قبل انطلاقها في الداخل.. كيفي تستعلم عن لجنتك الانتخابية بالرقم القومي؟    مجلس الدولة يفتح باب التعيين لوظيفة «مندوب مساعد» لخريجي دفعة 2024    رئيس جامعة العاصمة يهنئ الدكتور إبراهيم صابر بانضمام مدينة القاهرة لشبكة اليونسكو لمدن التعلم    ارتفاع أسعار العملات الأجنبية في بداية تعاملات اليوم 8 ديسمبر 2025    وزيرة البيئة ومحافظ الفيوم يتابعان مشروع إعادة التوازن البيئي ببحيرة قارون    محافظ أسيوط يفتتح مشغل خياطة جديد بقرية بني رافع بمركز منفلوط    الأمم المتحدة تندد ب«لامبالاة» العالم لدى إطلاقها ندائها للمساعدات الإنسانية للعام 2026    رئيس وزراء تايلاند:سننفذ كافة الإجراءات العسكرية الضرورية للرد على كمبوديا    إيران: رحلة ثانية تقل 55 إيرانيا من المرحّلين تغادر أمريكا    مزاعم إسرائيلية: هجوم إقليمي محتمل يهدد الأمن القومي لإسرائيل    الكنيست الإسرائيلي: 124 جندي إسرائيلي أنهوا حياتهم بسبب ح..رب غزة    كأس العرب| المغرب يصطدم بالسعودية.. وعمان يتمسك بالأمل أمام جزر القمر    ألونسو بعد السقوط أمام سيلتا فيجو: الدوري طويل ونركز على مانشستر سيتي    وزير الرياضة: إقالة اتحاد السباحة ممكنة بعد القرارات النهائية للنيابة    نجم ليفربول السابق مهاجمًا صلاح: تحلى بالهدوء والاحترافية    محمد الخراشي: منتخبا مصر والسعودية قادران على بلوغ الدور الثاني في كأس العالم    برودة وصقيع تضرب محافظة الأقصر اليوم    تحريات أمن الجيزة تكشف لغز العثور على جثة سمسار بحدائق أكتوبر    اعترافات المتهم بقتل زوجته فى المنوفية: ضربتها على رأسها ومكنش قصدى أقتلها    عيد ميلاد عبلة كامل.. سيدة التمثيل الهادئ التي لا تغيب عن قلوب المصريين    محمد فراج يعلق على الانتقادات التي طالت دوره في فيلم الست: مش مطالب أبقى شبيه بنسبة 100%    مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 8 ديسمبر 2025 فى المنيا    فيديو.. الصحة تكشف أسباب شدة أعراض الإنفلونزا الموسمية هذا العام    مستشار الرئيس: عدد المصابين بفيروس "A H1N1" في الوقت الحالي يصل ل 65%    وزير الصحة يترأس اجتماعا لمتابعة مشروع النيل أول مركز محاكاة طبى فى مصر    تباين أداء أسواق الأسهم الآسيوية قبل صدور قرار الفائدة الأمريكية    متحدث الوزراء : بدء التشغيل التجريبى لحديقتى الحيوان والأورمان العام المقبل    الاحتلال الإسرائيلى يواصل خروقاته لليوم ال59.. قصف مدفعى وجوى فى غزة    رسميا..الإعلان عن القبول المبدئى لتحالف الجامعة الريادية بقيادة جامعة القاهرة    بعد فشل مفوضات السد الإثيوبي.. هل تلجأ مصر للحرب؟ وزير الخارجية يرد    انطلاق تصويت أبناء الجالية المصرية بالأردن في 30 دائرة من المرحلة الأولى لانتخابات "النواب"    أسعار الذهب في مصر اليوم الاثنين 8 ديسمبر 2025    اليوم.. محاكمة 7 متهمين بقضية خلية مدينة نصر الثانية    نهال عنبر تنعى صديقة عمرها: قلبي موجوع ومش مصدقة إنك مشيتي    جامعة الفيوم تنظم ندوة توعوية عن جرائم تقنية المعلومات الأربعاء المقبل    ملفات ساخنة وأحداث مُشتعلة فى تغطية خاصة لليوم السابع.. فيديو    الرئيس التشيكي: قد يضطر الناتو لإسقاط الطائرات والمسيرات الروسية    ماسك يشبّه الاتحاد الأوروبي بألمانيا النازية    "من يريد تصفية حسابات معي فليقبض عليّ أنا" ..لماذا تعتقل "مليشيا السيسى "شقيق مذيعة في قناة تابعة للمخابرات !؟    حبس عاطل لقيامه بسرقة وحدة تكييف خارجية لأحد الأشخاص بالبساتين    ميلوني تؤكد لزيلينسكي استمرار الدعم قبيل محادثات لندن    شئون البيئة: مصر ستترأس اتفاقية برشلونة للبيئة البحرية خلال العامين القادمين    لميس الحديدي: قصة اللاعب يوسف لا يجب أن تنتهي بعقاب الصغار فقط.. هناك مسئولية إدارية كبرى    غرفة عقل العويط    «القومية للتوزيع» الشاحن الحصري لمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2026    إصابة 18 شخصاً في حادثي سير بطريق القاهرة الفيوم الصحراوي    لاعب الزمالك السابق: خوان بيزيرا «بتاع لقطة»    وزير الإسكان: سنوفر الحل البديل ل الزمالك بشأن أرضه خلال 3-4 شهور    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 8 ديسمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    كيف يؤثر النوم المتقطع على صحتك يوميًا؟    الموسيقار حسن شرارة: ثروت عكاشة ووالدي وراء تكويني الموسيقي    أحمد موسى: "مينفعش واحد بتلاتة صاغ يبوظ اقتصاد مصر"    حاتم صلاح ل صاحبة السعادة: شهر العسل كان أداء عمرة.. وشفنا قرود حرامية فى بالى    متحدث "الأوقاف" يوضح شروط المسابقة العالمية للقرآن الكريم    حياة كريمة.. قافلة طبية مجانية لخدمة أهالى قرية السيد خليل بكفر الشيخ    الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم تشمل فهم المعاني وتفسير الآيات    اختبار 87 متسابقًا بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن بحضور الطاروطي.. صور    «صحح مفاهيمك».. أوقاف الوادي الجديد تنظم ندوة بالمدارس حول احترام كبار السن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحن.. وهُمْ

فى وقت تسود فيه الدعوة لتصويب ما اختّل فى منظومة القيم والسلوك فى مجتمعنا نحتاج لأن نتوقف عند بعض الظواهر السلبية التى تُربك طريقنا إلى النهوض والتقدم. إحدى هذه الظواهر هى الكذب.
وسواء كان الكذب ظاهرة متأصلة أو سلوكاً عابرا فى حياتنا فإن أهمية الانشغال به تتجاوز أبعاده الأخلاقية والدينية لتمس صميم قضية العمل والإنتاج والمعاملات بين الناس ومجمل منظومة التقدم فى حياتنا. والكذب فى حده الأدنى نقيصة أخلاقية وفى حده الأقصى جريمة جنائية فى بعض الأحوال. لكنه يبقى فى الحالتين سلوكاً فردياً شائناً وظاهرة اجتماعية مقلقة .
والحاصل أن لكل مجتمع ما يُشتهر به لدى غيره من المجتمعات الأخرى . وَمِمَّا اشتهرت به المجتمعات العربية - سواء عن حق او عن مبالغة- أن الكذب سلوك يومى معتاد فى حياة معظم الناس. هذا لا يعنى بالطبع انعدام الصدق والأمانة فى حياتنا لكنه يعنى ضرورة الانتباه قبل أن يتحوّل السلوك إلى ظاهرة.
حين نتأمل ثقافة وسلوك المجتمعات المتحضّرة نكتشف أن للصدق مكانة مركزية فى منظومتها الأخلاقية . أما فى مجتمعاتنا العربية فثمة تساؤل حول مدى التزامنا بقيمة الصدق والتحلل منه تحت ذرائع ومسميات شتي. فالفهلوى مثلاً فى الوعى الشعبى المصرى رمز لشخصية تعكس الذكاء والمهارة، مع أن « الفهلوة» ضرب من ضروب الكذب. وجرائم الشرف فى الوعى الشعبى المصرى تنصرف بصفة أساسية إلى جرائم المساس بالعرض، وهى بالتأكيد قيمة جوهرية فى الثقافة العربية والاسلامية. ولهذا فإن جرائم الشرف لدى عموم الناس تبدو سلوكاً شائناً وفاضحاً يستوجب الاستنكار والاحتقار. أما فى بلد مثل بريطانيا فإن أبرز جرائم الشرف التى تستوجب احتقار فاعلها هى جرائم التهرب من الضرائب مثلاً باعتبارها تمثل صورة جسيمة من صور الكذب فى مواجهة الدولة والمجتمع أيضاً.
هناك، فى المجتمعات الغربية المتحضّرة يتصدر الصدق منظومة القيم الأخلاقية والثقافية . وثمة الكثير من مظاهر الخطأ الأخلاقى يمكن فى المجتمع الغربى التماس العذر لفاعلها إلا الكذب الذى لا يتسامح فيه المجتمع. ولهذا فإن الكثيرين لم يفطنوا مثلاً إلى أن السبب الحقيقى وراء محاكمة الرئيس الأمريكى السابق بيل كلينتون فيما مضى عن علاقته الجنسية مع المتدربة «مونيكا» لم يكن خطؤه الأخلاقى فى إقامة علاقة جنسية مع سيدة بل كان السبب الحقيقى لمحاكمته أنه (كذب) على الشعب الأمريكى وأنكر فى البداية وجود مثل هذه العلاقة. هذا لا يعنى تبرير علاقة جنسية غير مشروعة فهذا خطأ يرتكبه الشخص فى حق نفسه او حق أسرته لكن الأكثر خطأ هو أنه يكذب الشخص فى مواجهة المجتمع ويفتقر إلى شجاعة الاعتراف بكذبه.
المفارقة فى المجتمعات العربية هى الانفصام بين القول والسلوك فى الموقف من الكذب. فالعرب والمسلمون يحفظون عن ظهر قلب ويرددون دائماً فى خطابهم الوعظى الكثير من الآيات القرآنية التى تنهى عن الكذب وتنهر الكاذبين وتتوعدهم وثمة أحاديث نبوية وإن تفاوتت فى مدى قوة سندها تحط كثيراً من سلوك الكذب بالمقارنة مع صفات مذمومة أخري.كل هذا يدعو للتساؤل: لماذا كان للصدق والأمانة هذه المكانة، الرفيعة فى التصور الديني؟ ولماذا تحظى الأمانة بهذه الأهمية كسمة أخلاقية وقيمة سلوكية فى المجتمعات المتحضًرة؟
من الطبيعى أن يكون للصدق والأمانة كل هذه المكانة لأن التمسك بهما ليس فقط فضيلة فردية تخص صاحبها وحده بل لأن أثر التمسك بهما يتجاوز الفرد لينعكس على كل منظومة العمل والعلاقات والمعاملات فى المجتمع. والأمانة أم الفضائل، لأنه عنها تتفرع قيم النزاهة واتقان العمل والإخلاص والتجرد بل والشجاعة بقدر ما أن الكذب تتفرع عنه رذائل الغش والخداع والجبن. فهل كان من الممكن نجاح نموذج التقدم اليابانى دون أن يتحلى اليابانيون بالأمانة؟ وهل كان للمجتمع الألمانى أن يحقق كل هذا التفوق والتميز إذا كانت تسود أفراده مظاهر الكذب والغش؟!
لقد حدث فى ألمانيا منذ عدة سنوات أن تم إجبار أحد الوزراء الشبان اللامعين كارل تيودور جوتنبرج (ينتمى إلى أسرة ألمانية عريقة) على الاستقالة من منصبه لا لشيء إلا لأنه كان قد حصل على درجة الدكتوراة ثم تبيّن أن رسالته قد تضمنت عدة صفحات قليلة منقولة عن الغير لكنه نسبها إلى نفسه. هذه أمثلة قد تبدو عابرة لكنها عميقة المغزى مؤكدة فى دلالاتها على أنه لا يمكن فصل مسألة التقدم عن ظاهرة الأمانة بقدر ما أنه يصعب تفسير التخلف بمعزل عن ظاهرة الكذب.
الأقوال والمأثورات الشعبية عن الكذب تعكس ثقافة كل مجتمع وموقفه الأخلاقى منها. ففى الغرب مثلاً يقولون «بوسعك أن تخدع بعض الناس كل الوقت أو تخدع كل الناس بعض الوقت لكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت». أما المثل العامى لدينا فيقول «قالوا للحرامى احلف قال جالك الفرج».
سؤال الختام: لماذا يشيع الصدق والأمانة فى مجتمعات ويسود الكذب فى مجتمعات أخرى؟ ربما تتعدد أو تتباين أسباب الإجابة لكن المؤكد أن ندرة أو شيوع الكذب أمر لا يتوقف فقط على مدى تغلغل ثقافة استهجان الكذب أو تبريره من جانب المجتمع. الأمر يتوقف أيضاً على مدى شعور الكاذب بالخجل الذاتى من كذبه أو استمرائه لهذا الكذب. ولهذا قالوا: إن لم تستح فافعل ما شئت.
لمزيد من مقالات د. سليمان عبد المنعم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.