مشاهد تعذيب الأطفال داخل دار مكة للأيتام أصابتنا جميعا بالصدمة والألم, رغم أن الواقع كما وصفته وزيرة التضامن الاجتماعى فى احد تصريحاتها أكثر قسوة ومرارة من ذلك بكثير. . وأرجعت السبب فى ذلك إلى تولى أشخاص غير أسوياء مسئولية تلك المؤسسات التى تشهد مثل هذه الانتهاكات , وفى نفس الوقت أشارت إلى صعوبة وضع رقيب على كل جمعية , و أعلنت أن عدد الزيارات التى يقوم بها مسئولو التضامن على هذه الجمعيات يتراوح بين 6 و 8 زيارات فى العام الواحد مما يصعب معه اكتشاف جميع التجاوزات فى تلك الزيارات . تُرى بعد تصريحات الوزيرة هل سيتغير الواقع ؟ هل سنجد رقابة حقيقية على هذه الدور ؟ هل سنجد أشخاصا بالفعل مؤهلين ؟ لعل هذه الواقعة الأليمة تجعلنا حكومة ومجتمعا مدنيا ننتبه لما يدور داخل هذه الجمعيات . من المؤكد أن ما حدث له أسباب عديدة مسئولة عنها فى المقام الأول وزارة التضامن الاجتماعى بدءا من سهولة الحصول على ترخيص إنشاء هذه الدار ومرورا بغياب الرقابة والمتابعة والإشراف, وليس انتهاء بمحاسبة المخطئ .. فى هذا التحقيق نحاول الوقوف على حقيقة هذه القضية بحثا عن حلول جذرية تحافظ على مستقبل «أطفالنا» من الضياع . عزيزة عمار رئيس الادارة المركزية للرعاية الاجتماعية قالت ان هناك 11الفا و 400 يتيم على مستوى الجمهورية يسكنون 540 دارا للايتام, واعترفت ان عدد الزيارات التفتيشية التى يقوم بها مسئولى الوزارة غير كاف لرصد الانتهاكات التى قد تحدث فى هذه الدور, مؤكدة ان هناك العديد من الوقائع فى دور اخرى قد تكون اكثر بشاعة مما حدث فى دار مكة مؤخرا ولم تتمكن الاجهزة الرقابية من رصدها. وفى الوقت نفسه اشارت عزيزة عمار الى انه يوجد بعض دور الايتام تعمل وفقا للمعايير السليمة, وطبقا للقانون ولم تصدر عنها اية انتهاكات ,واوضحت ان الوزارة سوف تتخذ العديد من الاجراءات بالتعاون مع المنظمات والجمعيات العاملة فى هذا المجال من خلال تطبيق كافة المعايير والتى تتمثل فى تحقيق مواصفات الجودة فى كل ما يتعلق بدور الايتام بدءا من نظافة المكان ومدى صلاحيته للعيش , مرورا بالمشرفين والاخصائيين الاجتماعيين وجميع العاملين فيها , كذلك التأكد من سلامة وجودة الطعام قبل تقديمه للاطفال ., كما اعلنت رئيس الادارة المركزية للرعاية الاجتماعية انه تم اصدار قرار بالتوقف عن اصدار اية تراخيص لانشاء دور جديدة فى الفترة الحالية . بينما أشار هانى هلال امين عام الائتلاف المصرى لحقوق الطفل الى نقطة هامة وهى سهولة الحصول على تصاريح خاصة لانشاء دور ايواء للاطفال الايتام, بالرغم من وجود شروط ومواصفات داخل كل محافظة بانشاء مثل هذه الدور تتضمن المساحة والتهوية والقائمين على هذه الدور ومواصفتهم, الا ان ذلك لا يطبق على ارض الواقع, ويتم التصريح بمجرد وجود اطفال واماكن بغض النظر عن المواصفات!! وهنا يلقى هلال باللوم على كلا من وزارة التضامن الاجتماعى والمحافظة, حيث انهما المسئولان عن اعطاء التراخيص ومتابعة تنفيذها, كما ان هناك سلطة للمحافظين بحل تلك الاماكن اذا ما خالفت احد الشروط , ولكن ذلك لم يحدث لغياب الرقابة والمتابعة, مؤكدا ان الذى يحدث فعليا مجرد رقابة ورقية تتم من خلال زيارات للموظفين ومراجعة الدفاتر بشكل روتينى وتقليدى, اما الوقوف على المواصفات وجودة القائمين على الخدمة فلا يتم على الاطلاق. وأكد هلال اننا امام معضلة حقيقية الحل فيها يتلخص فى تفعيل نصوص قانون الطفل المصرى 126 لسنة 2008 وخاصة دور لجان حماية الطفل الفرعية فى الرقابة على كافة المؤسسات المتعاملة مع الاطفال بشكل مباشر, كذلك ايجاد ارادة سياسية لوضع قضايا انتهاكات الطفولة على رأس اولويات الحكومة . واضاف قائلا اذا كنا بصدد وضع استراتيجية وطنية لمكافحة الارهاب والعنف فيجب ان تبدأ من حماية اطفالنا من انحرافهم او استغلالهم فى العنف والارهاب من قبل جماعات الارهاب او العصابات المنظمة , وقد اتفقت جمعيات الائتلاف المصرى لحقوق الطفل على توجيه رسالة الى رئيس الجمهورية لاعلان رؤية الرئاسة فى حماية حقوق الطفل ومكتسبات الطفولة التشريعية واحترام تعهداتنا الدولية فى هذا المجال ليكون برنامج عمل للوزارات المعنية بتطبيق قانون الطفل . وتطرق هلال للحديث عن طرق تمويل تلك الجمعيات و التى كما قال تعتمد فى الاساس على تبرعات كبار رجال الاعمال و الاثرياء العرب وليست مؤسسات مما يصعب معه رصد اية تجاوزات مالية قد تحدث , وبالتالى تحولت «لسبوبة ». واستعرض هانى هلال عدة وقائع تشهد على انفلات تلك المؤسسات وخروجها من دائرة الرقابة والإشراف , منها الواقعة التى حدثت خلال هذا العام وبالتحديد فى فبراير الماضى عندمااغتصب مشرف دار مكة لرعاية الايتام فى الشرقية ثلاثة اطفال واعترف بذلك فى النيابة ., واقعة اخرى يرويها هلال من داخل جمعية شهيرة بالمعادى والتى اعتاد القائمون عليها ربط الاطفال فى الاعمدة وتجريدهم من ملابسهم, واجبارهم على تنظيف الدار , كما كان يقوم مشرف احدى دور الايتام بالسيدة زينب بإطفاء السجائر فى جسد الاطفال, وفى مارس 2014 تم اغتصاب طفل عمره 7 سنوات بإحدى المدارس التابعة لجمعية شهيرة لرعاية الايتام بالمقطم . ومن ناحية اخرى طالبت الدكتورة عزة عشماوى الامين العام للمجلس القومى للطفولة والامومة بضرورة وضع خطة تنفيذية فى اطار زمنى محدد, وميزانية وادوار ومسئوليات لكل جهة تتضمن التدريب والتقييم والمتابعة الدورية على الدور, بشرط ان تقوم كل جهة بتقديم تقرير عما يتم تنفيذه فى هذا الاطار ويصدر تقرير موحد بما تم من حيث تطوير البنية التحتية للدور, وتعزيز قدرات ومهارات العاملين بها، كذلك فتح ملفات لكل حالة على حده تتضمن ايضا كافة مايتم من خدمات سواء صحية او اجتماعية او نفسية للطفل, ووضع نظام لوجود مراقبين خارجيين على الدور بصفة دورية من خلال كل الجهات المعنية, وان يكون هناك معايير لتلك المتابعة او المراقبة, مع وضع كاميرات مراقبة وتسجيل لما يحدث فى كل دار, لتكون دليل فى حالة رصد أى انتهاكات داخل الدور ومحاسبة المقصرين, وايضا الاستماع لشكاوى الاطفال واخذها فى الاعتبار. كما شددت الامين العام للطفولة والامومة على ضرورة وضع نظام خاص للتبرعات والمنح وضمان مشروعية وضوابط صرفها, كذلك مراقبة ما يقدم من وجبات ومدى صلاحيتها, وفى السياق ذاته تحسين اوضاع الاخصائيين الاجتماعيين من حيث الرواتب والحوافز وربطها بمعدلات ومستوى الاداء. واشارت الى اهمية تقييم البنية التحتية للدور وتطويرها لضمان تحقيق الكرامة الانسانية للاطفال, مؤكدة ان دور المجلس فى مراقبة ومتابعة دور الايتام سوف يتم تفعيله خلال الفترة القادمة .