أبدأ اليوم من حيث توقفت الأسبوع الماضى، وقد توقفت عند قولٍ للعلامة الرسلان –حفظه الله تعالى- فى خطبته الماتعة "هكذا ضيعوا الأوطان" التى ألقاها يوم الجمعة 8 مارس 2008، والتى بدا وكأنه يستشرف فيها الأحداث التى نعيشها الآن، توقفت عند قوله إن "من لوازم الحب الشرعى للأوطان المسلمة أن يُحافَظ على أمنها واستقرارها، وأن تُجَنَّب الأسباب المفضية إلى الفوضى والاضطراب والفساد.. فالأمن فى الأوطان من أعظم منن الرحيم الرحمن على الإنسان". ونعمة الأمن من أجَلّ وأعظم نعم الله على الإنسان كالصحة لا يعرفها إلا من فقدها، وهى ككل النعم تتطلب الشكر عليها، لقد امتن الله على أهل حَرَمه بالأمن فقال: "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ" (العنكبوت: 67)، وذكر الله مِنَّته على سبأ، فقال تعالى: "وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ" (سبأ: 18)، بل لقد منَّ الله على كفار قريش بالأمن، فقال: "فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ" (قريش: 3-4). لقد قال الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام فى دعائه لأهل مكة: "رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ" (البقرة: 126) فقدم طلب الأمن على طلب الرزق، لأن الناس لا يُحَصِّلون أرزاقهم إلا مع توفر أمنهم، ولا يتنعمون بالطيبات من الرزق مع المخافة والفزع. ومن الكفر بهذه النعمة العظيمة (نعمة الأمن فى الأوطان) العبث باستقرار الوطن وأمنه، والمغامرة بمستقبله وتضييع ماضيه، ومن الكفر بنعمة الأمن تأجيج نيران الأحقاد بين أبناء الوطن واستغلال معاناة الجماهير الكادحة المرهقة لتكون وقود معركة فاشلة ظالمة، الخاسر فيها هو الوطن، والجانى فيها تلك الجماعات التى تتخذ من تكفيريات سيد قطب وأصول حسن البنا دستورا لها، والتى تتخذ الدين مطية للوصول إلى الحكم فى البلاد العربية والإسلامية المختلفة، ولنا فى الجزائر عبرة، وفى العراق عبرة، وفى غزة عبرة، وفى سوريا عبرة، وفى ليبيا عبرة، والسعيد من وُعظ بغيره. ولا شك أن أكثر ما حصدناه فى وطننا خلال السنوات الأربع الماضية هو ضياع نعمة الأمن، فمن منا لم يشعر بالذعر والخوف على نفسه وولده وزوجه وماله وداره؟ ومن منا لم يعد يتمنى أن يدفع بكل ما يملك نظير تحصيل الأمن المفتقد؟ ومن منا لم يحصد الحصاد المُرّ للفوضى التى كادت أن تعصف ببلادنا لولا أن منَّ الله علينا بنعمته التى فرَّطنا فيها من قبل برغبتنا وأضعناها بأيدينا؟.. فيا أيتها الجماهير الكادحة: لا تضيعى باقى الشراب من أجل موهوم السراب، وأُعيذك بالله أن تكونى لصاحب غرض وسيلة، وأن يَرُوج لأحد من هؤلاء عليكِ حيلة. والزمى جماعة المسلمين تحت راية ولى الأمر "وفقه الله لما فيه خيري البلاد والعباد".. ولا تأبهى لدعوات الخروج عليه، فإن الخروج هو سبب ضياع الأمن، وهو أصل الفتن التى تتعرض لها الأمة. واعلم أيها الشعب المسلم النبيل: أن إسلامك أمانة، فَصُن الموجود، وحَصِّل المفقود، ولا تبخل بمجهود، والله يسددك ويرعاك وهو الغفور الودود. لمزيد من مقالات عماد عبد الراضى