المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر لها مزايا عديدة، أهمها القضاء على البطالة ، فهى لا تحتاج لرءوس أموال كبيرة ، وقد كانت كلمة السر فى نجاح الصين، الدولة الاولى عالميا فى التصدير لأسواق العالم، وكذلك دول جنوب شرق آسيا، وسواء كانت هذه المشروعات مرخصة أو تعمل تحت «بير السلم« فالمطلوب من الدولة دعمها وليس فقط دمجها فى الاقتصاد الرسمى، وإيجاد آلية تكامل بينها وبين المشروعات المتوسطة والكبيرة، وعدم الاقتصار على المشروعات الصغيرة ذات الجانب الخدمى، لان المشروعات الإنتاجية الصناعية هى الأهم للتنمية الاقتصادية التى تسعى إليها الحكومة فى الوقت الحالى. فما هو المطلوب لتشجيع صغار المستثمرين، وجذب ورش «بير السلم» للدخول تحت مظلة وزارة الصناعة، وتقنين أوضاعها، خاصة انها تمثل ما بين 40% و 60% من الاقتصاد الرسمى للدولة؟ يقول الدكتور شريف دلاور ( الخبير الاقتصادى ) : يجب أن نفرق بين المشروعات الصغيرة الرسمية وغير الرسمية، لكن فى الأغلب لكى يستطيع شخص افتتاح ورشة انتاجية يتطلب ذلك حصوله على ترخيص، وهذا هو المقصود بورشة رسمية مرخصة تعمل فى المجال الخدمى أو الصيانة، وهذه فئة تشكل فى السجل التجارى المصرى نحو 80 %، ومع ذلك هذا القطاع الكبير يعانى عدم الاهتمام بتدريب عمالته وتأهيلهما وتمويلهما. إذن لدينا هذا القطاع الكبير الرسمى المطلوب رعايته من الدولة، وهو عبارة عن ورش منتشرة فى المحافظات، مثل ورش دمياط وفى المدن الجديدة وفى برج العرب يتم تأجير اماكن لهما داخل المنطقة الصناعية. دعم الدولة وهذه المشروعات الصغيرة إذا دعمتها الدولة يمكن أن تتكامل وتساعد المشروعات الكبيرة ، على سبيل المثال، هناك مقاول صغير يستعين بعمالة موسمية ويدخل عمليات مقاولات صغيرة على قدر امكاناته. أعود للصندوق الاجتماعى للتنمية، وقد كان الهدف من إنشائه عام 1991 عند بداية الاصلاح الاقتصادى القضاء على البطالة التى نشأت نتيجة إعادة هيكلة قطاع الأعمال العام، وخروج العمالة كمعاش مبكر، وفى الوقت نفسه مساعدة شباب الخريجين على ايجاد فرص عمل، وكان الصندوق بهذا الشكل هو أداة الدولة القوية لامتصاص البطالة، فهل تحقق الهدف؟. ويضيف دلاور : هناك دور للجمعيات الأهلية مكمل لدور الدولة، وهو دور عظيم أسهم بشكل فعال فى القيام بالدور الذى كان من المفترض ان يقوم به الصندوق الاجتماعى ، فجمعيات رجال الاعمال فى الاسكندرية والمنصورة واسيوط أسهمت فى معاونة الشباب ، وسوف أذكر جمعية رجال الاعمال فى الاسكندرية بالتحديد فقد بدأت نشاطها عام 1991 بتقديم قروض فى حدود ثلاثة آلاف جنيه للشاب واستفاد آلاف الشباب من هذا التمويل فى عمل مشروعات عديدة، تدريبهم وتقديم تيسيرات لهم والوقوف بجانبهم حتى لا يتعثروا ، ولذلك وصلت نسبة السداد الى 99%، حيث يتم التدقيق فى اختيار من يتم اقراضه ودرجة التزامه ومساعدته فيما بعد فى الدخول فى منظومة التأمينات الاجتماعية ، وقد بدأت الجمعية بمساعدة كيانات صغيرة جدا تعرف بالمشروعات متناهية الصغر، ونجحت وتوسعت. هنا يبدأ دور الدولة سواء بإيجاد مثل هذه الآليات وتشجيعها والتركيز عليها اعلاميا وتشجيع المجتمع المدنى على تبنى هذا الدور، وثانيا دعم المشروعات التى بدأت بالفعل من خلال الصندوق الاجتماعى للتنمية. مشاركة شعبية كما يؤكد الدكتور شريف دلاور، فى رؤيته، أن الفترة المقبلة تحتاج لمشاركة شعبية، وللجمعيات الاهلية ان تساعد الشباب على الانتاج وتعاون الدولة فى ذلك، بل واقترح ان يكون صندوق »تحيا مصر« صندوقا تنمويا يقوم بتمويل المشروعات الانتاجية، لكى تتحول بمرور الوقت لمشروعات رسمية تحت مظلة الدولة . المنظومة الضريبية لكن مطلوب تعديل المنظومة الضريبية، أو التعاملات الضريبية، ولا أقول النسب الضريبية، فهناك فرق ، وأقصد التعنت الضريبى فى عدم الاعتراف بالدفاتر، مما يجعل صاحب المشروع يتهرب من الدخول فى الاطار الرسمى، لانه يرى ان الدولة سوف تتربص به وترسل له كل يوم مفتش ومأمور ضرائب، فمن المهم ان توجد الدولة منظومة تصنع مناخا من الثقة المتبادلة بين الدولة واصحاب هذه المشروعات، بحيث لا ينظر المستثمر الصغير للحكومة عل أنها تتربص به، وتريد أن تأخذ منه، فى حين أنها تركته فى البداية ولم تساعده فى تدريب أو تمويل، وبعد ان نجح تريد ان تتربص به ضريبيا، تلك هى النظرة المطلوب تغييرها، وان نشجعه على الالتزام بدفع حق الدولة. منظومة الاصلاح الادارى والتعامل الضريبى إذا تم ضبطها ستوجد بيئة صالحة وحاضنة للمشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر، ويجعلها تعمل فى آمان، وهذا هو دور الدولة فى المرحلة الحالية . وللتأكيد على دور هذه المشروعات الصغيرة، فإن الكثير من المشروعات الصناعية الكبيرة والمتوسطة تعثرت بعد ثورة 25 يناير بسبب الظروف السياسية والاقتصادية، والذى تحمل العبء هذه المشروعات الصغيرة غير الرسمية التى تمثل 40% من اقتصاد الدولة وهذا يجب ان يجعل الدولة، تنظر بمنظور ايجابى لهذا النشاط تحتضنه فى المنظومة الرسمية، بدلا من التربص به . الجدية فى التغيير يوضح الدكتور رشاد عبده رئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية رأيه فى هذا الموضوع، بقوله : العالم الآن يتكلم عن المشروعات متناهية الصغر وهى مهمة ومطلوبة فى المجتمعات الفقيرة فى الريف والصعيد حيث الفقر ، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة هى التى جعلت دول جنوب شرق آسيا فى هذه المكانة الاقتصادية الكبرى، وهى التى حولت اليابان الى عملاق اقتصادى وكذلك الصين. هذه المشروعات تدخل هناك فى منظومة الدولة وتدفع الضرائب وتؤثر فى العملية الانتاجية ولم نهتم بها حتى الآن، ربما لطبيعة معينة فينا، حيث لم نتعود على الدقة ومازلنا لا نحترم عاملى الوقت والالتزام، ومازال الفساد موجودا، فى الخارج هذه السلبيات غير موجودة، الكل يعمل أكثر مما يتكلم وللأسف الحكومات المتعاقبة تعد بالاهتمام بهذه المشروعات، ولم تفعل، وحتى اصحاب هذه المشروعات، لا يريدون ان تندمج فى الاقتصاد الرسمى بسبب عدم مساعدة الدولة لهم من البداية . والمشروعات الصغيرة لها مزايا كثيرة، فهى لا تحتاج لتمويل كبير ولا امكانات وعمالة قليلة، بالإضافة إلي أن كثرة عدد هذه المشروعات يمتص البطالة يسهم فى إنتاج عدد كبير فى سلع يحتاجها المواطن مباشرة . والصندوق الاجتماعى الذى هدفه مساعدة الشباب لم يحقق ذلك، وتعثر غالبية من حصلوا على قروض منه، لان الدولة لم تشجع مشروعات الشباب ولم تقف معهم وكان المطلوب ان تقدم لهم دراسات جدوى فنية تسويقية مجانية، وتعلمه من خلال دورات كيف يطورون أننفسهم ويمكن ان يبدأ الصندوق من الآن، وهو تابع لوزارة الصناعة فى تنظيم دورات للشباب فى السنة النهائية بالجامعات على ادارة مشروعات بتمويل من الصندوق، وان يقدم لهم نماذج من دراسات جدوى مجانية فى مجالات عدة يختار منها الشاب ما يناسبه . الادوار نفسها مطلوبة من وزارة الشباب، والاعلام له دور فى تنظيم دورات عن مفهوم السوق ومصادر التمويل وكيفية التسويق، فللاسف طيلة السنوات السابقة، وحتى الآن، تحول الصندوق الى صندوق الوهم الاجتماعى ولم ينجح القائمون عليه فى القيام بالدور المنوط به فى معاونة الشباب على عمل مشروعات صغيرة. ومن أهم المعوقات امام المشروعات الصغيرة التمويل، فالبنوك تريد ضمانات والشباب لا يمتلكها، وإلا لا ستغنى عن تمويل البنك، وحتى لو حصل على قرض فالفائدة مرتفعة ولذلك يتعثر فى السداد والدولة لا توفر لهم التمويل بفائدة منخفضة ولا دراسات الجدوى ولو فكر فى شرائها من مكتب متخصص فهى مكلفة، والشاب ليس لديه خبرة فى إدارة المشروع، وهنا دور الدولة فى توفير التمويل والدراسة وخبراء من الصندوق فى المجال الذى يعمل فيه، لتقديم النصح والارشاد له، ومتابعته فى كل المراحل، وهذا يوفر له فى الانفاق وتعظيم العائد وارشاده لأفضل الاساليب الانتاجية. بعد ذلك يأتى دور التسويق، ولابد ان يكون للدولة دور ولا تتركه يواجه مشكله كيفية تسويق انتاجه، لدينا معارض دائمة ومتنقلة يمكن تخصيص اماكن بها للشباب بدون رسوم، لعرض منتجاتهم، لمساعدتهم فى تسويق انتاجهم تحت مظلة الدولة وهذه السوق تكون بمثابة هايبر امام المواطنين، ويسمح للإنتاج المتميز بالمشاركة فى المعارض الدولية ونعطى معايير للتقييم. للأسف ما يحدث فى الواقع من المسئولين عكس ما ينبغى ان يتم مع الشباب ،منذ سبع سنوات كان هناك معرض اثاث فى ايطاليا وشاركت فيه مصر، وكان من الحاضرين مجموعة من شباب دمياط تشارك بانتاجها، والذى لاقى اعجابا حتى من الايطاليين أنفسهم وطلبوا تصدير هذا الاثاث وايضا دول اخرى، إلا أن المسئولين رفضوا سفر هؤلاء الشباب للمشاركة بانتاجهم فى المعرض الايطالى فى العام التالى، وحرموهم من فرصه ذهبية لتسويق انتاجهم عالميا . المطلوب الآن وجود منفعة متبادلة بين الدولة واصحاب المشروعات الصغيرة، ودور الدولة ان تساند الجديد طيلة مراحل إنشائه، اما المشروع القائم فتساعده على ان يكون إنتاجه مطابقا للمواصفات، وهذا دور وزارة الصناعة، لضمان جودة المنتج لمصلحة المستهلك خصوصا ان 70% من اقتصاد مصر قائم على مثل هذه المشروعات الصغيرة والمتوسطة، لذلك يجب الاهتمام بها. وقد آن الآوان ان يتحرك المسئولون لتنفيذ توجيهات الرئيس، لانه حتى الآن هو الوحيد الجاد فى التغيير، وباقى الاجهزة لا تريد أن تتحرك وتغير الاوضاع السلبية. مطلوب رؤية واضحة ترى الدكتورة يمن الحماقى استاذة الاقتصاد جامعة عين شمس، والتى تقوم بتدريب الشباب على ادارة المشروعات الصغيرة ان هناك بعض الخطوات الايجابية تقوم بها الحكومة الحالية، لكنها تفتقد الرؤية الواضحة فى كيفية دخول هذه المشروعات فى خدمة التنمية فى مصر، ومن الخطأ جعل الصندوق الاجتماعى تابعا لوزير الصناعة لكونه مسئولا عن هذه الصناعات، ولابد من وجود جهة مستقلة تكون همزة وصل و مسئولة عن الصندوق لديها القدرة على التنسيق مع كل الاجهزة والوزارات خاصة ان المشروعات الصغيرة داخلة فى اداء كل الوزارات، وتتمنى ان يكون الصندوق تابعا لرئاسة الجمهورية مباشرة مع وجود اداة للمتابعة والتقييم . وتقول: نحن بحاجة للمشروعات الكبرى، لزيادة الناتج القومى، وللمشروعات الصغيرة لتحقيق العدالة الاجتماعية، ومطلوب التكامل بين جميع هذه المشروعات، والحكومة الحالية جريئة، تستطيع ان تتخذ قرارات لتفعيل ذلك، وان تكون هذه المشروعات متفقة مع المزايا التنافسية لمصر، وللاطار الجغرافى، بمعنى وجود منطقة صناعية فى كل محافظة تناسب ظروفها وتجذب شبابها للعمل بها وعدم هجرتهم للقاهرة. نتمنى استخدام اسلوب « العناقيد الصناعية « كما يحدث فى الصين، بمعنى وجود مبنى مكون من عشرين ورشة تنتج سلعة بمواصفات معينة، وتتولى جهة صيانة هذه الورش، وجهة أخرى تقوم بتسويق انتاجها، مما يقلل التكلفة هذا هو مفهوم، العناقيد الصناعية، ولدينا مركز التدريب التابع لوزارة الصناعة مؤهل لهذا الدور فى التدريب، ويمكنه التعاون مع المدارس الفنية وتدريب طلاب السنوات النهائية. نهضة الصين تحققت بهذا الشكل، بوجود منطقة متكاملة لانتاج سلعة واحدة او جزء مكمل يدخل فى صناعة، وقد نجحا فى غزو العالم، لانها عرفت احتياجات مستهلكى العالم كله فأنتجت سلعا بأقل جودة وأقل سعر ثم تتدرج الجودة والسعر حتى الوصول للمواصفات القياسية، اى انتاج سلع بكل درجات الجودة لذلك هى أعلى الصادرات فى العالم. يمكننا ان نبدأ بتلبية الطلب على احتياجاتنا من السوق المحلية كبداية، ثم نتوجه اذا نجحنا للتصدير لاسواق خارجية، بعد دراسة احتياجاتها. الطلب عندنا موجود محلى واقليمى وعالمى، فقط مطلوب ان ننظم أنفسنا ونضع خطة واضحة نسير عليها وتحديد الادوار وآلية قوية لمتابعة الادارة بالنتائج تحدد دور ومسئولية كل فرد والنتائج التى يجب ان يحققها . وتحقيق ذلك سينعكس على الناتج القومى والتنافسية، وكل دول العالم اعتمدت على المشروعات الصغيرة ولا تعارض بينها وبين المشروعات الكبيرة، والصغيرة ممهمة لتحقيق النمو والتنمية الاقتصادية وهذا سر تفوق الصين والهند وماليزيا، الاعتماد على المشروعات الصناعية الانتاجية ولدينا صناعات غذائية وملابس واجهزة كهربائية كلها تفتح آفاقا للتوسع والنمو .