فى الحادى عشر من اغسطس الماضى كلف التحالف الوطنى ورئيس الجمهورية فؤاد معصوم الدكتور حيدر العبادى بتشكيل الحكومة ليكون رئيس مجلس الوزراء الجديد، ومع حالة الترحيب الداخلى والإقليمى والدولى بتولى العبادى وازاحة المالكى بدأ الاستعداد لمواجهة ما يسمى بتنظيم الدولة الاسلامية فى العراق ( داعش) الذى اصبح خطرا يهدد العراق ككيان ودولة، بسبب سياسات المالكى التى استمرت ثمانى سنوات وكانت البيئة المحفزة لوجود هذا التنظيم الإرهابى فى المناطق العربية السنية خاصة فى محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار، بل إنه تحرك ليهدد إقليم كردستان العراق وبغداد بعد تمدده على الارض وسيطرته على آبار بترول وسدود حيوية قبل ان يتم طرده من سد الموصل تحت وطأة القصف الجوى الامريكى وتحرك قوات البشمركة الكردية على الارض. الحالة العراقية كانت ومازالت وستظل نقطة التقاء وانطلاق للكثير من الازمات التى تضرب المنطقة لوجود الكثير من القواسم والعوامل المحفزة لها فى العديد من الدول القريبة والبعيدة من المحيط العراقي، لذلك فإن مسألة فصل ما يحدث فى العراق عما يحدث فى سوريا ولبنان واليمن وما يستجد أمر يجافى ابسط قواعد المتابعة للتطورات السياسية على المستويات الدولية والاقليمية ،كون منطلقات القوى الفاعله فى العراق هى نفسها فى هذه المناطق، ونقصد بذلك ايران التى كانت ومازلت صاحبة اليد الطولى فى العراقوسوريا ولبنان واليمن ايضا ، اما الولاياتالمتحدة التى انسحبت من العراق نهاية عام 2011 فإنها وجدت نفسها هى والقوى الاخرى امام تحد جديد على التجربة العراقية بصفة عامة وعلى حلفائها الاكراد العراقيين، الذين باتت داعش قاب قوسين او أدنى من أربيل عاصمة اقليمهم ومقر القنصلية الامريكية والمقار الامنية الامريكية ،وقد ضاعف من الزخم الامريكى ذبح الصحفى الامريكى جيمس فولى على يد عناصر التنظيم الذى ترافق مع موجات من القتل للاقليات من مسيحيين وأزيديين واكراد وشيعة فى المناطق التى خضعت لداعش، وهو الامر الذى شكل نقطة التقاء بين الولاياتالمتحدةوايران. فالاولى ترى ان التنظيم مهدد حقيقى لمصالحها بعد تمرده على اجندتها والثانية ترى فيه ظاهريا على الاقل مهدد لمشروعها فى العراق والمنطقة، لذلك كان ومازال تدخلها الفعلى فى المعارك ضده بقوات نظامية وغير نظامية من مختلف الاسلحة . بالتوازى مع ذلك فإن القوات الامنية العراقية التى اصبحت اقرب ما تكون الى الميليشيات التى تمثل طيفا عراقيا واحدا وامام الهزيمة التى لحقت بها فى الموصل وغيرها فتحت الباب مستغلة ( فتوى الجهاد) التى صدرت عن المرجعية الشيعية فى النجف امام ما يسمى ب ( الحشد الشعبى ) لمكافحة الارهاب الذى استهدف المكون السنى بلا أى تمييز. فى هذه الأثناء كانت داعش تتمدد وتستولى على الانتفاضة التى قام بها العرب السنة ضد المالكى وسياسياته فى تكرار لسيناريو الاستيلاء على الثورات والانتفاضات من قبل قوى متطرفة، والمتابع لما حدث فى المحافظات العربية السنية فى بداية الامر ومع سقوط الموصل فى يونيو الماضى كان يجد خطابا وطنيا عراقيا من قبل الكثير من الاطراف التى شاركت فى الانتفاضة، الا ان هذه الاصوات بدأت فى التلاشى والاختفاء كما اختفى اصاحبها على يد داعش التى بدأت فى اخذ البيعة ( للخليفة ) ابراهيم البغدادى بالقوة وبالقتل، بل إن الحركات الاخرى وعلى رأسها كتائب ثورة العشرين والجيش الاسلامى وجيش المجاهدين وجيش رجال الحركة النقشنبدية وتنظيمات حزب البعث وغيرها من القيادات العشائرية ومجالسها العسكرية باتت الهدف الاول لداعش الذى نفذ عمليات اعدام لمن رفض المبايعة طالت قادة من تلك الحركات لم تتكمن منهم ايران او الولاياتالمتحدة، وهو الامر الذى ترجم فى الكثير من المعارك التى دارت فى جبل حمرين وتكريت والانبار التى قتل فيها المئات من تلك العناصر بجانب عمليات التصفية الجسدية للمئات من الضباط والاطباء والزعامات العشارية التى رفضت البيعة. الامر الذى جعل من تحالف تلك الفصائل لمكافحة داعش امرحتميا، خاصة انها تعتمد على عناصر أجنبية ، ولا تقبل إلا بسيطرتها فقط دون أى شراكة - حالها حال المالكي- وهو الامر الذى جعل من فتح قنوات من قبل الولاياتالمتحدة مع هذه الجماعات لابد منه لمكافحة داعش، وحسب الكثيرمن المصادر فإن اربيل والعاصمة الأردنية شهدتا لقاءات مع هذه الفصائل للتنسيق ضد داعش، الامرالذى بدأت نتائجه تظهر على الأرض خاصة مع ازاحة المالكى عن السلطة، وسط هذه الاجواء، وفى صلاة يوم الجمعة الموافق 22 اغسطس اقتحمت مجموعة مسلحة تابعة لعصائب اهل الحق التى يتزعمها قيس الخزعلى المتحالف مع المالكى مسجدا بمحافظة ديالى وقتلت اثناء الصلاة اكثر من 70 مصليا واصابت العشرات، ورغم نفى الخزعلى مسئولية عصائبه فإن الامر المؤكد انه فى الوقت الذى تقتل فيه داعش المخالفين والمعارضين والرافضين للبيعة من العرب السنة ، فإن الميليشيات التى ادمجت فى الاجهزة الامنية والتى لم تدمج، فضلا عن جماعات الحشد الشعبى كانت ومازالت تمارس القتل ضد ابناء العرب السنة ، بمعنى ادق فإن العرب السنة باتوا هدفا من داعش واخواتها الذين تعددت اسماؤهم من “ ثار الله” الى “العصائب” و”أبو الفضل العباس” وغيرهم ، وهو الامر الذى يحقق هدفا واحدا هو القضاء على العرب السنة، والقضاء على التوافق والتفاؤل الذى خلفه ازاحة المالكى ، خاصة ان الاخير يبدو انه لم يفقد الامل فى السلطة معتمدا على انه يمتلك عدد المقاعد الاكبر فى التحالف الشيعى الذى رشح العبادى بدلا منه بمعنى ادق فإن الخيارين كلاهها مر بالنسبة للعراقيين من مختلف الاطياف ، فاذا قاطع العرب السنة الحكومة نتيجة للمذبحة فانها تلبية لمطالبات المالكى للعبادى بتشكيل حكومة اغلبية وهو ما سيفشل فيه، واذا ما شاركوا بدون ضمات فعلية وحقيقة ضمن صيغة تشمل الجميع ضد داعش فإن الحكومة ستكرس سياسة المالكى ، فى كلتا الحالتين فإن السقف الزمنى الدستورى والذى مدته ثلاثين يوما وينتهى فى العاشر من سبتمبر القادم سيكون محددا للعبادى الذى يجب ان يحسم خياراته خلال هذه الفترة لأن الامور لا تحتمل المناورات فلمواجهة داعش الإرهابية لابد من استئصال اخواتها من الاجهزة الأمنية ومن الساحة وقبل ذلك مراجعة القناعات الفكرية التى تنسف فكرة المواطنة والتعايش بين كافة الاطياف العراقية.