توفير الأسماك للمواطن المصري مهمة قومية بالدرجة الأولي.. واستثمار أرض مصر للتنمية أيضا مطلب قومي لا خلاف عليه.. ولكن تتفجر الآن بشرق بورسعيد قضية يلعب فيها التخبط الاداري دور البطل ليدمر مشروعات تهم الوطن.. ويضعنا في دوامة من الحيرة دون أن يحسم الموقف. والحكاية معروضة الآن امام مجلس الوزراء.. ويتصارع فيها120 مزرعة سمكية عملاقة مقامة علي8 آلاف و855 فدانا تنتج سنويا35 ألف طن من الأسماك بما يعادل ثمانية أضعاف بحيرة البردويل.. وكانت هذه المزارع قد أنشئت عام1997 بعد أن تعرض الانتاج السمكي الي الانخفاض والتلوث وتجفيف أجزاء من بحيرات المنزلة والبرلس وادكو.. وامام هذا الموقف قررت الدولة وقتها التدخل بقيام الهيئة العامة للثروة السمكية بادخال تكنولوجيا الاستزراع السمكي في مصر, وأقامت4 مزارع وأنشأت مفرخات سمكية ومصانع لانتاج علف السمك.. وشجعت الدولة المستثمرين علي انشاء مزارع سمكية.. وهنا قامت اعداد كبيرة من المستثمرين باستثمار منطقة شرق بورفؤاد وهي منطقة تبعد عن القناة بنحو25 كيلومترا.. أي بعيده تماما عن شرق التعريقة وقاموا باستئجار الأرض من الدولة وانشاء المزارع. وبدأ التخبط الاداري بصدور قرار يمنع امداد هذه المزارع بمياه الري النظيفة!.. والاكتفاء بمياه الصرف الزراعي من مصرف الفرما بسهل الطينة. فما كان من المستثمرين إلا الاتجاه الي مياه البحر الأبيض المتوسط.. ونجحوا في انتاج أسماك بحرية مميزة باستخدام مياه البحر مثل البوري والدنيس والقاروص, تغطي احتياجات السوق المحلية. وفجأة صدر قرار بانشاء مدينة مليونية وانشاء منطقة صناعية شرق بورسعيد وتمتد الي المنطقة التي بها هذه المزارع رغم أنها تبعد25 كيلومترا عن بورسعيد.. ورغم أن المنطقة المتاخمة للقناة وبورفؤاد منطقة متسعة جد, ويمكن أن تغطي احتياجات البناء لهذا المشروع.. ولكن القرار شمل منطقة المزارع السمكية.. وكان لابد للخبرة أن تقول كلمتها: هل تصلح هذه الأرض للبناء أم لا؟ وهنا ظهر البطل المغوار التخبط الاداري في اتخاذ قرار نهائي نحو هذه المنطقة.. فقد انتقل الي المنطقة خبراء من الهيئة العامة للتنمية السمكية.. وخبراء من جامعة قناة السويس.. وخبراء هيئة التعمير والمجتمعات العمرانية.. وخبراء جهاز تخطيط استخدامات أراضي الدولة للبحث في صلاحية هذه الأرض.. ومن خلال ما قاموا به من مجسات للتربة وتحاليلها.. واستخدام أجهزة الاستشعار لبحث عمق التربة اكتشفوا كما أكدت تقاريرهم جميعا أن التربة هشه, وأن الأرض الثابتة فيها توجد علي عمق35 مترا تحت سطح الأرض.., وأن الأرض لاتصلح في تلك المنطقة لاقامة مبان او منشآت.. ولايمكن أن تستخدم إلا في الاستزراع السمكي! وبرغم كل هذا فان قرارات الدولة مازالت متمايكة بتحويل هذه الأرض الي منشآت ومبان بعد ازالة المزارع السمكية. وما سوف يحدث خلال أيام يثير العجب.. فإن هذه المزارع سوف تتوقف عن انتاج35 ألف طن من اسماك مميزة سنويا حتي تقول الدولة كلمتها النهائية. ولايمكن لخبراء الدولة عدم الأمانة في عرض الحقائق والقول بأن الأرض تصلح للمنشآت. والسؤال المطروح الآن امام رئيس الوزراء: هل تعجز مصر عن تكوين لجنة من الخبراء لتقول كلمه نهائية وصادقة في صلاحية هذه المنطقة للبناء او للمزارع السمكية قبل أن تغلق120 مزرعة.. ثم لانطول هذا ولا ذاك!