تمنح دول العالم المتقدم الأولوية لتدريس العلوم والرياضيات باعتبارها المناهج التى ستسهم فى تكوين علماء ومبتكرين المستقبل لتعزيز ومكانة بلادهم عالميا على المستوى الصناعى والتكنولوجى والاقتصادى. ونظرا للاهتمام الدولى بمناهج العلوم والرياضيات وبحث سبل تحفيز الطلبة على الدراسة تبنت هيئات دولية مثل المؤسسة الدولية لتقييم التحصيل التعليمى IEA ومنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية OECD آليات لتقييم جودة تدريس العلوم والرياضيات فى مراحل التعليم الأولى لتظهر تقارير دولية فى هذا الإطار مثل TIMSS وPISA والتى تقيم السياسات التعليمية للدول ومدى نجاحها فى تشكيل العقول وإعداد طلبة قادرين على دراسة العلوم والمنافسة والابتكار محليا ودوليا. تشير التقارير الى الطفرات التعليمية بدول جنوب شرق آسيا وانعكاس ذلك على التنمية الاقتصادية والصناعية، حيث تصدرت الصين - بمدنها شنغهاى، مكاو، وهونج كونج - سنغافورة وتايوان وكوريا المراكز الخمس الأولى على مستوى 65 دولة فى جودة تحصيل الطلبة للعلوم والرياضيات والقدرة على القراءة وذلك طبقا لآخر تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية. على الجانب الآخر، يبدو مشهد عزوف الطلاب عن دراسة المقررات العلمية فى مصر بالأمر المسلم به عاما بعد عام خاصة فى ظل ارتفاع نسب الطلاب الملتحقين بالقسم الأدبى إلى 70% من مجمل طلاب الثانوية العامة وهى الظاهرة التى سيكون لها بالغ الأثر على مصر فى المستقبل القريب. ويقول الدكتور حسن عزازى أستاذ الكيمياء بالجامعة الأمريكية إنه نظرا للاهتمام العالمى بتدريس العلوم فى مراحل التعليم الأولى ظهرت فى السنوات الأخيرة برامج دولية تعرف باسم STEM fields وهى باختصار سياسات تدريس مقررات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات فى المدارس فجميع الدول يقاس مدى تقدمها بمدى تعليم هذه البرامج ومدى كفاءتها فى تدريس العلوم والرياضيات بطرق مختلفة ومن هذه الدول اليابان وأمريكا وألمانيا فلابد أن يبدأ التطوير من المراحل الأولى فى التعليم بشكل تدريجى لأن المشكلة أننا نضع الطلبة فى صندوق للحفظ ونلغى قدراته على الإبداع والابتكار لذلك لابد من تطوير المعامل فى المدارس والجامعات وأن يدخل الطالب وينفذ التجارب بنفسه ويتعلم كيفية الحصول على المعلومة دون الرجوع للأستاذ. ويشير الدكتور علاء ابراهيم أستاذ فيزياء الفضاء بالجامعة الأمريكية ومدير مهرجان القاهرة للعلوم الى ان مصر لا تحتاج لدعم مادى كبير لتعليم الطلاب فالطرق الحديثة فى تدريس العلوم تتم بإمكانيات بسيطة حيث يتم عمل تجارب تفاعلية فى البيت والمدرسة فالعلوم تعتمد على المنهج التجريبى المبنى على المشاهدة والاستنتاج والتنبؤ، وليس التلقين والسرد مثلما يحدث اليوم. كما أن تدريس المواد العلمية يعتمد أساسا على معلم متفاعل لذلك لابد من رفع القدرات التدريبية للمعلمين وتعليمهم كيفية تحويل المقررات العلمية الى تجارب عملية ملموسة ينفذها الطلبة بإمكانيات بسيطة. ويرى الدكتور هانى الحسينى أستاذ الرياضيات بكلية العلوم جامعة القاهرة أنه لابد من تطوير المعلم والمنهج ولكن ما يحدث فى مصرهو تدهور للمناهج وليس تطويرا فمثلا فوجئنا فى مادة الرياضيات فى مناهج المرحلة الإعدادية بإلغاء ما يسمى ببرهان النظريات الهندسية لأنهم اعتبروا ذلك حشوا بالمنهج رغم أن البرهان هو الأساس فى تعليم الرياضيات لأنه بدون البرهان لا يوجد تفكير منطقى ويتحول الطالب إلى آلة للحفظ فقط لأننا نعطيه معلومات صماء مجردة لا يعلم فائدتها وأصبح الهدف الرئيسى حفظ حلول المسائل الرياضية وليس التفكير فى كيفية الحل أو إيجاد حلول بديلة. وهو ما أسهم فى ظهور جيل غير قادر على حل أى مشكلة فى المجتمع. ويضيف الدكتور أمين فاروق فهمى أستاذ الكيمياء بكلية العلوم ومدير مركز تطوير وتدريس العلوم بجامعة عين شمس سابقا أن المشكلة التى نواجهها أنه لا توجد مدارس للتعليم فى مصر بل هى أماكن لعقد الامتحانات لذلك لابد من إيجاد طريقة لكيفية رجوع الطلاب مرة أخرى للتعليم داخل المدارس من خلال تغيير منظومة التعلم لان هناك فرقا بين التعليم والتدريس.