صراحة وعلى النقيض من «أجواء» مباحثاته مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، طالب الرئيس الاوكراني بيترو بوروشينكو الكونجرس الامريكي بتسليح اوكرانيا ومساعدتها على الانضمام الى الناتو. وكانت بعض بلدان الناتو قد اعلنت نواياها بشأن ارسال الاسلحة والعتاد الحربي الى اوكرانيا، في توقيت هدد فيه وزير الدفاع الاوكراني بعزم بلاده على استعادة وضعيتها النووية التي فقدتها في اعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي السابق. وعادت أوكرانيا الرسمية الى الاعلان صراحة عن توجهاتها الغربية بعيدا عن «الصداقة والعلاقات التاريخية» مع روسيا ، فقد شدَ رئيسها بوروشينكو الرحال الى ما وراء المحيط في رحلة زار خلالها كلا من كنداوالولاياتالمتحدة ، حيث اعلن صراحة عن هذه الاهداف مقدمة لطلب تسليح بلاده بكل الاسلحة «الفتاكة والهجومية» على حد قوله. وكان بوروشينكو قد قال - في معرض خطابه الذي القاه في الكونجرس الامريكي :» ان العسكريين الاوكرانيين في امس الحاجة الى المزيد من التأييد السياسي من كل بلدان العالم، وهم ايضا في حاجة الى الكثير من الاسلحة الفتاكة والهجومية، فليس من الممكن ان نكسب حربا او نحافظ على السلام بمجرد «البطاطين» واجهزة الرؤية الليلية «، الى جانب دعوته تشديد العقوبات ضد روسيا، مطالبا بمنح اوكرانيا صفة «الشريك الاستراتيجي» من خارج حلف الناتو، والمزيد من الدعم العسكري والاقتصادي. ورغم التصفيق الحاد وقوفا في الكونجرس الامريكي، فلم يحصل بوروشينكو على مراده، بعد ان اكتفى الرئيس الامريكي اوباما بقراره حول منح اوكرانيا 53 مليون دولار قيمة معونات انسانية وبطاطين دون تلبية طلب الحصول على «اسلحة ثقيلة» ، او استجابة لاعلان اوكرانيا شريكا استراتيجيا خارج اطار الناتو! اذن لم تأت الرياح الامريكية بما كانت تشتهيه سفن بوروشينكو، ليكتفي بتسجيل بعض المواقف من منظور ترضية اليمين الاوكراني، الذي هدده باحتمالات ان يلقى مصيرا مشابها لمصير سلفه فيكتور ياموكوفيتش، على حد قول دميترى ياروش زعيم القطاع الايمن المتطرف في معرض ادانته لما وصفه «بتنازلات بوروشينكو امام موسكو والانفصاليين في جنوب شرق اوكرانيا» ، إذ قال بوروشينكو : « لا تطبيع للاوضاع مع روسيا دون استعادة شبه جزيرة القرم»، وإن عاد ليؤكد ان ذلك سوف يستغرق اعواما طويلة، ولن يتحقق من خلال المواجهات العسكرية، بل من خلال التفاوض السلمي والسياسي والاقتصادي. وبهذا الصدد كشف سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسية عن ان الرئيسين بوتين وبوروشينكو لا يناقشان خلال اتصالاتهما ولقاءاتهما المسائل المتعلقة بشبه جزيرة القرم ، وانهما يركزان في احاديثهما على امكانية استخدام الجانب الروسي لما يملكه من سبل اتصالات لمساعدة اوكرانيا في العملية الدستورية التي نصت عليها اتفاقات 21 فبراير التي توصل اليها الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش مع رئيس الحكومة الحالية ارسيني ياتسينيوك وزعماء المعارضة، بمشاركة وزراء خارجية المانيا وفرنسا وبولندا ، واتهم لافروف الولاياتالمتحدة ب»السعي من اجل استخدام الأزمة الراهنة في أوكرانيا للتأثير على العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وموسكو». ومن جانبه اعلن وزير الدفاع الاوكراني فاليرى جيليتيي - في تصريحات نقلتها وكالة انباء «انترفاكس» - عن عزم بلاده استرداد وضعيتها النووية مؤكدا ان اوكرانيا ستكون مضطرة الى العودة الى صناعة اسلحتها النووية اذا لم تجد ما تكفل به الذود عن اراضيها، واذا لم يساعدها العالم في ذلك»، وإن عاد ليقول ان ذلك لا يزال في طور التفكير. وكانت اوكرانيا وقزخستان وبيلاروس قد اختارت طواعية التخلي عما في اراضيها من اسلحة نووية سوفيتية في اعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي السابق بموجب «معاهدة بودابست» الموقعة في 5 ديسمبر عام 1994، التي نصت على التزام البلدان الثلاثة بتصفية ما لديها من اسلحة نووية وعدم العودة الى امتلاك مثلها بضمان روسياوالولاياتالمتحدةوبريطانيا لأمنها ووحدة اراضيها، فضلا عن انضمامها الى معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية ، وانتقدت المصادر الاوكرانية عدم التزام الاطراف الدولية بحماية الاراضي الاوكرانية ، وكذلك صمتها ازاء القرار الذي اتخذته موسكو بضم القرم. ولم يقتصر جيليتيي - في تصريحاته - على تلويحه باستعادة الوضعية النووية لبلاده ، بل وكشف - صراحة في حديث تليفزيوني - عن بدء ارسال بعض بلدان الناتو للاسلحة والمعدات العسكرية الى اوكرانيا دون الاعلان صراحة عن اسماء هذه البلدان، فضلا عن الاعلان عن بدء المناورات العسكرية «رابيد ترايدنت-2014» المشتركة مع الولاياتالمتحدة في غرب اوكرانيا، بمشاركة قوات من 14 دولة اخرى منها بريطانياوكندا وبولندا ورومانيا واذربيجان وجورجيا. ورغم حرص الجانبين الاوكراني والامريكي، على تأكيد ان هذه المناورات ليست ردا على ما يجرى من تحركات عسكرية في منطقة الدونباس في جنوب شرق اوكرانيا، فان هناك من يؤكد انها تأتي في اطار ما سبق واعلنته واشنطن والناتو حول تدعيم القوات المسلحة الاوكرانية وامدادها بالحديث من الاسلحة والعتاد العسكري. وكان اندرياس راسموسن امين عام الناتو سبق أن أعلن ان الحلف لن يقدم مباشرة اية اسلحة ومعدات عسكرية الى اوكرانيا، لكنه يوصي بقيام البلدان التي ترغب في مساعدتها بالقيام بذلك، مكتفيا بالاعلان عن مساعدات مالية قدرها 15مليون يورو. وبالرغم من تضارب الانباء حول اسماء البلدان التي قامت وتقوم بامداد اوكرانيا بالاسلحة، فان موضوع انضمام اوكرانيا الى الناتو صار يطرح نفسه بقوة اكثر من ذي قبل ، في توقيت مواكب للزيارة التي قام بها أخيرا تشاك هيجل وزير الدفاع الامريكي لجورجيا واعلانه عن ان الناتو يرحب بطموحات جورجيا وتوجهاتها نحو الانضمام الى الناتو، وهو ما سبق أن اقره الحلف في اطار الخطة التي كان اعلنها في دورته التي عقدها في بوخارست في ابريل 2008 حول قائمة البلدان المرشحة للانضمام الى الناتو ومنها جورجياوأوكرانيا. وثمة ما يشير الى ان تصريحات القيادات الاوكرانية حول بناء منظومة الجدار العازل مع روسيا، واحتمالات «اشعال حرب وطنية عظمى»، والتلويح بحق اوكرانيا في استعادة وضعيتها النووية، تستهدف بالدرجة الاولى التعجيل باتخاذ قرار الانضمام الى حلف الناتو، دون ادراك من جانب هذه القيادة ان مثل هذه التصريحات تفضح عمليا نواياها الحقيقية، وتبدو في مضمونها تأكيدا لعدم ضمان تصرفاتها لاحقا في حال امتلاكها القدرة على الردع النووي، وحرصها على توريط شركائها الغربيين في مواجهة عسكرية مع روسيا. وقد سارعت وزارة الخارجية الروسية الى بيان تقول فيه ان ما قاله وزير الدفاع الاوكراني حول احتمالات «بدء حرب وطنية عظمى» سيكون عدد ضحاياها «عشرات الالوف»، يدفع الى الشك في ان تكون مثل هذه التصريحات صادرة عن وزير دفاع دولة متحضرة». واشار بيان الخارجية الروسية الى «عدم منطقية ان تعهد «عشرات الالوف من العائلات الاوكرانية» الى مثل هذا الموظف بضمان أمن وحياة الابناء والازواج والاشقاء ممن يستدعونهم في اطار التعبئة العامة لدعم صفوف الجيش الاوكراني لمحاربة الاشقاء في بلادهم»! وقد كان كل ذلك ضمن موضوعات الاجتماع الاخير فى مجلس الامن القومي الروسي الذي ناقش «مستجدات الازمة الاوكرانية، على ضوء مدى الالتزام بتنفيذ اتفاقيات مينسك واستعرض نتائج الاتصالات بين ممثلي روسيا والاتحاد الأوروبي وأوكرانيا، وما قد ينجم من عواقب سلبية مع بدء سريان مفعول الاتفاق حول الشراكة الأوكرانية الأوروبية بالنسبة لاقتصاد كل من روسياوأوكرانيا». وردا على تصديق البرلمان الأوكراني على اتفاقية الشراكة الاقتصادية بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي حول «تعميق التكامل الاقتصادي بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي والجمعية الأوروبية للطاقة الذرية، فضلا عن إنشاء منطقة تجارة حرة واسعة «، سارعت موسكو بالتحذير من سرعة التصديق على هذه الاتفاقية التي كانت عمليا السبب الرئيسي في اندلاع نيران الازمة الاوكرانية في نهاية العام الماضي ، وقالت موسكو ان اوكرانيا لا بد ان تفقد السوق الروسية في حال تنفيذ بنود هذه الشراكة في شقها الذي يتناول اقامة منطقة التجارة الحرة وهو ما كان محور مناقشات الرئيس بوتين مع المستشارة الالمانية انجيلا ميركل ، وجوزيه باروزو رئيس المفوضية الاوروبية. وحول تصعيد واشنطن وبلدان الاتحاد الاوروبي للعقوبات ضد روسيا، قالت موسكو انها لن تترك هذه العقوبات دون رد وسوف تعلن في القريب العاجل عن سلسلة من الاجراءات الجوابية ردا على هذه العقوبات. وفيما اشار دميترى ميدفيديف رئيس الحكومة الروسية الى احتمالات حظر عبور طائرات بعض البلدان الغربية عبر المجال الجوى الروسي، واجراءات اخرى ، قال انه سوف يعلن عنها في حينه، اعربت مصادر رسمية روسية عن ارتياحها تجاه ان هذه العقوبات تدفع روسيا الى ضرورة البدء عمليا في اجراءات الاعتماد على الذات، والكف عن الاغراق في اوهام التعاون مع الغرب.