مع هيمنة الأخبار الحزينة القادمة من العراق وليبيا وغزة يوميا على عناوين الصحف, وتزايد معدلات الفوضى التى أصبحت تحتل كل بقعة على وجه الأرض, بدا أن تقرير مؤشر السلام العالمى لم يثر الكثير من الدهشة عندما أعلن أنه من بين دول العالم, لم تعد هناك سوى 11 دولة فقط يمكن وصفها ببساطة أنها آخر معاقل السلام والاستقرار, الذي استمر لنحو 60 عاما منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. "مؤشر السلام العالمى" تقرير سنوى ينشره منذ ثمانية أعوام فقط, معهد الاقتصاد والسلام, وهى منظمة غير حكومية مقرها الرئيسى فى لندن, ومهمتها دفع المجتمع الدولى للتركيز على التدابير الإيجابية وتحقيق التقدم البشرى, ويعتمد التقرير السنوى الذى يصدره المعهد على 22 مؤشرا يقيس من خلالها مدى إستقرار الدول التى يتم مسحها وهي 162 دولة, ومن بين هذه المؤشرات الإنفاق العسكرى, وحقوق الإنسان ومستوى الديمقراطية ومعدلات الجريمة ومستوى التكافؤ بين الجنسين وأيضا حجم الصراعات المحلية والدولية بين الدولة وجيرانها, ويعتمد التقرير فى بياناته على مصادر متنوعة تشمل البنك الدولى والمعهد الدولى للدراسات الإستراتيجية وكذلك مختلف الوكالات التابعة للأمم المتحدة. كان تزايد حجم الأنشطة الإرهابية والصراعات المسلحة من أهم الأسباب التى أدت إلى تدهور مستوى الأمن والسلام العالمى, وهو ما أدى بدوره الى إرتفاع غير مسبوق فى أعداد اللاجئين والمشردين, ووفقا إلى ستيف كيليليا, المؤسس والرئيس التنفيذى لمعهد الاقتصاد والسلام, فقد دفعت العديد من العوامل البسيطة إلى تدهور السلام العالمي على مدار السنوات السبع الأخيرة, منها الإنعكاسات الإقتصادية المستمرة للازمة المالية العالمية, وإنعكاسات الربيع العربى وما نتج عنه من تزايد وسرعة انتشار الإرهاب, ويعتقد كيليليا أنه من المرجح استمرار هذه الانعكاسات فى المستقبل القريب مما سيعطل ملامح الانتعاش لحالة السلم الدولى. على رأس قائمة الدول السعيدة لهذا العام, تأتى أيسلندا التى حافظت على مكانتها منذ عدة أعوام بوصفها الدولة الأكثر سلمية وإستقرارا, وربما لو لم تكن شديدة البرودة وأيضا صغيرة جدا (103 آلاف كيلومتر مربع) إضافة لكونها أقل بلدان الناتو من حيث تعداد السكان, لفضل الملايين الهجرة إليها, وغالبا وقتها سوف تنضم إلى قائمة الدول التعيسة. في المرتبة الثانية تأتى الدنمارك, التى تعد أفضل دول العالم في مجال السلام والأمن, وهى أكثر دولة استقرارا فى قارة أوروبا, وتليها نيوزيلندا التى حافظت على ترتيبها باستمرار باعتبارها واحدة من أفضل دول هذا الكوكب, والأكثر سلاما فى منطقة المحيط الهادي, تليها النمسا, الدولة الأوروبية الوحيدة التى لم تتعرض لمخاطر إعلان التقشف, كما أنها ليست مثل جارتها ألمانيا, التى وقع عليها عبء إنقاذ اقتصاد القارة. وبالمناسبة فإن ألمانيا تحتل المرتبة ال15, أما فى المرتبة الخامسة فتأتى سويسرا, التى تبدو مصدر إغاظة متواصل للإتحاد الأوروبي, فقد نجحت باستمرار في أن تنأى بنفسها عن المشاكل, تليها اليابان, التى تظل أكثر الدول أمنا ولديها أقل معدلات في الجريمة, تليها فنلندا ثم كندا التى حافظت على روعتها ونظافتها وتنوعها الثقافى مع أكبر معدلات التجانس البشرى على وجه الأرض, ثم تأتى السويد التى إحتلت فى تقرير هذا العام المرتبة التاسعة حيث وصفها التقرير بأنها البلد الذى يشعر فيه الجميع بالسعادة والأمن, ثم بلجيكا في آخر قائمة العشرة, التى يصنف مواطنوها بالأكثر حظا فى أوروبا. وبعيدا عن الدول السعيدة , ضمت القائمة دولا إنخفضت معدلات السلام والأمن بها وتراجعت عن تصنيفها فى الأعوام السابقة, ومنها الولاياتالمتحدة التى جاءت فى المرتبة 101, والصين 108 وإيران 131 وروسيا 152, أما الدول الخمس الأكثر تعاسة أو بمفردات التقرير الأقل أمنا وسلاما فهى بالترتيب الصومالوالعراق وجنوب السودان وأفغانستان ثم بطبيعة الحال احتلت سوريا آخر مرتبة تماما فى التقرير بعد أن بدلت مكانها مع أفغانستان, لتكون بذلك أسوأ مكان يمكن أن يعيش فيه إنسان على وجه الأرض, وعلى الأرجح فسوف تتنافس مع العراق فى تقرير العام المقبل. أما الدول المرشحة للتدهور فى معدلات سلمها وأمنها خلال العامين المقبلين فهى زامبيا وهايتى والأرجنتين وتشاد وجورجيا وقطر, التى يرى التقرير أنها ستشهد خلال الشهور المقبلة مستويات غير مسبوقة من الاضطرابات الداخلية والخارجية.