لا يستحق الرئيس التركى رجب طيب أردوغان أن ننشغل به لمجرد استغلاله منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة لتشويه إرادة الشعب المصرى، والدفاع عن الإخوان الذين ينتمى إليهم والهجوم على رئيس مصرى منتخب بأغلبية ساحقة. لكن الحقيقة أن الأمر أكبر من ذلك بكثير، فقد تحولت تركيا إلى مأوى للإرهابيين الهاربين من مصر، وقاعدة انطلاق لأنشطة كثيرة تستهدف نشر الفوضى فى أرض الكنانة، وموقع لبث عدة قنوات فضائية ومواقع إلكترونية تحرض ليل نهار على النيل من المؤسسات المصرية، ودعم وتشجيع كل صور العنف والإرهاب ضد الشعب المصرى. ناهيك عن الجهود الدبلوماسية التى تقوم بها تركيا فى كل المحافل وعلى جميع المستويات للتشكيك فى شرعية النظام المصرى، والإضرار بالمصالح المصرية فى أى مكان وزمان. عند هذا الحد لا يكفى اتخاذ إجراءات دبلوماسية ضد مثل هذه الدولة، ولا تشفع بيانات الشجب والإدانة الصادرة عن وزارة الخارجية، أو حرب الفيس بوك وتويتر التى رد بها الشباب المصرى على بذاءات أردوغان، لكن لابد من تحرك شعبى قوى يؤلم الدولة التركية فعلا لا قولا، ويرد لها الصاع صاعين، ويثبت للعالم أجمع أن الأغلبية الساحقة للشعب المصرى تتمسك بالنظام الذى اختارته بإرادتها دون تدخل من أحد. والمجال المناسب لهذا التحرك الشعبى هو القطاع الاقتصادى، ورأس الحربة فيه هو سلاح «المقاطعة» للسلع والمنتجات الذى أثبت فاعليته من قبل عندما التزم به الجميع فى مواجهة الكيان الصهيونى. وطبقا للأرقام الصادرة عن هيئة الإحصائيات التركية بلغ حجم التبادل التجارى بين البلدين العام الماضى 4.83 مليار دولار، منها 3.201 مليار صادرات تركية لمصر, و1.629 مليار صادرات مصرية لتركيا, أى أن الصادرات التركية ضعف الصادرات المصرية تقريبا، والمفاجأة الغريبة أن 10% من الصادرات المصرية لتركيا هى فى الحقيقة سلع تركية، فبعض الشركات التركية تستغل انخفاض أسعار الطاقة فى مصر عن تركيا بفارق كبير ورخص العمالة وتنشئ مصانع صغيرة هنا لتصدر منتجاتها إلى تركيا بتكاليف منخفضة. ومعظم السلع التركية المتداولة فى الأسواق المصرية سواء المستوردة أو المنتجة فى المصانع التركية بمصر لها بدائل مصرية ومستوردة كثيرة وبأسعار متقاربة أن لم تكن أقل، وهذه السلع تتركز فى بطاريات السيارات والمناديل الورقية والمنتجات الوسيطة المستخدمة فى حفاضات الأطفال والغزل والنسيج والملابس الجاهزة . إلى جانب البلاستيك والمواد الكيمياوية والزجاج المسطح والدهانات والأغذية، وبعض المواد الطبية ومنتجات الأثاث والمطابخ والأجهزة المنزلية والكهربائية، والصلب والسيارات. علاوة على سلسلة محلات تجارية للبيع بالتجزئة أصبحت منتشرة فى عدة محافظات, وفنادق تمتلكها شركات تركية فى الساحل الشمالى والغردقة. وعلى المستوى السياحى فقد ارتفعت نسبة الرحلات السياحية المصرية إلى تركيا خلال النصف الأول من العام الحالى بنسبة تزيد على 60% مما يسهم فى دعم الاقتصاد التركى، ولذلك خاطب إيهاب موسى رئيس ائتلاف دعم السياحة شركات السياحة المصرية جميعًا لوقف تنظيم الرحلات المصرية إلى تركيا والامتناع عن إصدار تذاكر طيران إليها. وفى هذا السياق، لايمكن إغفال المعلومات المهمة التى كشف عنها الدكتور مصطفى اللباد الخبير فى الشأن التركى حول ضرورة مراجعة ملف العلاقات مع تركيا بشكل يتسق والحقوق والالتزامات الدولية، وتمنع عن عائلة ودولة أردوغان ما يتحصل عليه ظلما من الشعب المصرى. وتوقفه بهذا الصدد عند ملفين يراهما أولى بالتحرك، الآن، لإثبات هيبة مصر وتمسكها بحقوقها, هما:اتفاقية ب الرورو»، التى وقعها الرئيس المعزول محمد مرسى مع أنقرة عام 2012، وتمكن تركيا من التهرب من رسوم عائدات قناة السويس، عبر رسو السفن القادمة من ميناء «مرسين» التركى إلى دمياط، ومن ثم نقل البضائع برا إلى البحر الأحمر ، فتفقد مصر مليار دولار سنويا من عائدات المرور، المستفيد الأكبر منها، فى أنقرة، هو شركات الشحن المملوكة لأحمد ابن رجب طيب أردوغان. والملف الثانى وفق اللباد هو قضية القصور المصرية الخديوية فى اسطنبول، التى ما زالت دون حل وتحت سيطرة أنقرة، رغم انها أملاك مصرية بالوثائق وبالتاريخ، موضحا أن زائر اسطنبول يستلفته جمال هذه القصور التى لا تقدر بثمن، وفى أجمل مواقعها، ولم تتخذ مصر خطوات للحفاظ على حقوقها فيها، مقابل التسلل التركى المتدرج للاستيلاء عليها بذرائع مختلفة، رغم ان هذه القصور جزء من تاريخ مصر، لا يمكن أن تفرط فيها أى دولة تحترم نفسها، لأنها شاهد حاضر على الندية المصرية التاريخية فى مواجهة تركيا. هذا تصور كامل لكل التحركات الشعبية والرسمية التى يجب البدء فيها فورا فى مواجهة التدخل التركى السافر فى الشئون المصرية، وهنا يجب أن يكون لكل من وسائل الإعلام بأنواعها والأحزاب والحركات السياسية بمختلف تياراتها، ومنظمات المجتمع المدنى, وجميع اطياف المجتمع المصرى، دور مهم نحو إطلاق حركة شعبية قوية شعارها بمقاطعة المنتجات التركية واجب وطنى، ونجاح هذه الحركة يعنى نجاة مصر دولة وشعبا من المؤامرات التى تحاك لها فى تركيا الآن. لمزيد من مقالات فتحي محمود