الخوف والجوع دعامتي الفوضي ، وذراعي الانفلات لإي مجتمع ، والامن والشبع هما جناحي العدالة وقدمي الإستقرار ، عندما يتجه الناس لعبادة العباد طلبا لإطعام أو بغية في حماية أو رغبة في وقاية كانت الهزيمة النكراء والخسران المبين حتي لو ملك الملايين كيف ؟ هذا قارون " فخسفنا به وبداره الأرض وما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين "( القصص ) فما بالك بالذين عبدوه وساروا في ركابه " وقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل انتم مغنون عنا من عذاب الله من شئ * قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا اجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص "( ابراهيم ) ، إن الله وحده هو المستحق للعبادة والوحدانية, إذ هو وحده الذي يطعم العباد من جوع, ويؤمنهم من خوف, فمن ذا الذي يستطيع أن يُجَوِع من أطعمه الله, ومن ذا الذي يستطيع أن يُخَوِف من أمَنَه الله, وعلى العكس فمن ذا الذي يُطعم من قضى الله عليه بالجوع , ومن ذا الذي يُؤَمِن من حكم الله تعالى عليه بالخوف. فإذا اتجه الناس بالعبادة لله وحده رزقهم نعمتي الأمن والأمان والشبع والرخاء ، وهما من أعظم النعم " من أصبح منكم آمناً في سربه , مُعافى في جسده, عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ", يعني فكأنما أُعطى الدنيا بتمامها...!! لكن الظلم المصحوب بتكذيب الرسل وجحود النعم من أعظم أسباب العذاب ، فهو يجرنا إلي ملامسة الخوف الذي يؤدي إلى الانهيار الاقتصادي ومن ثم إلى ملابسة الجوع الذي يؤدي إلي الإنهيار الاخلاقي ...!! كيف ؟ " وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ . وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ" (النحل:112-113) الظلم الذي استشرى في طبقات المجتمع ,حكاماً ومحكومين, رؤساء ومرؤسين، أبعد عن كل ما يُرضي الله ، وقرب كل ما يُغضب الله ، كان كفران النعم وكثرة المعاصي أدي إلي إنهيار السريع ودمار أسرع . الطعام والأمن امتن الله بهما على قريش فقال: " فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ . الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ" (قريش:3-4)، وذلك من أعظم أسباب نشأة الشخصية السوية المهيأة لقيادة الأمم وبلوغ القمم ..!! لكن هناك من لا يعبأون بخوف الناس وجوعهم كأنهم لا يحسون همهم ولا يعيشون ألمهم ولا يسمعون أنينهم !! فليحذروا البغضاء التي تلقى في قلوب الناس نحوهم بسبب هذه القسوة وعدم المبالاة... فكيف اذا كان القمع متواصل وإلإذلال مستمر وتكميم الافواه متزايد ، حتى ان المواطن المقهور يحمد الله اذا انقضي يومه على انه لم يزل على قيد الحياة، وقد يشعر بالرضي ان يأخذ القائمين علي أمره ماله وكده ولا يأخذون روحه، بل يسدي لهم شكرا كبيرا مقابل شيء من الحياة التي تشبه حياة الديدان أوالجرزان أوبقية الزواحف المنبطحة على بطونها !! الأمن نعمة عظيمة يُنعم الله سبحانه وتعالى بها على من يشاء من عباده، إذ الإنسان بطبعه ينشد الأمن وما يبعده عن المخاطر والمخاوف حتي يتهيأ الجو المناسب للعبادة والريادة والقيادة "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ( العنكبوت: 67) ومن ثم يبدلهم الله من بعد الخوف أمناً ومن بعد الذل عزا ومن بعد المتابعة والملاحقة والتخطف من الارض تكوين وتمكين كيف ؟ " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"( النور: 55) وهنا يتحول الخوف الي امتحان وابتلاء لمزيد من التكوين العقلي والنفسي والتمكين الارضي والكوني " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين" " البقرة: 155) ينتقلون من عظم البلاء إلي حسن الجزاء، وهذه سنة الله عز وجل في تمكين عباده المؤمنين، قال ابن القيم رحمه الله: سأل رجل الشافعي فقال: يا أبا عبد الله، أيما أفضل للرجل، أن يُمَكَّن أو يُبْتَلى؟ فقال الشافعي: لا يمكن حتى يبتلى أما المسكنات الظالمة فلن تحقق أمناً حقيقياً حتي للقائمين عليها ، بل أمناً زائفاً مؤقتاً لا يسمن ولا يغني من جوع ..!! " فلا يحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون * إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار .. "(ابراهيم ) أما الأمن الحقيقي فمن هنا " الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ" [الأنعام: 82] . و ما تمر به بلادنا العربية والاسلامية من أزمة قد أحاطت بها من جميع أطرافها, واستحكمت عليها من كل جوانبها ... إراقة دماء, وانتشار أشلاء وارتقاء شهداء ، قتال وجراحات, فتنٌ وبلايا, مصائب ورزايا, وربما يغيب الامر بين أطراف عديدة لكنه لا يغيب عن رافع السماء بلاعمد ، وباسط الارض علي ماء جمد ، محللون يتهمون, وسياسيون يتنصلون, وحكام يتنازعون ، وشبابٌ مغيبون , إذا شُرق بهم شرَقوا, وإذا غٌُرِب بهم غربوا, يزعمون النظر إلى الأمام ولا يتعدى نظرهم إلى ما هو تحت الأقدام , ظلمات بعضها فوق بعض , متاهات وفتن وضلالات . شعوب حائرة في إتهامات ملفقة ، لم تنفعها مليارات متدفقة ، ولم تتمتع بالحرية التي كانت يوما مشرقة ، فعانت من الخوف والجوع إلي المحرقة , ووطن منكسر يتعرض علي مدار الساعة للتجفيف والتجريف ، وشباب ثائرعلي مدار اليوم ضد الظلم والاستبداد والتجفيف المخيف , وحكام زائغين مضلين متنازعين إلا من رحم رب العالمين ولن يستقيم أمرهؤلاء جميعا الا مع هذا التوجه " فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ " فاذا كان بصدق كان معه الامن والشبع في الدنيا فضلا علي أعظم الأمن وأنفعه في الاخرة ، وهو ما لا يعقبه خوف أبداً، هناك يوم القيامة ، الأمن من الفزع الأكبر، قال تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ* لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ" ( الأنبياء: 103،102) لذلك يجب ان نتجه إلي إفراد العبادة لله واخلاص الدين لله ، فهو الواحد الاحد ، الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا احد ، لا شريك له ، ولا شبيه له ، ولا ند له ، هو رب العالمين ، الاله الحق ، الذي يخلق ويرزق ، ينفع ويضر ،يحي ويميت ،يعز ويزل ، لا اله غيره ، تعنو له الوجوه ،وتخشع له القلوب ،وتتوجه له الانفس ، العبادة يجب ان تكون مباشرة بين العبد وربه ، لا سلطان لاحد عليها ولا وساطة لاحد فيها ، اذا توطدت وتعمقت ، كان اول مظاهرها عند العبد الا يذل الا لله ، ولا يستعن الا بالله ،ولا يتوجه الا لله ، ولا يعمل الا ابتغاء مرضات الله ، وقد قالها يوما ربعي بن عامر لملك الفرس : جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد الي عبادة رب العباد، ومن جور الاديان الي عدل الاسلام ، ومن ضيق الدنيا الي سعة الدنيا والاخرة..!! ومن هنا قد نسلك الطريق الصحيح ألي رب العباد لإفراده وحده بالعبودية لراحة العباد واستقرار البلاد و بلوغ المراد " فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ . الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ" (قريش:3-4) اللهم انا نعوذ بك من الجوع فانه بئس الضجيع ونعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة ، اللهم إنا نعوذ بك من الكفر والفقر ومن عذاب القبر ، للهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا، وصل اللهم وسلم وبارك على عبدك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين ....
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.