أكملت الثورة المصرية عامها الأول, وباشر برلمان الثورة اعماله, ومع ذلك فالمشهد العام محير وحافل بالتناقضات والمستقبل يبدو غامضا أو علي الأقل أدني بكثير من آمال المصريين وتوقعاتهم. والاسباب كثيرة ولاتقتصر علي فشل المرحلة الانتقالية وفشل النخبة السياسية وتشرذم شباب الثورة. في هذا الإطار يمكن رصد مجموعة من التناقضات. التناقض الأول حول معاني ودلالات ذكري مرور عام علي انطلاق الثورة, فالمناسبة لاتحظي بإجماع كل المصريين, فهناك من يراها مناسبة للاحتفال, وهناك من يراها فرصة لاستكمال تحقيق أهداف الثورة, فالثورة لم تصل الي السلطة وبالتالي لم تحقق اهدافها. ومابين الموقفين كانت هناك هواجس ومخاوف من حدوث فوضي وتخريب في ظل العودة المرتبكة للأمن, وفي ظل حملة التخويف والتفزيع من مؤامرات خارجية تستهدف مصر. ورغم أن الاحتفالات أو المسيرات الثورية خلت من مظاهر العنف والصدام وأكدت سلمية وتحضر المصريين, إلا أنها عمقت الانقسام والاستقطاب بين القوي المدنية وشباب الثورة من جهة, والقوي الاسلامية من جهة أخري, وهو انقسام قديم ومتجدد, أما الانقسام الأحدث فهو بين الجيش وشباب الثورة, حيث تعمق بدوره وتفاقمت فجوة الثقة بين الطرفين, وتعرض العسكر بتعبير المتظاهرين لموجات من النقد الغاضب والهتافات المعادية. التناقض الثاني أن القوة الشبابية التي فجرت الثورة لاتشارك في برلمان الثورة بنسبة تتفق وحجم دورها في الثورة وما قدمته من تضحيات, وثمة اسباب كثيرة تفسر هذا الخلل. لكن الحقائق علي الأرض تقول إن اكثر من ثلثي المقاعد ذهبت للإخوان والسلفيين, ما يعني بصورة واضحة عدم وجود توازن في تركيبة برلمان الثورة, افرز تناقضا بين شرعية البرلمان وشرعية الميادين. وحتي الآن لم يظهر هذا التناقض علي السطح أو ينفجر, لكنه مرشح للانفجار في أي وقت بحسب قوة الطرفين. التناقض الثالث أن الطابع الليبرالي الذي سيطر علي ثورة52 يناير قد تراجع لصالح الأفكار الاسلامية الإصلاحية. فعوضا عن أهداف وشعارات الثورة التي رفعها الثوار من بينهم شباب الإخوان التي كانت تدعو للحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية ومدنية الدولة, أضيفت لها المرجعية الإسلامية للدولة بأبعاد غير محددة, والالتزام بالدستور والقانون فيما لايخالف شرع الله, كما ظهرت افكار ودعاوي حول تطبيق الشريعة الإسلامية, وتراجع خطاب المساواة بين الرجل والمرأة. التناقض الرابع أن الثورة تكمل عامها الأول بدون محمد البرادعي أحد قيادات الثورة والداعين لها, فقد انسحب الرجل من السباق الرئاسي في مفاجأة من العيار الثقيل حملت من المعاني والدلالات الرمزية الكثير, فانسحاب الرجل إشارة لهزيمة مبكرة للتيار الليبرالي وقصر نفسه. التناقض الخامس أن القوة المدنية, والتي يفترض انها بحكم التكوين الفكري والسياسي أقرب الي الجيش المدافع عن الدولة المدنية, قد دخلت في صدامات متكررة مع الجيش, مما أنهك الطرفين, وصب بشكل مباشر في مصلحة الإخوان المسلمين والسلفيين, أي أن القوي الإسلامية التي خاضت صدامات عنيفة عبر عشرات السنين مع الدولة والجيش تحرص علي عدم تكرارها, ويبدو أن الطرفين قد وصلا الي سلسلة تفاهمات أو في طريقهما لصياغة اتفاقات بشأن ترتيبات الدستور ومنح وضعية خاصة للجيش. التناقض السادس أن الدعوة القوية لعودة الجيش إلي ثكناته قبل نهاية يونيو المقبل تفتقر إلي التوافق الوطني, أو حتي اتفاق القوي والحركات الشبابية التي تطالب بإنهاء حكم العسكر, فهناك من يطالب بتسليم فوري لرئيس يختاره البرلمان, وهناك من يطالب باختصار الفترة الباقية, لكن الأهم أن اغلبية البرلمان من الإخوان والسلفيين لاترغب في انتخاب رئيس مؤقت سواء من داخل أو خارج البرلمان. التناقض السابع والأخير أن المجلس العسكري الذي ارتكب اخطاء كثيرة في ادارة المرحلة الانتقالية قد أشرف ووفر الحماية لأول انتخابات برلمانية نزيهة منذ06 عاما, أي منذ ثورة يوليو والتي كانت الهيمنة السياسية فيها للمؤسسة العسكرية, أي أن المجلس العسكري أنتج نقيضه, ووفر البيئة السليمة لميلاد برلمان يمثل بشكل حقيقي الشعب, ويحوز شرعية تفوق شرعية المجلس العسكري ذاته. هذا الدور إضافة الي مايحوزه الجيش من قوة قهرية علي أرض الواقع تولد تناقضا من نوع جديد بين وضعية الجيش وأي نصوص دستورية أو تفاهمات مستقبلية مع الجيش. بكلمات أخري فإن دور الجيش في النظام السياسي لن ينتهي نتيجة حقائق التاريخ وتوازنات القوة في أرض الواقع, وهنا لابد من احترام هذه الوضعية وعدم تجاهلها, وإنما إدماجها في ترتيبات المستقبل, وبشكل يغير تدريجيا من أوضاع الجيش ودوره في النظام السياسي وبما لايتعارض واسس الديمقراطية والرقابة الشعبية.