هل أدلكم علي أمر يسعد الناس ويرفع روحهم المعنوية ويجعلهم أكثر قدرة علي مواجهة ما سوف يأتي في مستقبل الأيام; وقبل كل ذلك فقد كان هذا الأمر من مفاخر ثورتنا عندما كانت أول ثورة في التاريخ تقوم بتنظيف ما تخلف عن أعمالها الثورية. وإذا كان ذلك من مآثر الثورة فإنه لا شك سيثلج صدر كل جماعات وقوي الإسلام السياسي الذين أقسموا علي تنفيذ كل ما لا يخالف شرع الله; وهل يوجد من يختلف علي أن النظافة من الإيمان هي من صميم شرع الله الواحد الأحد؟. الإجماع, وليس التوافق, ولا الائتلاف, ولا التحالف, ولا الاتفاق, وإنما هو ما ارتضته الأمة في جميع طوائفها وجهات وجودها بين المشرق والمغرب والشمال والجنوب; أن تكون النظافة أمرا مهما ينبغي ألا يسبقه سابق, ولا تجري قبله أولوية, ولا تتقدم عليه مهمة. فالمسألة ببساطة, ورغم ما قام به الثوار من جهد لتنظيف العاصمة منذ عام, فإن القمامة والقذارة والمخلفات تجمعت وتراكمت كما لم تتجمع أو تتراكم من قبل. صحيح, أن البلاد لم تكن نظيفة من قبل, ولكن المسألة وصلت إلي معدلات قياسية بعد أن نسي الثوار تلك السيرة من نظافة منذ الأيام الطيبة الأولي للثورة. جاءت وراحت مليونيات كثيرة وانتصر الباعة الجائلون, واختلطت أمور نظافة الدنيا مع نظافة الضمير, وفي غيبة التحديد ضاع هذا وذاك. المسألة ممكنة, ويجمع الثقات من رجال الاقتصاد أن في المخلفات كنوزا لا تفني, وهي مصدر عظيم للطاقة, وفيها مآثر عدة عند جمعها والتخلص منها, فإذا ما جمعت وجري فرزها فإن كل ما فيها فائدة, أما عند الخلاص منها فإن البيئة والسياحة ومنظر البلاد والعباد يصير أفضل حالا بكثير مما هو عليه الآن. وهناك بعد نفسي كثيرا ما نتجاهله, فما ذهب مصري إلي الخارج وعاد إلا وكان أول ما يقول به عن البلد الذي ذهب إليه أنه نظيف للغاية; أما قول الزائرين لبلادنا فهناك تراث طويل يصف القاهرة بأنها قرية كبيرة تشيع فيها رائحة المخلفات الإنسانية التي تستقبل السائح فور خروجه من الطائرة. فهل تجتمع القوي السياسية وبرلمان الثورة والحكومة علي إنجاز هذا الأمر, والآن وليس غدا. لقد قام الشعب بنسف المفاعل النووي, وهناك من يستنكرون مشروع زويل للعلوم والتكنولوجيا, وهناك من يريدون نسف مكتبة الإسكندرية نسفا, ولا يعلم أحد عن يقين عما إذا كان ممر التنمية لا يزال قائما, فهل يوجد من يعارض مشروعا للنظافة؟!. [email protected] المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد