أنا سيدة في العقد الرابع, ومن أسرة فقيرة, وكافحت كثيرا حتي تخرجت في إحدي الكليات الجامعية, وزوجني أهلي من شاب يحمل مؤهلا متوسطا يعمل حرفيا في إحدي المهن الحرة,ولم يكن لي يد في اختياره, ووجدتني انتقل للإقامة معه بلا فترة خطبة أتعرف فيها علي طباعه, ولم تمض أيام محدودة حتي اكتشفت شخصيته. , فهو يماثل سي السيد في ثلاثية نجيب محفوظ, ويبحث عن مزاجه خارج البيت دون أن أستطيع أن أتكلم معه, أو حتي مجرد الإشارة إلي ما يفعله, وداخله شديد الغيرة والصرامة. ومات والدي وليس لي إخوة ذكور, ولم يعد لي غير والدتي العجوز, واخواتي المتزوجات, لذلك تحملت العذاب معه والسباب والألفاظ الجارحة من أجل أن تستمر الحياة, خاصة بعد أن أنجبت منه الأولاد, وصار لنا الآن خمسة أبناء, هم ولد واحد وأربع بنات, ونسيت نفسي تماما, وركزت همي في شئون البيت والأسرة, لكن هيهات أن تستقر الأمور مع زوج وأب بهذا التسلط والجبروت, فهو طول النهار في الخارج يفعل ما يحلو له, وعندما يعود آخر النهار يدخل علينا عابس الوجه, مفتعلا أي سبب لضربي أمام الأولاد, وسبي, ثم يركل هذه, ويسب ذاك, حتي صرنا نرتعد من مجرد سماع صوته! وبدأ الحصاد المر في الأولاد, وأبدأ بابنتي الطالبة في الثانوية العامة, فمنذ دخولها هذه المرحلة وهي عنيدة, وتصاحب فتيات مستهترات, وحاولت أن أثنيها عن مصاحبتهن وهددتها بأنني سأحكي لوالدها عما تفعله فتزيد في العناد, ثم تعرفت علي شباب, وزاد الطين بلة أنها أدمنت سرقة الموبايلات, وأيضا النقود من زميلاتها أو ممن تطوله يدها, وعرفت ذلك من متابعتي لها, وخشيت أن أخبر والدها عما تفعله, واكتفيت بنصحها وإرشادها, وأحضرت لها كتبا دينية تشرح عقاب السارق عند المولي عز وجل, لكنها لم تأبه بكلامي, وراحت تشتري بما تسرقه ملابس وأشياء خاصة بها, وذات مرة سرقت تليفون زميلة لها فاكتشفت أنها السارقة وجاءتنا هذه الزميلة باكية وشاكية مما فعلته ابنتي, وكان أبوها موجودا بالمنزل وقتها حيث كان آخر النهار, فمنعها من الذهاب إلي المدرسة وضربها علقة موت, ولولا تدخل عمتها ما سمح لها بدخول الامتحان, وجاءتنا أختي في زيارة ومعها موبايل هدية لابنتي, ونصحتها بألا تفعل ذلك مرة أخري, لكن هيهات أن تنصلح حال ابنتي, إذ عادت من جديد إلي داء السرقة, من والدها, ومن زميلاتها أيضا, وهي تقول إنها تفعل ذلك بدافع الانتقام من زميلاتها لموقفهن منها, فأخذته منها بصعوبة بالغة وأنا أبكي وأتوسل إليها أن تبتعد عن هذا الطريق الذي يجلب الخراب, وسوف يلوث سمعتها, ولن تجد من يتزوجها أو يثق فيها, ومازالت علي حالها حتي اليوم. وكان كذلك أخوها الوحيد عندما كان في المرحلة نفسها, لكن بصورة أخف, والفارق بينها وبينه أنه امتثل لما طلبته منه وزار معي طبيبا نفسيا شهيرا عرضته عليه في السر, وواظب علي عقد جلسات معه, وتناول العلاج الذي وصفه له بانتظام, وقد تعافي بأمر الله وبمساعدة هذا الطبيب الذي رحل عن دنيانا, ولا يعلم أحد حتي الآن ما كان عليه ابني, وتمنيت لو أنني أعرف طبيبا مثله يساعدني في علاج ابنتي بعيدا عن زوجي الطاغية الذي لا أجرؤ علي مجرد الحديث معه في هذا الأمر الذي لا يعرف عنه شيئا, فهو غارق في ملذاته, وعلي علاقة غير شريفة مع عاملة معه في المحل الذي يملكه, وللأسف هي في عمر بناته, وقد لاحظ أولادي أنها تجلس معه كثيرا في الدور الثاني من المحل, وقد ضبطوهما في أوضاع مخلة أكثر من مرة, لكن من يجرؤ علي الحديث معه في هذا الأمر. وزاد الأمر سوءا أن ابنتي الكبري التي تخرجت في الجامعة هذا العام علي علاقة بشاب تتحدث معه كثيرا وتقول إنه سوف يتقدم لخطبتها, فحذرتها منه لكن هيهات أن تستجيب لي هي الأخري, إنها حياة بلا معني نحياها, وأشعر أن خراب بيتي سيكون قريبا, وستكون فضيحتنا بجلاجل بسبب تصرفات أب لا يعرف الرحمة, ولا الإنسانية, ولا الأخلاق, لقد فكرت في الطلاق ومغادرة هذا المنزل إلي غير رجعة, لكني أخشي علي مصير أولادي الذين مازلت أتتبع خطواتهم لحظة بلحظة, وأنا أدعو الله أن يكمل مسيرتي في الحياة معهم بالستر, وإني أسألك: هل هناك حل لما نحن فيه؟ وما هو السبيل لإفاقة هذا الأب الطاغية من غفلته؟! ما حدث لأولادك هو نتيجة طبيعية لأب غائب عن منزله طول الوقت غارقا في ملذاته, غير مبال بمن حوله, فلقد نشأ أبناؤك ياسيدتي في جو غير أسري بالمرة, وشاهدوا أباهم وهو بصحبة فتاة في مثل عمرهم, فعملوا بالقول المتعارف عليه من شابه أباه فما ظلم. والحقيقة أنك تتحملين مسئولية عدم إخبار زوجك بما رأيت عليه ابنتك منذ البداية, ووضعه أمام المسئولية قبل أن يستفحل أمرها ويصبح من الصعب علاجها حتي إذا كنت قد نجحت في علاج ابنك من داء السرقة لدي أحد الأطباء. صحيح أنني أقدر ما أنت فيه من شعور بالضعف مع زوج طاغية علي حد تعبيرك, لكن كان لابد لك من وقفة معه, لكي يتحمل تبعات انفلاته غير المعقول. والآن.. وإدراكا لبعض ما فات عليك بمواجهته بشجاعة بما هو حادث الآن مع أبنائك, وبأنك تحملت وحدك العبدء النفسي حتي تعافي ابنك, وأنه حان الوقت ليفيق من غفلته قبل فوات الأوان, وحينئذ سيكون عليه الاختيار بين أن يستمر علي ما هو عليه, فيخسر نفسه وأولاده إلي الأبد, وبين أن يتخلي عن عالمه ويكرس وقته لإنقاذ أولاده, ورعاية أسرته, وأعتقد أن الأمور سوف تسير في مصلحتكم بإذن الله.