النهوض بالتعليم قضية قومية واصبحت فى مقدمة اولويات مهام الحكومة، لاننا ايقنا ان تنمية المجتمع لن تتحقق إلا من خلال تطويرالعملية التعليمية، ولن يكون هناك تطوير دون وضع ايدينا على نقاط الضعف لكى نعالجها ويتطلب ذلك خططا طويلة الاجل واخرى قصيرة الاجل. ولقد تزامنت تصريحات الحكومة بتطوير التعليم مع بداية عام دراسى جديد، نتمنى ان يلحق بركب التطوير المنشود ويكون مختلفا عن الاعوام السابقة التى صاحبتها ظروف مجتمعية اثرت بشكل مباشر على سير العملية التعليمية. فى السطور التالية يرصد عدد من الخبراء والمتخصصين مشاكل التعليم ويقدمون الحلول المقترحة لاصلاحها والقاء الضوء على كيفية احداث ثورة تصحيح للمنظومة التعليمية. يرى الدكتور محمد المفتى –استاذ المناهج وعميد كلية تربية عين شمس الاسبق – ان تطوير المناهج لابد ان يرتبط بمواصفات الخريج الذى نحتاجه فى الوقت الراهن وفى المستقبل، وهو الخريج القادر على التفكير العلمى وعلى حل المشاكل وادارة الازمات واتخاذ القرارات والتفكير بطريقة ابتكارية وابداعية ويكون قادرا على انتاج المعرفة وليس استهلاكها، مثل هذه المواصفات لايمكن ان تتحقق مع الخريج الذى يدرس المناهج الحالية القائمة على المعرفة والمعلومة التى لا تتيح للفرد المتعلم ان ينمى عقله كى يفكر ويحل مشكلة او يتخذ قرارات لأنها تعطى المعلومة فى صورتها النهائية ولا تساعده على ان يبحث للحصول عليها من خلال مصادرها المختلفة مثل الكتب والمراجع والانترنت أو البرامج الثقافية والتعليمية المختلفة، لذلك ينبغى ان نطور مناهجنا تطويرا ثوريا ونستبدل الصورة الحالية بصور حديثة للمناهج . فهناك مناهج متطورة قائمة على حل المشكلات وهذا النوع يعطى للمتعلم مجموعة من المشاكل التى يدرسها ويقوم المعلم بالمساعدة بالتوجيه والارشاد والمتعلم عليه ان يبحث عن الحلول وبالتالى تنمو قدرته على التفكير العلمى والابتكارى، هناك صورة اخرى للمناهج الحديثة وهى القائمة على نتائج أبحاث المخ، وهى التى تتخذ النتائج التى أجريت على المخ البشرى وكيف يعمل وكيف يتعلم وتنسج المناهج وفقا لهذه النتائج، وبالتالى تساعد على الاستيعاب والتفكير لان المخ فى هذه الحالة يستقبل المناهج التى تم بناؤها بناء راعى كيفية التعلم. وهناك نوعية من المناهج قائمة على خدمة البيئة حيث توجه المتعلم الى كيفية استثمار البيئة التى يعيش فيها والمحافظة عليها وكيفية تطويرها، والنوع الآخر للمناهج الحديثة هوالقائم على المفاهيم الكبرى مثل مفهوم الطاقة الذى يوجد فى عدد من التخصصات مثل الكيمياء والرياضيات والفيزياء وعلوم الغذاء ، وعلى ذلك يتضمن المنهج مجموعة من المفاهيم يدرسها الطالب من مختلف زوايا الفروع المعرفية والتخصصات المتنوعة ومثل هذه الانواع الحديثة من المناهج قادرة على تكوين مواطن او خريج بمواصفات وسمات تتواكب مع متطلبات العصر. وبالاضافة الى هذا عندما نطور ينبغى ان يشمل ذلك منظومة التعليم بمختلف عناصرها - والكلام لايزال على لسان الدكتور محمد المفتى – اى يجب ان يتم تطوير البناء المدرسى باعتباره الوعاء الذى ينفذ فيه المنهج وذلك يتضمن المكتبات والمعامل والمختبرات وأماكن مزاولة الانشطة المدرسية، وعلى الجانب الاخر يجب تطوير برامج اعداد المعلمين فى كليات التربية وبرامج التنمية المهنية التى تنفذها وزارة التربية والتعليم، فلا ينبغى ان نطور عنصراً دون العناصر الاخرى لاننا فى هذه الحالة اذا طورنا المناهج ولم نطور المدرسة التى ينفذ فيها المنهج او نحدث برامج تدريب المعلم الذى يقدم المناهج بصورتها الحديثة، فلن يتحقق النجاح او الاهداف المرجوة من تطويرالتعليم الذى نسعى اليه. مشاكل المنظومة التعليمية ويؤكد الدكتور محمد الطيب –عميد كلية التربية السابق ومقررشعبة التعليم العام بالمجالس القومية المتخصصة – انه ليس لدينا قصور فى المناهج خاصة لما نملكه من مراكز بحثية مهمتها تطوير المناهج مثل المركز القومى للبحوث التربوية التابع لرئيس الجمهورية ومركز تطوير المناهج والمركز القومى للامتحانات و36 كلية تربية لها اقسام تعمل فى دراسة وبحوث المناهج وتكنولوجيا التعليم الى جانب المركز القومى للتعليم وشعبة التعليم بالمجالس القومية، بالاضافة الى الخبراء الاجانب الذين نستعين بهم فى مراقبة تطوير المناهج لتتماشى مع المناهج العلمية المتقدمة، لذلك فالمشكلة التى يعانيها التعليم هى طرق التدريس التى تحكمها الظروف التى نعيشها، ولذلك يجب ان نقر أنه ليس لدينا تعليم بالمسمى المطلوب والمفهوم المقصود لان مشكلات التعليم اكبر من فكرة تطوير المناهج، فعلى سبيل المثال اتاحة التعليم قبل الجامعى تعد مهمة الدولة ولكن ليس لدينا القدرة على توفير ذلك لنحو 50% من اولادنا فهناك نحو 400 قرية فى الجمهورية منها 2000 قرية ليس بها مؤسسة تعليمية، هذا بخلاف التسرب وتزايد اعداد الاميين رغم جهود المكافحة وهناك مشاكل اخرى مثل تكدس الفصول وعدم وجود امكانات تعليم حقيقية وازدواجية التعليم (ازهرى- تجريبى – خاص – لغات – دولى ) وتلك النظم التعليمية المختلفة غير موجودة فى دول العالم . وهذه المشاكل تتفاقم نتيجة للبعد عن الاستعانة بالمتخصصين والخبراء عند وضع النظم التعليمية، ومثال لذلك هناك صيحة لتطوير التعليم الفنى على الرغم من انصراف العالم المتقدم عنه، فلقد اصبح التعليم بعد الشهادة الاعدادية تعليماً حرفياً او مهنياً لكن التعليم الفنى مقصور على المعاهد العليا التجارية والصناعية والزراعية فى التعليم الجامعى، لان التعليم الفنى يحتاج لثقافة وخلفية لاستيعاب كل ماهو جديد فى مجال تكنولوجيا معلومات وحاسب آلى ولقد كنا سباقين فى تطبيق ذلك فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر . كما يجب ان نتواكب مع التطور من خلال الاطلاع على تجارب الدول ونختار ما يناسبنا، ففى دولة الهند تغلبوا على مشكلة تكدس الفصول ويمكننا تطبيق مثل هذه التجارب لان الظروف متقاربة، ويجب وضع استراتيجية وخطط تعتمد على رؤية واضحة للنهوض بالتعليم لاننانفتقد ذلك. ويوضح الدكتور محمد الطيب –اننا ليس لدينا تعليم بل مسابقات وسلم تعليمى يضيق كلما ارتفعنا الى اعلى فنسبة التسرب من التعليم الابتدائى تبلغ 25% ونسبة الملحقين برياض الاطفال 12% ونسبة من يصل للتعليم الثانوى العام35% و65% للتعليم الفنى، وماتستوعبه الجامعات الخاصة والحكومية نسبة تتراوح مابين 25% و35%. ولذلك يجب ان نبدأ بقاعدة تعليمية يتقارب فيها كل ابناء الشعب وذلك من خلال تمويل التعليم والقضية التى يجب ان تشغلنا هى كيفية توفير التمويل اللازم دون الضغط على الطبقات الفقيرة ،فهى مهمة الدولة كما يجب ان يشارك رجال الاعمال فى مصادر التمويل ليس بانشاء مؤسسات تعليمية تهدف لتحقيق الربح!، ولذلك يجب ان يخضع التعليم فى جميع مراحله وبأنواعه المختلفة الى اشراف الدولة، وتعتمد خطط التطوير على ان يهدف التعليم قبل الجامعى الى خلق مواطن مبدع ومؤهل وليس محصل معلومات وذلك من خلال رؤى تربوية وتعليمية لان الدروس الخصوصية وكتب الفجالة والغش ليس من وسائل التعليم والتحفيظ والتلقين.