لم تعد الدعوة الإسلامية حكرا على الرجال بعد أن ارتسمت صورة الداعية (الرجل) فى أذهان العامة لقرون عديدة. واكتسبت الدعوة النسائية فى مصر مفهوما وشكلا جديدا بعد أن منحت وزارة الأوقاف 200 تصريح لخريجات الأزهر لتبصير زائرات المساجد بأمور الدين. وفى ظل التطورات المجتمعية المعاصرة والحراك السياسى للمرأة استعانت وزارة الأوقاف بعدد من الداعيات للعمل تطوعا فى مساجد القاهرة بهدف إزالة الأمية الدينية عن النساء وللإجابة على أسئلتهن واستفساراتهن من قبل المتخصصات. وأشاد علماء الأزهر بتلك المبادرة التى أطلقتها وزارة الأوقاف مؤكدين انها خطوة اولى لمحو الأمية الدينية لدى نصف المجتمع. وطالبوا بأن تكون الداعيات مؤهلات علميا وثقافيا لهذا الدور المهم. وحول مبادرة الأوقاف بتعيين داعيات بمساجد القاهرة الكبرى يقول الشيخ جابر طايع، وكيل وزارة الأوقاف بالقاهرة، أن الوزارة أعطت تصريحا لعدد 200 من الداعيات ممن يحملن المؤهلات الأزهرية واطمئننا على مؤهلاتهن ومستواهن الفكرى الوسطى المستنير للعمل فى مساجد القاهرة ونحن نرحب بمن تتقدم متطوعة بحيث تحضر المتقدمة مقابلة شخصية وفقا للقانون وبشرط أن تكون حاصلة على مؤهل أزهرى أو خريجة المعاهد الثقافية التابعة للأوقاف للاطمئنان على فكرهن وأدائهن وإعطائهن تصريحا مؤقتا لحين إخطار الوزارة لإعطائهن تصريحا رسميا . وأضاف: إنه لم يتم حتى الآن عمل اجتماعات مع المتطوعات لكن التفتيش مستمر على المساجد وإلى الآن لم يتم رصد أى مخالفات للسيدات المتطوعات للعمل الدعوى فى المساجد والتجربة جيدة، والوزارة الآن جارية فى تقنين الأوضاع لأننا الآن فى حاجة ماسة لتلك الداعيات والأجدر أن تجد النساء من يلبى رغباتهن فى التفاعل مع القضايا الدينية المعاصرة ، وأرى أن 200 داعية متطوعة فى المساجد بالقاهرة عدد غير كاف كما أن هناك إقبالا على العمل الدعوى النسائى التطوعى الذى يعد ضرورة حياتية تفرضها الظروف الحالية. ضوابط وشروط من جانبه أوضح الدكتور احمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، أن المرأة عندما تقوم بالدعوة يعتبر عملا فى غاية الصواب والأهمية ولها 3 شروط أولا هو أن تكون قدوة لبنات جنسها فى السلوك والعمل والأخلاق وثانيا ان تكون ملمة بأحكام الإسلام والموضوعات الفقهية أو الأخلاقية التى تتحدث فيها وثالثا ألا تكتفى وزارة الأوقاف باجتياز الداعيات لاختبارات معينة فقط بل عليها أن تكثف لهن التدريس من خلال دورات تدريبية راقية يحدثهن فيها كبار علماء الإسلام فى كبرى قضايا الساعة الساخنة المطروحة على الساحة لكى تستطيع أن تجيب على أى سؤال يوجه إليها فى أى مجال. وأضاف: إن هذا عمل ناجح والمجتمع فى حاجة إلى نساء داعيات فعلا لأن المرأة أقدر على شرح بعض الأحكام الفقهية الخاصة بالنساء ولا تجد حرجا فى التحليل والشرح مع بنات جنسها كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجيب بعض السائلات فى أمورهن النسائية وكانت تعلن للرسول أنها لم تستوعب فكانت تشرح لها السيدة عائشة كيفية الطهارة من الاستحاضة وغيرها من الأمور الخاصة بالنساء. منهج واضح ومتابعة دورية ويقول الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم عميد كلية أصول الدين بأسيوط، مع التطورات المتسارعة فى المجتمع المصرى بل وفى المجتمعات العربية والإسلامية والتى دخلت فيها المرأة إلى ساحات العمل والمشاركة المجتمعية أصبحت هناك تساؤلات نمطية وغير نمطية تريد المرأة المسلمة معرفة حكم الشريعة فيها والمناقشة حولها ومن يكون أكثر تفهما لجوانبها وأبعادها المختلفة أكثر من المرأة وهذا ما أكده الدكتور محمد الشحات الجندى عضو مجمع البحوث الإسلامية، وبالتالى فأن الاستعانة بداعيات من النساء أصبحت ضرورة ملحة فى الوقت الحاضر خاصة مع ارتفاع المستوى الثقافى للمرأة نتيجة انخراطها فى التعليم وقدرتها على التعمق فى فهم بعض المسائل وبالتالى مثل هذه الأمور تحتاج لمن يتصارح معها فى الكلام وهنا تكون الداعية اقرب وأجدر على تحقيق ذلك، هذا هو السبب الذى يجعل وجود داعية نسائية فى المساجد أمرا ملحا تفرضه الظروف المعاصرة ولنا أسوة فى ذلك السيدة عائشة رضى الله التى كانت فقيهة وعالمة بأمور الدين وكان يسألها النساء والرجال معا، ومن الوقائع التى تكشف عن حاجتنا من النساء فى المساجد أنه كانت تأتى بعض النساء للرسول صلى الله عليه وسلم تسألنه عن أمور نسائية كالحيض والنفاس وكان الرسول يرد عليهن ويجعل السيدة عائشة تزيد الشرح والتفصيل لتوضيح كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا يؤكد أمرا معينا وهو ضرورة وجود داعيات من النساء الآن كما كان قبل ذلك من وجود أمهات المؤمنين ممن كن يستطعن أن يقدمن الفتوى فى العصر الإسلامي. وشدد الجندى على ضرورة أن تكون مشاركة المرأة فى المساجد مشاركة ايجابية بناءة خاصة أن المرأة أو الكثير من النساء يقبلن على الالتحاق بكليات تدرس التخصصات الدعوية والشرعية كما أن هناك العديد من النساء يلتحقن بالمراكز الثقافية التابعة لوزارة الأوقاف الأمر الذى يعد توظيف مثل هذه الطاقات المعطلة لخدمة بنات حواء لقول الله تعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أولئك سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) وهنا طلب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والتعريف بالمشكلات المجتمعية ومحاولة إيجاد حلول لمشكلات المرأة وإحقاق الحق يندرج ضمن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الذى طلبته الآية الكريمة من المؤمنين والمؤمنات على حد سواء ويعظم هذا الدور النسائى المجتمعى فى ظل حالة الحراك المجتمعى للمرأة فى الوقت الراهن ولدورها فى غرس السلوك السليم شريطة أن تلتزم الداعية بالمنهج الوسطى الذى لا يتبنى التشدد ولا يدعو إلى التطرف لان هذا هو المنهج الذى وصفه الله للأمة الإسلامية فى قوله تعالي: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِى كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) وهنا يجب عليها إتقان المعرفة الصحيحة بأصول الدين وشريعته وان تسهم بإيجابية فى هذا الدور وان قرار وزارة الأوقاف بتعيين 200 داعية فى المساجد بالقاهرة ينبغى أن يكون الخطوة الأولى لخطوات أخرى من أجل أن نزيل الأمية الدينية عن بنات حواء ويجب تنمية هذه المبادرة ومتابعة أدائها بدقة للحصول على نتائجها المنشودة.