عندما يشعر الإنسان أنه ليس لديه ما يخسره, فعلى الأرجح أنه قد يفعل أى شىء, وبقدر ما دهش العالم من حجم غضب الأمريكيين السود الذى إنفجر مؤخرا فى مدينة فيرجسون بولاية ميسورى , والذى تم التعامل معه بعنف شديد من قبل الشرطة الأمريكية, بقدر ما أدرك أن وجود رئيس أسود فى البيت الأبيض, لا يعنى على الإطلاق أنه حدث أى تحسن فى وضع أمريكا السوداء, وأن كل هذا الغضب لم ينفجر من الفراغ, بل هو نتاج عقود من بحث المجتمع الأسود عن فرص متساوية للعيش بكرامة وللحصول على كافة حقوقه, وربما عبرت لحظة إنفجاره فى فيرجسون عن موجات أخرى من الغضب اليائس. فبعد نصف قرن من إقرار قانون الحقوق المدنية فى الولاياتالمتحدة, ما زال السود يعانون من التفرقة العنصرية. وفى الوقت الذى تتغني فيه أمريكا بأنها أمة المساواة بلا حدود, ما زالت الأمة السوداء الأمريكية تعانى من عدم المساواة الفعلية, سواء فى الدخل أو فى التعليم أو فى فرص العمل والأسوأ عدم المساواة حتى فى حق العيش بكرامة. والأرقام تقدم ما لا ندركه عن حجم الفجوة بين البيض والسود فى الولاياتالمتحدة, وهى تقدم ما لا يعرفه حتى الأمريكيون البيض عن حجم معاناة السود والمرارة التى سكنت أحيائهم طوال العقود الماضية. فقد ظلت معدلات البطالة بالنسبة إلى السود أكثر من ضعفى معدلاتها لدى البيض, وفى يوليو 2014 كان معدل البطالة الرسمى للأمريكيين البيض 5.3% فى الوقت الذى كان فيه معدل البطالة الرسمى للسود 11.4%, وفى دراسة أخرى نشرت لمعهد السياسات الإقتصادية الأمريكي, فى أواخر عام 2012 وجد أن متوسط دخل الأسر البيضاء يعادل 22 ضعف متوسط دخل الأسر السوداء. كما نشر مركز "بيو" للأبحاث مؤخرا أن الفجوة فى الدخل بين البيض والسود إستمرت فى النمو منذ أواخر الستينيات, فى حين ذكر مكتب الإحصاء الأمريكي أن نسب تملك الأسر البيضاء للمنازل هى 73% مقابل 43% فقط للأسر السوداء. أما فيما يخص التعليم فقد أثبتت الدراسات أنه فى الوقت الذى ينال فيه 82% من الطلاب البيض على فرص إنهاء التعليم الثانوى, فإن 63% فقط من السود هم من ينالون هذه الفرصة. أيضا أثبتت دراسة حديثة أن 12% من الأطفال البيض يعيشون فى أحياء فقيرة, مقابل 45% من الأطفال السود يحيون في أحياء شديدة الفقر, فى حين نشر مكتب الإحصاء الأمريكى مؤخرا تقريرا يفيد بأنه مقابل 20% من الأطفال البيض الذين يعيشون مع أحد الوالدين, يوجد 52% من الأطفال السود يعيشون فى نفس الوضع الأسرى, أى الضعف. أما فيما يتعلق بجرائم العنف، أشارت بيانات مكتب الإحصاء فى عام 2012 تعرض 12 من بين كل ألف أمريكى أسود لجرائم عنف خطيرة تشمل الإغتصاب والإعتداء بالاسلحة والسرقة, مقابل 6 لكل ألف أمريكى أبيض. وكما أنه وفقا لنفس هذه البيانات فإن معدلات تعرض السود وخاصة الذكور للقتل هى ضعف معدلات البيض , ويشكل الذكور السود 6% من تعداد سكان الولاياتالمتحدة ولكنهم مع هذا يشكلون 43% من ضحايا جرائم القتل, وهم من ناحية أخرى يشكلون 40% من تعداد السجناء فى السجون الأمريكية وهم يمثلون أكثر من ثلاثة أضعاف عدد السجناء البيض.