منذ ثورة يناير عام 1102 لم تستقر مشاعر المصريين على حال ثابت . . حيث عاشت حالة من الارتباك بين الفرحة تارة والحزن تارة أخرى .. وبين الخوف والحذر والترقب فى كثير من الأحيان .. وقد تلاحقت الأحداث بسرعة يصعب معها المراقبة و التتبع أو حتى التوقع والتنبؤ .. وكذلك أضاف عبئا معنويا ومعاناة نفسية على كاهل أبناء الوطن إلى جانب أعباء المعيشة وسوء أحوال الحياة اليومية .. ولا فرصة بأى حال لالتقاط الأنفاس .. وتنعكس الأمور على وجوه البشر بحالة من الهم والحزن واليأس والإحباط .. هذا هو «الاكتئاب القومى العام» .. أو ربما يكون أبعد من ذلك فى حالة من التبلد واللا مبالاة وفقدان الحس والمشاعر .. فلم يعد هناك ما يستدعى تحريك الأحاسيس حتى ولو بدرجات الحزن والألم والمرارة .. ولا شك أن مستودع العواطف والأحاسيس فى وجدان الناس قد نضب ويعانى من الفراغ بعد أن حاصرت الهموم نفوسهم وعقولهم. وعندما لاحت فى الأفق صحوة الأمل بثورة يونيو 3102 عادت نفوس المصريين فى نوبة صحيان واستردت عافيتها ودبت فى عروقهم روح الحياة من جديد أملا فى غد مشرق وتعويضا عن طول المعاناة وغدر الزمان. وفى نهاية النفق المظلم بزغت شمس الفرحة من جديد بمشروع قناة السويس الجديدة .. هذا المشروع القومى العملاق الذى يعيد لنا ذكرى أمجاد الأجداد ويبعث فى نفوسنا العزة والإرادة والقوة والكرامة .. والأهم هو إحياء روح الانتماء والتضحية من أجل الوطن وإن ما شاهدناه بالأمس القريب من مظاهر الفرح على وجوه أبناء الوطن يوم افتتاح مشروع القناة الجديدة ما هو إلا تعبير عن إحياء نفوسنا بجرعة أمل وفرحة وكأنها قبلة حياة لإنسان يكاد يكون على مشارف الموت المعنوى الذى لا براء منه. إن جوع الفرحة لا يقل فى ضرره ومضاعفاته عن جوع الجسد وما أصعب أن يعيش الانسان بلا أمل ولا عمل ولا مستقبل .. فهذا هو الموت البطيء .. ونحمد اللَّه على ما وصلنا إليه من اكتشاف مواهبنا البشرية التى تحقق الرخاء فى غد مشرق وعلى معرفة حقيقية بخيرات أرضنا وكنوزها التى حبانا اللَّه بها .. وتحيا مصر. د.يسرى عبدالمحسن أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة