من شاهد التظاهرات الضخمة التى اندلعت فى توقيت واحد فى الضفة الغربية وحولها بفلسطينالمحتلة وبسالة المتظاهرين السلميين فى التصدى لعدوان الصهاينة، ووصول آلاف المتظاهرين الى المسجد الاقصى المحاصر، وهروب اصحاب الهراوات وحاملى السلاح من جنود الصهاينة امام زحف شعبى غير مسبوق، وحالات تحطيم الجدار العازل التى نتابعها طوال العام الماضى بايدى الفلسطينيين فى الضفة الغربية والمناطق المحتلة يكتشف اننا امام فلسطينى جديد يختلف عن ذلك المرعوب دائما والهارب بحياته تاركا ارضه وبيته ليصبح لاجئا وعالة على الاخرين فى الدول التى استضافت الفلسطينيين سنينا طويلة . ومن شاهد جرأة المقاتل الفلسطيني، وهو يهاجم الموقع العسكرى «ناحال عوز»، وشجاعته اثناء الاشتباك المباشر مع جنود «النخبة» – اقوى فرق الجيش الصهيونى - وتجريدهم أحد الجنود من سلاحه بعد استعصاء «سحبه» إلى داخل النفق .. وصورة عملية أسر الجندي في الربع الساعة الأخير قبل التهدئة وصور أطفال الحجارة في تظاهرات الضفة الغربية والمناطق المحتلة عام 1948 ،وكيف يتصدى هؤلاء الاطفال والفتيان فى شجاعة وبسالة وسلمية ، للجنود المدججين بالسلاح والكراهية يدرك تماما كم فشلت محاولات نيتانياهو ويعلون وجانتيس فى الحفاظ على صورة الجندى الصهيونى الشرس الذى لايقف امامه احد .. بل انهم فشلوا بمناوراتهم السياسية وحملاتهم الاعلامية واجتياحهم البرى لغزة فى إعادة ترميم صورة «الردع» الإسرائيلى القادر على سحق المقاومة الفلسطينية حيث انمحت الصورة او كادت ، وبات الفلسطيني أجرأ على مقارعة ومواجهة وتحدى الإسرائيلي وجهاً لوجه . لقد كانت الصورة الاعلامية للعدو الذى لايقهر تسيطر على اذهان اجيال متتالية من الفلسطينيين والعرب بل والغربيون ومعظم دول العالم .. والعرب المرعبون بالصورة الاعلامية السابقة للجيش الصهيونى هم من هرعوا كثيرا فى حالات سابقة ليحققوا لإسرائيل بالسياسة والمبادرات والوساطات، ما لم تحققه لها آلة حربها التى كانت الأكثر تطوراً في العالم .. فماذا سيفعل هؤلاء اليوم بعد ان تحدى الفلسطينى ضعفه واستكانته وخرج عن الطوق وكيف سحافظون على مصالحهم وامتيازاتهم بعد ان خسر الصهاينة صورة الذراع الطولى في المنطقة، وصورة الجيش الذى «لا يقهر» والشعب الخائف اللاجىء الذى يتلقى الطعنات ولايرد بشىء ؟؟ ما الذى حدث وادى لتغير الصورة الاعلامية للفلسطينى ؟؟ أربعة متغيرات، خارجية وثلاثة متغيرات داخلية وراء هذه الصورة الجديدة للفلسطينى المقاتل بديلا عن صورة الفلسطينى المقهور فعلى المستوى الخارجى يأتى التطور فى آليات الاتصال وتعدد الوسائط الاعلامية فى مقدمة المتغيرات المهمة التى الغت احتكار وسائل الاعلام الغربى الكبرى نشر الاخبار والصور واصبح النشر الالكترونى المكتوب والمصور يتفوق على القنوات الفضائية الدولية والصحف، وهو ما اعطى زخما للمقاومة السلمية والمسلحة فى ترويج الاحداث من وجهة نظرها مما افسد حالة التفرد السابقة التى كانت تتمتع بها آلة الاعلام الصهيونية محليا ودوليا والتى كانت تنشر الاحداث عادة من وجهة نظر المحتل . والثانى: التمدد السياسى لدول الشرق ( روسيا والصين وغيرها) والذى واكبه تاثير إعلامى منافس للاعلام الغربى فى المواقف ومناقض – عادة – فى رؤية التناول للاحداث وهو ما ساعد فى تقديم صور للمقاومة الفلسطينية مختلفة عما يقدمه الاعلام الغربى المنحاز للصهاينة المحتلين لفلسطين . والثالث: بروز صور إعلامية لصراعات نمت وتصاعدت فى عدة دول من العالم فى ذات توقيت عدوان الصهاينة على غزة كما فى اوكرانيا وليبيا ونيجيريا واليمن والعراق وسوريا وغيرها، وهذه النوعية من الصور نتج عنها انتشار اشكال من المحاكاة لدى الفلسطينيين بعضها تحريضى يشجع على المقاومة حتى الرمق الاخير حيث لا مكان يلجأ الفلسطينى له بعد ان اشتعلت النيران فى كل الدول حوله الرابع: تأثر الجيل الجديد من الفلسطينيين بحالة الثورات الشعبية السلمية التى اندلعت بين جيل الشباب فى العالم والعربى بصفة خاصة منذ ثورة تونس ديسمبر 2010 مرورا ببقية الثورات العربية المستمرة حتى اليوم ومحاكاة الشباب الفلسطينى سلوكيات الشباب العربى الثائر اثناء مواجهته العدوان الصهيونى العسكرى الاخير ضدهم اما المتغيرات الداخلية التى نرى انها ساهمت فى تغير صورة الفلسطينى من مقهور ولاجىء وذليل الى مقاتل قوى فأولها يتمثل فى : ان زمن الحروب الإسرائيلية السريعة الخاطفة والموجعة قد انتهى واختفت معه صورة «الجيش الذي لا يقهر» ، فمنذ الهزيمة الكبرى في عام 1967 لم تحقق إسرائيل نصراً خاطفاً واضحاً .. فقد انهزموا امام المصريين في حرب أكتوبر 1973، وانسحبوا مهزومين امام اللبنانيين فى 2006 وانسحبوا امام الفلسطينيين 2009 .. لقد انتهت صورة إسرائيل الصهيونية القوية التي ساهم الفلسطينيون انفسهم بضعفهم وعجزهم وتواطؤ بعضهم على رسمها وتكريسها في أذهان ألاجيال المتتالية من أبناء فلسطين والعرب بشكل عام .. والثانى: فشل محاولات الحل السياسى رغم قبول السلطة الفلسطينية الكثير من التنازلات للإفراج عن الاسرى وصياغة خريطة طريق للحل مع الصهاينة .. وقد خلف تملص الصهاينة من الاتفاقيات وعجزهم عن طرح اطر جديدة للحوار والتفاوض صورة سلبية لدى الفلسطينيين الذين فقدوا الامل فى ان الحلول السياسية يمكن ان ترحمهم من القتل فاندفعوا للقتال فى كل ارجاء فلسطين بصور متعددة منها السلمى ومنها العسكرى والثالث: الاعتداءات الصهيونية المباشرة على المسجد الاقصى بالحصار والحفر والانشطة التخريبية اسفله وحوله والتى صنعت كراهية من نوع خاص ومدعومة دينيا لدى الفلسطينيين الذين يعتبرون انفسهم حماة المسجد الاقصى الشريف .. ومع تصاعد دعوات الجهاد لحماية الاقصى مواكبة لطموحات سياسية لحماس والاخوان الإرهابيين وحلفائهم الابرز قطر وتركيا وبعض دول اوروبا والذين وفروا دعما اعلاميا قويا للمقاومة الفلسطينية حتى انهم نسبوا كل عمليات المقاومة التى قامت بها كل الفصائل الفلسطينية فى غزة والضفة ( 15 فصيلا سياسيا مسلحا على الاقل ) الى حماس وحدها وقدموا اشكال المقاومة الشعبية الفلسطينية للاطفال والشباب بتكثيف اعلامى لافت حقق معدلات يومية مابين 23 و56 رسالة اعلامية متنوعة معظمها مصور .. نشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعى فقط . ان الصورة الاعلامية للفلسطينى المقاتل التى نراها اليوم تجسد معنى استيعاب فلسطينى واعى ومتراكم لدروس الماضى ويبدو ذلك واضحا فى معالجتهم الاعلامية للاحداث .. لم نجد حالات الصراخ والعويل والرعب مع عمليات الوحش البربرية على غزة او فى عمليات المطارة بالرصاص والقتل للمدنيين فى تظاهرات الضفة الغربية .. كما لم نر اثناء ساعات الهدنة حالات الهروب والهلع من مناطق القتال لان الفلسطينيين يبدو انهم قد تعلموا الدرس جيدا، فقد عودتهم قوات الاحتلال في جميع الحروب السابقة، أن تستغل الهدنة او التهدئة، أو الساعات التي تسبقها فى شن عدوان همجى لايبقى ولا يذر يخلف آلاف القتلى حيث رأينا الفلسطينيين واللبنانيين والعرب يذبحون بدم بارد فى الساعة الأخيرة قبل تنفيذ كل هدنة مع الصهاينة . ومساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، سقطت في قبضة الاحتلال قبيل الهدنة وفي اثنائها وأعقابها.. وتكرر ذلك فى الحرب البربرية الثالثة على غزة، فالمجزرة الأبشع ترتكب في الساعات الأخيرة في رفح وحولها .. وفي كل يوم يشتد فيها استهداف المدنيين الأبرياء فى غزة ورام الله طوال الخمسة والعشرين يوما من الحرب ضد الفلسطينيين ، كانت الالة الاعلامية للمقاومين الفلسطينيين – دون اتفاق – تركز على اعداد الضحايا والمخطوفين من الجيش الصهيونى حتى تجبر «الرقابة العسكرية» الإسرائيلية عن اعلان المعلومات المتصلة بقتلى الجيش ومصابيه . اننا امام متغيرات جذرية فى مكونات الصورة الاعلامية للفلسطينى تأخذها بقوة نحو الحالة الايجابية امام الراى العام الإقليمى والعالمى مع تغير بارز فى الصورة الإعلامية للجندى والمواطن الصهيونى يدفع بها نحو السلبية امام الراى العام العالمى .. ولو استمرت عناصر القوة الايجابية فى الصورة الإعلامية الفلسطينية فان ذلك سينعكس اثره سريعا على مدى اهتمام العالم بقضية الشعب الفلسطينى المقاوم شريطة ان تتوقف حماس عن توظيف الصورة الاعلامية لصالحها على حساب مصلحة الشعب الفلسطينى .. والله غالب.