بصرف النظر عن مدى نجاح نقل الباعة الجائلين إلى الترجمان.. أو نقلهم فيما بعد إلى «وابور الثلج» فإن الحكومة اتبعت أسلوبا إيجابيا فى معالجة المشكلة، بعد انتشار الباعة الجائلين فى وسط البلد بصورة سرطانية أفسدت وشوهت الحياة. فقد طبقت الحكومة مبدأ «البديل قبل الرحيل» وهو ما طلبه الباعة للتخلى عن وجودهم بالشوارع الرئيسية، فسعت الحكومة لتدبير مكان لهم، بالقرب من رمسيس والإسعاف والجلاء لتسهيل الوصول إليهم، وقامت بتخطيطه وتقسيمه. وعلى عكس الصدام التقليدى مع الباعة الجائلين بتحرير محاضر ومخالفات ومصادرة البضائع، حاولت الدولة هذه المرة احتواء المشكلة بمنطق اجتماعى، يراعى احتياجات هؤلاء الباعة، ويحرص على وقف معاناتهم، وتحقيق حماية دائمة لهم من خلال نقابة تحتضنهم وتضمن لهم الرعاية الصحية، والمعاش والتأمينات. ومهما نجد بتجربة الترجمان من سلبيات سواء فى المساحات الضيقة المتاحة لكل بائع، أو عدم وجود مخازن لوضع البضائع بعد انتهاء اليوم، وعدم اعتياد الناس على البيع والشراء هناك وغيرها، فإن الأمر سيحتاج بعض الوقت لاستقرار الأوضاع، ولكن يكفى أننا لم ننظر فقط لجانب واحد من القضية وهو ضرورة إخلاء وسط البلد، بل فكرنا أيضا وقبل أى شىء فى مصير هؤلاء الباعة وأرزاقهم ومستقبلهم. وتعد هذه الأزمة مع الباعة الجائلين نموذجا مصغرا للأزمات المركبة التى نعيشها فى مصر، فتزاحم هؤلاء الباعة وتكالبهم على البيع فوق الأرصفة، هو نتيجة لمشكلة البطالة التى تطحننا، وأيضا العشوائية التى تحاصرنا وليت الحكومة تخطط من الآن للتعامل مع البطالة والعشوائية بنفس منهجها مع الباعة الجائلين، فتوفر أولا فرص العمل للعاطلين بإقامة المشروعات الكبرى والمصانع لتشغيلهم، وكذلك إنشاء المناطق الحضارية لإلغاء العشوائية، ويمكن جمع التمويل اللازم لذلك بداية من المليارات التى سيوفرها صندوق «تحيا مصر». لمزيد من مقالات د.عبد الغفار رشدى