الساعة التى يطلقوننا نحن العيال لنلعب مع الخروف قبل مراسم الذبح لم تكن سعيدة على الإطلاق ، كنا نحاول نركبه فنجد عظاماً نافرة !،نجرب الجرى ليلحق بنا فنراه هامداً تتدلى أذناه فى بؤس وينظر إلينا بعيون حزينة باهتة!، وبدأتْ أول بهجة فى صباح العيد تسقط من حساباتنا نحن العيال ونقفز منها بسرعة على فقرة «العيدية»، حتى اكتشفنا أن هذا ليس خروفاً بل «معزة» ! وأن السيد الوالد لا يحب الخرفان ويفضل لحم الماعز الأجمل طعماً والأرخص سعراً بالطبع ، وقد جربتُ تعويض طفولتى بشراء خروف من أول مرتب اتقاضاه من مهنة الصحافة ولكنه حين جاء كان سعر الخروف قد ارتفع بشكل مذهل !، ومع دورات الترقى فى الحياة أصبح بإمكانى شراء خروف فى العيد وعزمت النية مرات عديدة ، لكننى فى كل مرة كنت أتراجع لشعور غامض بأن السعر سيكون مضاعفاً وأن الجزار الذى نصب السرادق قبل أسابيع يجهز فخاً لكل الزبائن ، فقد استأجر مكاناً واشترى الخرفان ، وكذلك حبل ومخلة وجردل لأكل وشُرب كل خروف وحكيم بيطرى للعناية بصحة الخروف ،مزين لحلاقة شعر الخروف!،ورحم الله عمنا نجيب الريحانى الذى يقفز إلى رأسى كلما تشجعت فأضحك وأتراجع وأنا أتذكره فى فيلم « أبو حلموس» يقدم دروساً فى الفساد الإدارى لناظر العزبة الذى كان يتمتع بغباء فى السرقة . حبل الخروف وقصته التى حالت دون الشراء ، ظلت مثل الكابوس وكلما ذكُرت كلمة «حبل» تراءت لى صور لمشانق المنتحرين البائسين الذين أساءوا إلى سمعته أكثر من إساءة الجزار، وتضاعفت العقدة القديمة ، لكن يبدو أنها فى تقترب من الحل فقد قرأت منذ أيام حكاية عن رجل كان معلقاً فى الهواء على ارتفاع 40 قدما، وكان الناس يترقبون فى هلع ، وفجأة أشار إلى معاون أن يقطع الحبل وانقطع الحبل، ولم يسقط جثة هامدة كما توقعوا، وهتفوا للعبقرى الذى ابتكر فرامل الأسانسير، وعرف العالم كله اسم «أوتيس» الأمريكى الذى سمح للعالم بالصعود إلى السحاب وسمح للمدن ب أن تتسع لأعلى ، وكان «أوتيس» قبل هذا الحدث (الذى ظل خالداً من 1854) معدماً مهدود الصحة والعافية يعانى الفقر والجوع وقلة الحيلة لكنه أنقذ حياته بحبل وقدم للبشرية ابتكاراً مذهلاً ربما يجعلنى اتحرر من عقدة الحبل واشترى الخروف العام المقبل إن كان فى العمر أضحى جديد . عندما تم تعيين الريحانى باحدى الدوائر لأحد البشوات ودخل عليه « ناظر الوقف» دون أن يعرف أنه الناظر طالباً منه كتابة تقرير بمبالغ صُرفت كانت باهظة فى زمنهم بالنسبة لأسعار الخدمة وقتئذ التى قام بإتمامها .. فقام بإملاء الريحانى الآتى - حضرة المُحترم مؤنس أفندي ياقوت: مرسل لكم طيه كشف بمبلغ 92 جنيه و17 قرش و3 مليم عن قيمة ما صرف في بياض الغرفة البحرية بمنزل حارة قاوين * وهنا تدخل الريحانى ضاحكاً ساخراً من هذه السرقة المكشوفة قائلاً «أوضة واحدة» بيضوها ب 92 جنيه رد وقاله أيوا .. قالوا ايوا الزاى .. ليه.. بياض بلبن زبادي؟ بمُربة تفاح ؟ رد عليه وقاله أظن كثير شوية ؟ .. رد الريحانى وقاله دا كثير أوى أوى .. دا نصب .. دا نهب .. كلام فى سرك ناظر الوقف بتاعنا من الصنف التقيل !! ده حرامي وحمار كمان». عندها قال الناظر له : طيب يقيدهم ازاي؟ وهنا رد الريحاني قائلاً «نكتب: كحت البياض القديم كذا ... ، سنفرة الحيطان بعد الكحت كذا ... ، تقطيب الخروم بعد السنفرة كذا ... ، تمليس الحيطان بعد التقطيب كذا ... ، ودهان أول وش كذا... ، دهان ثاني وش كذا ... ، دهان ثالث وش كذا ... ، وبعد كدا مش يأيد 92 جنيه دا يأيد 192 جنيه .. كدا تبقى مبلوعة !! وإستطرد الريحانى قائلاً وكمان خروف ب 18 جنيه ؟ ناظر العزبة : ودى نكتبها إزاى ؟ .. فرد الريحانى قائلاً : حبل ومخلة وجردل لأكل وشُرب الخروف ... ، حكيم بيطري للعناية بصحة الخروف ... ، مزين لحلاقة شعر الخروف - فهذا الموقف أبلغ تشبيه لرافضى الحد الأقصى للأجور .. فالراتب الأساسى لأحدهم مثلا يكون 1000 جنيه ويوضع عليه .. بدل سفر كذا ... وبدل مأموريات كذا ... ، ومكافآت كذا ... ، وحوافز كذا ... ، وبدل سكن كذا ... وبدل كذا وكذا وكذا ... إلى أن تُصبح الألف جنيه بقدرة قادر مليونا أو 2 مليون .. المهم أن يَتَمَنطَق المبلغ كما علمنا الريحانى !!