراعي لمصر منذ محمد علي حيث فرض القطن والمحاصيل التصديرية أنفسهم على حاصلات غذائية أخرى ، كما أن التساهل مع التجريف والبناء على الأراضي الزراعية وسفه الدعم الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الأسمدة بشكل سرطاني.. كل هذه أمور أفقدت مصر ميزة وادي النيل والدلتا ودفعت حكوماتها إلى البحث عن أراضٍ نزرع فيها الكنتالوب! حفظونا اسطوانة البترول والمنجنيز والصادرات المعدنية التي تسد عين الشمس ، وهي في الواقع لا تكفي حاجة "اللاصناعة" التي نعيشها في مصر .. فالحكومة احتكرت الصناعة لفترات طويلة ، وعندما أعيد فتح الباب للقطاع الخاص صار من يستثمر في الصناعة إما مسنود بقوة توكيل الشركة "الأم" التي تمول مصانع التجميع (تجميع المرسيدس مثلاً) أو مجنون ومغامر ومعتوه.. وكيف لا في ظل نقص موارد ، وعجلة تكاليف مسعورة تحولت إلى لغز ، ونقص في الأيدي العاملة المدربة بشكل فاضح مما قد يؤدي إلى استيراد عمالة من الخارج.. الحل ليس مستحيلاً ، ومن الممكن أن نصبح في ظل هذا النقص في الموارد الطبيعية أمة ناهضة صناعية بحق وحقيق دون أن يصبح "آخرنا" صناعة الملابس الجاهزة كما تتباهى بذلك وزيرة "الكوة العاملة".. الإمبراطور عاش الفلاح المصري -ولا يزال- في إطار معادلة ثلاثية مأساوية: منتجاً .. رغم فقره. مضطهداً .. رغم إنتاجه. مناضلاً .. رغم اضطهاده… أما أنه "منتج"، فذلك أمر لا يحتاج تدليل. فهو أول إنسان -في الجماعات البشرية الأولى- "يخترع" الزراعة، مقدماً لمصر -منذ مطلع التاريخ وحتى اليوم- إمكانات خيرها ونمائها وحضارتها. قليلا ما يفكر أحد في الفلاح المصري وماذا جرى له من تحولات بسبب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية, ربما لأن من يكتبون أغلبهم يعيشون في المدينة, وحتى لو كانت أصولهم قروية إلا أن علاقتهم بالقرية وبأهلها اقتصرت على زيارات عارضة أو موسمية لحضور فرح أو عزاء أو عيد, وسرعان ما يعودون إلى مدينتهم وهم يحمدون الله على النعمة التي هم فيها وينسون الموضوع برمته بقصد أو بغير قصد. وحتى في الأعمال الدرامية لا يظهر الفلاح الحقيقي غالبا وإنما يظهر فلاح تخيلي ذو صورة نمطية يعيش في رأس المؤلف وتفصله مسافات شاسعة عن الفلاح الحقيقي. ويخطئ من يظن أنك لكي ترى الفلاح فلابد أن تذهب إلى القرية, فالقرية وإن كانت هي الموطن الأصلي للفلاح إلا أنها أصبحت بيئة طاردة له إلى المدينة في داخل مصر وخارجها, فأصبح الفلاح يظهر في كل مكان وبكثافة يحمل معه كل موروثه القروي بعدما أضيف إليه من تعديلات أو تشوهات, وهذه الصورة لا تغري أحدا بتأمله وإنما يكتفي بتسخيره (أو استخدامه) لأداء بعض المهام المطلوبة لساكني المدن. والفلاح المصري ليست له إرادة سياسية تغري أصحاب القرار بالاقتراب منه ودراسة أحواله ورصد تغيراته, وليس له ثقل اجتماعي يغري الباحثين بالتعمق في أحواله وتحليل جوانب حياته, ولهذا بقي هو وبقيت القرية المصرية منطقة غائمة في الوعي العام. وهناك مثل شعبي شديد القسوة يصور هذا الموقف بقوله: "الفلاح ريحته زفره". وقديما كان الباشا التركي المتعالي والمتغطرس يصف المصري عموما بأنه "فلاح خرسيس", حتى ولو كان ذلك المصري زعيما شعبيا بحجم أحمد عرابي. وليس فقط الباشا التركي هو الذي يستخدم لفظ الفلاح بهذا الشكل السلبي وإنما اعتاد المصريون أنفسهم أن يستخدموه كأداة سب وتحقير في حوارهم اليومي. ولم يظهر الفلاح في صورة إيجابية حقيقية إلا فترة قصيرة في بدايات ثورة يوليو وهو يسلم على الزعيم عبد الناصر ويتسلم منه عقد ملكية الأرض الجديدة التي اقتطعتها الثورة ممن أسمتهم إقطاعيين في ذلك الوقت… وأما أنه "مضطهد"، فلعله ليس من الخطأ -التاريخي أو المنهجي- أن نقول أن تاريخ التطور الاجتماعي في مصر قد تحدد -أساساً ومنذ آلاف السنين- كنتاج لحركة الصراع الطبقي بين الفلاحين وبين القوى القاهرة لهم، مصرية كانت أو غازية أجنبية… وأما أنه "مناضل"، فهذا ما ندعيه ولكن أرواح شهدائه ودماء مكافحيه وعرق منتجيه، هي التي روت أرض مصر الطيبة، مسجلة له هذا الشرف. كان المصريون هم أول جماعة بشرية تمارس الزراعة منذ أكثر من ستة آلاف عام قبل الميلاد. ولم تستقر الزراعة وتصبح مجال الإنتاج الوحيد -ثم الرئيسي- في مصر، إلا نتيجة الجهد الجماعي الشاق الذي بذله الفلاحون الأوائل من أجل الاستفادة بمياه النيل ومنه تسربها في رمال الصحراء. ومع نمو الجماعة المصرية، ونمو احتياجها إلى الاستقرار والتطور، كان لابد من القيام بعمليات "كبيرة" في نظام الري واستغلال المياه. ومن هنا نشأت "الدولة" المصرية. وكان أهم وأول وظائف هذه "الدولة" المقدرة على تنظيم استغلال المياه في الزراعة بما يعنيه ذلك ويستلزمه من التحكم فيه حتى لا يغرق البلاد (وذلك بإقامة السدود). ومن وضع وسائل توصيل مياهه إلى أرض الصحراء (بإقامة الترع والجسور). وفي الوقت الذي أقيمت فيه هذه المنشآت التي أدت إلى نمو الزراعة بفضل التضحيات الجماعية للفلاحين المصرين، استغلت "الدولة" مهمتها تلك لتصبح أداة قابضة متحكمة مالكة لكل الأراضي المنزرعة، مسيطرة عليها وعلى حياة من استصلحوها واستتزرعوها وانتجوا خيراتها بدمائهم قبل عرقهم. وأصبحت الدولة -ممثلة في الفرعون- هي المالكة الوحيدة للأرض، أما الفلاحون فيعملون بالسخرة حتى يستولى الملك وحاشيته وأٍسرته وكهنته، على الريع الناتج عن كدهم ومعاناتهم طوال العام. وهكذا تحدد الصراع الطبقي في مصر -منذ بدايات التاريخ- بين من يملكون الأرض ولا يعملون عليها، وبين من يكدحون فيها ولا يملكون منها شيئا. أما فقراء وصغار الفلاحين، فحين تقرر هذا التقنين، كان قد انتزع منهم -وهم الأغلبية الساحقة من فلاحي مصر- حق الانتفاع بالأرض الزراعية، لتسلم إلى هؤلاء الملاك الجدد، ليبدأ معهم نمط جديد للإنتاج ولاستغلال الأرض والفلاح، وتتضح بالتالي معالم مرحلة جديدة ليست أقل سوءً واستغلال للفلاحين مما سبقها من مراحل، وتشكلت الصورة الجديدة للصراع الطبقي في القرية المصرية كذلك أفرزت هذه السياسات – التى لم تراع بين ثناياها البعد الاجتماعى قط، وتركت صغار الفلاحين يواجهون غول الرأسمالية بمفردهم فى ظل حيازات قزمية، وبدائية أدوات الإنتاج الزراعى، وتخلف نظمه – أوضاعا صحية متردية، وانتهكت معها حقوق الفلاحين الصحية، فالصحة حق أصيل من حقوق الإنسان بموجب المعاهدات الدولية – التي صادقت عليها الحكومة المصرية، وأصبحت جزء لا يتجزأ من قانونها الداخلي وفقا للمادة 151 من الدستور – وليست منحة من الحكومة لمواطنيها، كما كفل الدستور المصري في مادتيه 16، 17 الحق في التمتع بصحة جيدة. وكانت الأزمة الحقيقية أن محصول القطن لا يكفى احتياجات الصناعات المحلية وهنا بدأت ثورة رجال الأعمال وأصحاب مصانع الغزل والنسيج تطالب الحكومة بوقف تصدير بوقف تصدير القطن لتوفير احتياجات المصانع التى يعمل فيها عشرات الآلاف من العمال وهى مهددة بالتوقف لعدم وجود الغزل وسارعت الحكومة تطالب الفلاحين بإخراج ما لديهم من القطن وخفضت الجمارك وهيأت كل شىء لراحة رجال الأعمال وأصحاب المصانع. إن السوق المحلية فى مصر تحتاج إلى 4 ملايين قنطار من القطن لتوفير احتياجات صناعة الغزل والمنسوجات وهذه الكميات غير موجودة والأسعار العالمية فى ارتفاع مستمر والحكومة لا تستطيع أن تفرض على الفلاح سعرا وهنا ظهرت الأزمة الثانية مع محصول القطن وأصبحت مصر تواجه أزمتين فى وقت واحد فى محصولى القمح والقطن وهما من المحاصيل الرئيسية. أمام التخبط والعشوائية والارتجال فى السياسة الزراعية فى مصر جاءت الأزمة الثالثة مع محصول الأرز.. أن مصر من الدول المهمة فى إنتاج الأرز والشىء المؤكد أن للأرز المصرى أسواقه التى تحرص عليه خاصة فى الدول العربية.. وقبل هذا فإن الأرز هو المحصول الوحيد الذى يحرص الفلاح المصرى على تخزينه.. وفى السنوات الاخيرة زادت صادرات الأرز للأسواق العربية بصورة غير مسبوقة وارتفعت الأسعار وزاد الإقبال على شراء الأرز المصرى.. وفى الوقت الذى كانت فيه أسعار الأرز تشهد ارتفاعا كبيرا وإقبالا فى السنوات الماضية كانت العلاقة بين الفلاح وسلع أخرى مثل القطن والقمح قد تدهورت. فى كل قرية مصرية الآن شهادة جارحة عن أن الفلاح الذى يمتلك قيراطا لزراعته، يمتلك هما وبؤسا بعد أن كانت ملكية هذا القيراط مصدر فخر وجاه.ومنذ أن أطلقت الحكومة اقتصادها الحر انفجر معه كل الوسائل التى جعلت من حياة الفلاح المصرى هما وبؤسا، بدءا من ارتفاع أسعار مستلزمات الزراعة من بذور وأسمدة ومبيدات وغيرها، ولم يقابل ذلك إنتاجا وفيرا يحقق للفلاح دخلا يستطيع به مواجهة أعباء الحياة . أمام التخبط والعشوائية والارتجال فى السياسة الزراعية فى مصر جاءت الأزمة الثالثة مع محصول الأرز.. أن مصر من الدول المهمة فى إنتاج الأرز والشىء المؤكد أن للأرز المصرى أسواقه التى تحرص عليه خاصة فى الدول العربية.. وقبل هذا فإن الأرز هو المحصول الوحيد الذى يحرص الفلاح المصرى على تخزينه.. وفى السنوات الاخيرة زادت صادرات الأرز للأسواق العربية بصورة غير مسبوقة وارتفعت الأسعار وزاد الإقبال على شراء الأرز المصرى.. وفى الوقت الذى كانت فيه أسعار الأرز تشهد ارتفاعا كبيرا وإقبالا فى السنوات الماضية كانت العلاقة بين الفلاح وسلع أخرى مثل القطن والقمح قد تدهورت. وانخفضت مساحات القطن والقمح لكى ترتفع مساحات الأرز من 750 ألف فدان إلى ما يقرب من مليونى فدان.. وهنا تدخلت الحكومة خوفا على المياه ووضعت ضوابط ومساحات فى كل محافظة لزراعة الأرز ** كاتب المقال دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية