وزير التنمية المحلية يتابع مع وفد البنك الدولى الموقف التنفيذي لبرنامج التنمية المحلية بصعيد مصر    الدورة 15 لحوار بتسبيرج للمناخ بألمانيا.. وزيرة البيئة تعقب فى الجلسة الأفتتاحية عن مصداقية تمويل المناخ    ارتفاع حصيلة عدد المعتقلين الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ بدء العدوان إلى أكثر من 8455 معتقلا    الأردن يدين سماح الشرطة الإسرائيلية للمستوطنين باقتحام الأقصى    ربيعة عن مواجهة مازيمبي: هدفنا الفوز في كل المباريات    التحقيق مع المتهم بهتك عرض بابنته داخل شقته في حدائق أكتوبر    نجوم الفن يشاركون في تكريم اسم الفنان أشرف عبدالغفور بالمسرح القومي    رئيس الطائفة الإنجيلية يشهد افتتاح مبنى خدمات ومكتبة كنيسة المقطم    محافظ الأقصر يهنئ الرئيس السيسى بعيد تحرير سيناء    انقطاع خدمة الإنترنت الثابت فى وسط وجنوب غزة    الكرملين يعلق على توريد صواريخ "أتاكمز" إلى أوكرانيا    أسعار السمك في أسيوط اليوم الخميس    مواجهة اتحاد جدة تشهد عودة ميتروفيتش لصفوف الهلال    الإثارة تزداد في مجموعة النيل.. خسارة الأهلي المصري وأهلي بني غازي الليبي    تفاصيل اليوم الأول للبطولة العربية العسكرية للفروسية للألعاب الأولمبية| صور    أحدهما بيلينجهام.. إصابة ثنائي ريال مدريد قبل مواجهة بايرن ميونخ    السكة الحديد: أنباء تسيير قطار إلى سيناء اليوم غير صحيحة وتشغيل خط الفردان بئر العبد الفترة المقبلة    استجابة ل«المصري اليوم».. القبض على المتهم بقتل مزارع بطلق ناري في المنيا    جدول امتحانات الصف الأول الثانوي للفصل الدراسي الثاني 2024 محافظة القاهرة    البنوك المصرية إجازة اليوم بمناسبة عيد تحرير سيناء 2024 وهذا موعد عودتها للعمل    بنات ألفة لهند صبرى ورسائل الشيخ دراز يفوزان بجوائز لجان تحكيم مهرجان أسوان    خبيرة فلك: مواليد اليوم 25 إبريل رمز للصمود    عقب سحب «تنظيم الجنازات».. «إمام»: أدعم العمل الصحفي بعيداً عن إجراءات قد تُفهم على أنها تقييد للحريات    شقو يكتسح شباك تذاكر أفلام السينما.. بطولة عمرو يوسف وأمينة خليل    رئيس المنصورة: أتمنى أن يحظى الفريق بدعم كبير.. ونأمل في الصعود للممتاز    أمريكا تطالب إسرائيل بتقديم تفاصيل حول تقارير المقابر الجماعية بغزة    بيلاروسيا: في حال تعرّض بيلاروسيا لهجوم فإن مينسك وموسكو ستردّان بكل أنواع الأسلحة    صرف صحي الإسكندرية تستقبل وفدا أردنيا للوقوف على الإدارة المستدامة    تفاصيل سقوط فردي أمن وسائق بتهمة سرقة شركة بالسيدة زينب    مصرع عامل تعرض لصعق كهربائي بأكتوبر    حبس شاب لاستعراضه القوة وإطلاق أعيرة نارية بشبرا الخيمة    رئيس البرلمان العربي يهنئ مصر والسيسي بالذكرى الثانية والأربعين لتحرير سيناء    شوشة: كل الخدمات في رفح الجديدة بالمجان ولا يشملها سعر الوحدة السكنية    انعقاد النسخة الخامسة لمؤتمر المصريين بالخارج 4 أغسطس المقبل    بكام يا أخضر.. سعر صرف الدولار اليوم الخميس 25 أبريل 2024    أبورجيلة: فوجئت بتكريم النادي الأهلي.. ومتفائل بقدرة الزمالك على تخطي عقبة دريمز    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    «الصحة»: فحص 6 ملايين و389 طفلا ضمن مبادرة الكشف المبكر عن فقدان السمع    انطلاق القافلة الطبية المجانية حياة كريمة بقرى الخير والنماء بمركز الفرافرة    7 مشروبات تساعد على التخلص من آلام القولون العصبي.. بينها الشمر والكمون    الليلة.. أنغام وتامر حسني يحيان حفلا غنائيا بالعاصمة الإدارية    قرار مهم من وزارة الصحة لتسهيل إجراءات تعديل التكليف واستلام العمل    موعد مباراة الزمالك وشبيبة أمل سكيكدة الجزائري في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    منها طلب أجرة أكثر من المقررة.. 14 مخالفة مرورية لا يجوز فيها التصالح بالقانون (تفاصيل)    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس25-4-2024    أمر عجيب يحدث عندما تردد "لا إله إلا الله" في الصباح والمساء    هيئة الرعاية بالأقصر تعلن رفع درجة الاستعداد تزامنا مع خطة تأمين ذكرى تحرير سيناء    علماء بريطانيون: أكثر من نصف سكان العالم قد يكونون عرضة لخطر الإصابة بالأمراض التي ينقلها البعوض    حدث ليلا.. تزايد احتجاجات الجامعات الأمريكية دعما لفلسطين    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    بعد اختناق أطفال بحمام السباحة.. التحفظ على 4 مسؤولين بنادي الترسانة    تجربة بكين .. تعبئة السوق بالسيارات الكهربائية الرخيصة وإنهاء الاستيراد    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع الكاتبة و الشاعرة الفلسطينية يسرى الخطيب
نشر في شموس يوم 19 - 09 - 2013


017ae594.jpgالسلام عليكم
و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
قلم من أراضينا، يتنفّس من إحساسها، فيهدينا، رحيق إبداع يغرف من أنفاسها، فيروينا، بميلاده عنّى نبراسها، ليبزغ نوره فينا، لفظه يشرب من أكواسها، فيسقينا، حرفه يعنون كراسها، الموت يحيينا. قلم كتب فتميّز، ليكون شفافا بلا تحيّز، و ليجد كل قارئ فيه مجالا و حيّز. قلم نعته مصيب، للوجدان حبيب، للنفس خليل و قريب، لنداء الروح مجيب، قلم لقّب بالكاتبة و الشاعرة الفلسطينية يسرى الخطيب.
مرحبا بك سيدتي
أهلا وسهلا بك عزيزتي
س عندما ينفث قلم الكاتبة و الشاعرة "يسرى الخطيب"، أي الميزات التي تجوش مستجلية لنا أعماقها و دواخلها؟
ج يجيش في دواخلي وأعماقي أنهار من الحب لا تنضب ،تروي جفاف الوقت في هذا الزمن الصعب وتحرك صمت الحروف في زمن ساد فيه البوح الرخيص، فينبثق من روافدي أحاسيس شتى تشكل حب الله ومن ثم حب الوطن وحب الناس وحب الجمال في كل مكان ،فيشع النور بروحي، و تراني أعب من هذا النور وأجول في هذا البياض الفسيح باحثة عن المعنى الحقيقي ليكون دليلي إلى اليقين.
س "الصمت حكمة النبلاء...وشريعة الضعفاء"، أي صفة للصمت تحاكي روح الكاتبة و الشاعرة "يسرى الخطيب"؟
ج الصمت لغة ذهبية لا يثمنها إلا من امتلك القوة و الإرادة على البوح الثمين و قول الحقيقة في زمن يتخذ فيه الضعفاء و الجبناء سمة الصمت و الصد عن قول الحق أمام سلطان جائر.
س هل هذا يعني انسجامك مع معتقد "الإمام الشافعي" عندما قال"و الصمت عن جاهل أو أحمق شرف، و فيه أيضا لصون العرض إصلاح، أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة، و الكلب يخشى لعمري وهو نباح"؟
ج إن الصمت عن الجاهل والأحمق شرف لأن ما ينطقون به سيكون كشف لعورات الأجدر أن نتكتم عليها فالكأس ينضح ما به ..لذلك أرى في الصمت قوة وحجة أكثر من ثرثرة الكلام.
س فكيف تتفاعلين مع هذا الرأي:ظننت الصمت وطنا فكان سجنا حر و توقعت شرابه حلوا فإذا به علقما مر؟
ج أتفق أحيانا مع هذا الرأي و لكن بطبيعتي المقاومة التي لا تقبل الهزيمة و تتوق للحرية والانطلاق والتحرر من كل القيود، فعلا أشعر أن الصمت وطننا أنا أميرته، أمتلك فيه كل مواصفات المواطنة الحقيقية، حرية الفكر والتعبير والإحساس والتأمل، و عشق الوطن بلا حدود،وأحلق في فضاءته لتسمو الروح وتنضج الفكرة وأنعم بكل هذا كي لا أجعل منه سجنا يكبلني ويقمع إرادتي ويحد من طاقتي الايجابية فأغرف من معينه العذب رافضة مرارة واقعه ، متسلحة بإيماني وحبي الذي لا يذوي أبدا.
س "أقرأ الوطن فجيعة فجيعة"، "بين عيني والحد الفاصل لحنيني أترك الوطن يغفو..ليحلم قليلاً لأصحو ..على شظايا تنتهك براءته"، هذا الحرف المفجوع على هذا الوطن الموجوع بماذا يخصّ إحساس الكاتبة و الشاعرة "يسرى الخطيب" بالهوية و الانتماء؟
ج الوطن له قاموس خاص ولغة متفردة ،إحساس مختلف ،عشق أبدي.
علاقتي بوطني تتعدى حدود الأمكنة والأزمنة هو همي الأكبر، به كل مداراتي التي أجول فيها سباحة تارة وأحلق في فضاءته تارة أخرى أتنفس من خلاله حباً ووجعاً وأفيض عذوبة، أراه الصدى لصوتي الرافض للظلم و معجما لكلماتي الصادقة والمؤمنة التي أخاطب بها وطناً لا أرضى عنه بديلا ًمهما بلغت قسوته ووحشة أهله سأبقى ملتصقة بأرضه ووديانه وأعشق بحره، حتى لو فتحت لي المدن الأخرى أبوابها يبقى انتمائي لرحم هذه الأرض و هذا الوطن المقدس به تكتمل هويتي وله أعلن انتمائي.
س يقول الكاتب الاسكتلندي "توماس كارليل" " جميل أن يموت الإنسان من أجل وطنه و لكن الأجمل أن يحيا من أجل هذا الوطن"، بين الحياة و الموت أين يقبع الوطن من منظور الفلسطينية "يسرى الخطيب"؟
ج أتفق جدا مع قول الكاتب توماس، أنا مع التضحية والاستشهاد من أجل تحرير الوطن وهذا لايعني أني أبحث عن الموت رغبة بالموت أو يأساً من الحياة كما يدعون ولا أهجر الوطن هرباً من الموت فهذا جبن وتخاذل .
في المقابل يتملكني شعور آخر يضاهيه قوة و رغبة أن أتشبث بأرضي وأرابط بها لأحيا من أجل ما أحب و من أحب لآن الوطن يستحق أن نبذل أرواحنا من أجله لكي نعمره و نؤثثه فوطني يستحق حياة أجمل، كما نحن أيضاً نستحق الحياة.
س هل يبرز رأيك هذا مناصرا أو محاججا لنظرة الأديب الروماني "شيشرون" عندما قال " لست آسفا إلا لأني لا أملك إلا حياة واحدة أضحي بها في سبيل الوطن"؟
ج و أكرر ما يقوله ليت لي أكثر من حياة لأضحي بها في سبيل وطني وأعيش ألف ألف حياة لأحب وطني كما يحلو لي وكما يستحق، فحياتنا بالوطن لا تنتهي بالموت لأن بموتنا من أجله تتناسل ألف حياة من بعدنا.
س هل العيش في كنف الكتابة يمكن أن يسد رمق الجائع لاحتضان أرضه؟
ج الكتابة هي مجرد محاولة للعيش في كنف الوطن .. وكلما كتبنا كلما غصنا في غربتنا أكثر و اكتشفنا كم المسافات شاسعة بين وطن نحبه ووطن يلفظ هذا الحب وينفينا خارج مداراته..فتبقى الكتابة وسيلتنا المستطاعة والمباحة أحيانأ للتشبث بهذه الأرض.
س يعني هذا أنك تختلفين مع عالم الاجتماع الألماني "تيودور أدورنو" في رأيه القائل "بالنسبة للإنسان الذي لم يعد لديه وطن تصبح الكتابة مكانا له ليعيش فيه"؟
ج صدقيني حتى الإنسان الذي غادر وطنه قسرياً أو اضطراريا أو لأي سبب أخر و يحتضنه وطن بديل ويمنحه الأمان وكل سبل الحياة إلا أنه يكون أكثر انتماء منا لوطنه الأم فيكتبه بوجع و حب و إخلاص وفي مدن منفاه ومن شوارعها يبرق رسائل للوطن ويرسم خرائطه كي لا ينسى جغرافيته المخطوطة بذاكرته الأصيلة ..
فيسطر بحروفه وطناً تركه مرغماً ومازال يعيش بدواخله، الكتابة تصلنا بالوطن رغم المسافات الشاسعة و لكنها ليست بديلا عن وطنه الأم و لن تكون.
س يقول الكاتب التشيكي "فرانس كافكا" "الكتابة انفتاح جرح ما"، إلى أي مدى تعتقد الكاتبة و الشاعرة "يسرى الخطيب" أن في قوله اقتناص للمصداقية و إثراء يحاكي الواقعية؟
ج نعم الكتابة هي همنا و وهمنا الجميل وهي المرادف الصحيح لوعينا الشقي ..ننفتح على الكتابة عندما نبحث عن إجابة لأسئلة مستحيلة ونرسم واقعا جميلا ليوم موشح بالموت نتجاوز به جرحنا النازف، فالألم والفرح أيضا والموت و الحياة هي روافد أخرى للكتابة.
س "يسرى الخطيب"، قلم تناسلت حروفه في رحم المعاناة و ترعرعت معانيه بين أنامل القلق، كيف يرى غده على ضوء يومه المستلقي على أمسه؟
ج أتمنى من الله عز وجل أن يكون غدنا أفضل من أمسنا و من يومنا ..أتمنى أن تهجع في ديارنا السفن و تطمئن و نكتب حروفنا للحب و النصر و الحياة.
إن شاء الله
س عندما ينزف وريد الإحساس هل تعتقدين أنه من سبيل لإيقاف تدفّق الوجع؟
ج ننزف ألماً وتتدفق أوجاعنا و مرارة و قهرا لا يوقفها إلا أذا ابتلينا بألم أكبر و وجع أكثر مرارة.
س من أقوال الإمام الشافعي أيضا "و لا حزن يدوم و لا سرور و لا بؤس عليك و لا رخاء، إذا ما كنت ذو قلب قنوع فأنت و مالك الدنيا سواء"، عندما يستحكم الحزن على إحساس الكاتبة و الشاعرة "يسرى الخطيب" هل تلفظ لجامها أم يبرق الأمل أمامها؟
ج نعم لا حزن يدوم ولا مسرة فالحياة لا تهبنا كل ما نريد و تلسبنا ثوب الفرح و لكن بطبعنا ننسى لحظات الفرح و يستبد الحزن بنا و يستوطن أرواحنا و تشعر الروح بالوحشة، لكنني و الحمد لله وهبني الله روحا مشعة و شفيفة لا تعرف السكون و الاستكانة لحزن ..تبحث في ملكوت الله عن الجمال و النور فتراني دوما ارتكب الأمل رغم الحزن و أفتش عن النور وسط الظلمة، لأن الإنسان المؤمن بطبعه لا يقنط من رحمة الله، فلو استسلمت لحالة الحزن لما استطعت الصمود و الاستمرار في الحياة.
س الأمل زهرة حبلى بالرحيق، إلى أي حد تعتقدين أن لك الإرادة الكافية للفوز بهذا المولود؟
ج مررت بظروف قاسية جداااا كأي مواطن يعيش في غزة وظروف أكثر قسوة وخشونة على الصعيد الشخصي و أخذت الحياة مني الكثير و لكن بطبيعتي المقاومة و بقلبي المؤمن لم أفقد إيماني بالله و ثقتي بعطاءاته الكثيرة وهذا هو سلاح الإرادة الذي مكنني من العيش مع الحياة والتسلح بالأمل، طالما إيماننا بالله قوي سنكون أهل للإرادة و التشبث بكل فرصة متاحة للفوز.
س يقول الشاعر و الفيلسوف و الأديب العباسي "أبو العلاء المعري" "فلا تأمل من الدنيا صلاحا فذاك هو الذي لا يستطاع"، هل ترين أن هذه النظرة لا تتعدى حقبة زمنه أم أنها اجلوذّت ليومنا هذا؟
ج ربما أبو العلاء المعري قصد أمور الدنيا و التمسك بها تبعدنا عن مسارنا الصحيح ولكن حتى يومنا هذا الدنيا فيها الخير و الشر يتنازعان بني البشر و لكن مهما تجبر الشر و استشر لابد للخير أن ينتصر فنحن أمة مؤمنة بالقدر خيره وشره و الخير فينا إلى يوم الدين و أنا على أمل أن هناك غد أفضل و حياة سوف تستقيم ما دمنا نرفض كل ما هو سلبي و نبحث عن حياة مستقرة .
س "دعنا نلتقي على هدهدة الروح و غفوة الألم"، كم نزفا يتطلّبه الألم ليغفو؟
ج هي مجرد دعوة ربما يغفو و لكن الألم الذي يسكننا لا يغفو أبدا فتتواطأ الروح مع الذاكرة لتمارس لعبة النسيان و التجاهل لتقطف هنيهة من هدوء النفس و راحة الروح، و كل ما نفعله هو تناسي الألم و تجاهله لكي نمضي في الحياة سائلين الله ألا نفجع بألم أكبر.
س قال أحد الأدباء "القلق أبرز صفة في كتاب العبقرية"، هل لك رأي في هذا المعتقد؟
ج نعم قول سديد في هذا العصر القلق صفة سائدة طبيعة الحياة و ممارساتها و نظامها يدعو على القلق فما بالك بإنسان يمتلك البصيرة و الحدس يبدو قلقا أكثر من غيره، فالقلق من كل شيء و القلق على كل شيء اعتبره قلقاً مشروعا، فالإنسان القلق هو الإنسان الذي يبحث عن أجوبة لأسئلة بلا أجوبة فترينه قلقا على غير عادته، فيستحضرني قول المتنبي عندما قال :على قلق كأن الريح تحتي.
س هل يتحالف حرف الكاتبة و الشاعرة "يسرى الخطيب" مع القلق و الألم؟
ج بطبعي أنا قلقة كبندول ساعة لا استقر على حال، و لا أقصد أني متقلبة المزاج، لا أنا قلقة على كل شيء، لا أحب المفاجئات غير السارة و لا أن يعرقل أموري و ترتيباتي طارئ هامشي، أسير حسب ترتيبي و منظومتي الخاصة فأحاول قدر الإمكان تجنب القلق و لكنه موجود بطريقة أو بأخرى، كذلك الألم فيتحالف الاثنان و يحرضاني على الكتابة بغض النظر عن المكان و الزمان.
س هل يعني هذا أنك توافين باستكانة على ما يؤمن به حكيم العرب "أكثم بن صيفي التميمي" حيث يقول "لا ينفع من الجزع التبكّي و لا مما هو واقع التوقي"؟
ج قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، نحن تؤمن بأقدارنا و لكن بطبع المؤمن عدم الجزع مما أصابه و عليه التصدي لكل مكروه لتمضي به الحياة إلى شطها الآمن، وصحيح قوله الحذر لا يمنع القدر و لكن بطبع الإنسان التوقي و عدم إلقاء نفسه إلى التهلكة.
س "كشجرة خريفية تحت ظل الله انتصب، بروح عارية ألتحف السماء، أضرب جذري وتدا يتحدى الخراب"، بين التحدي و الإيمان بالقضاء و القدر، بماذا تتميّز الإنسانة "يسرى الخطيب"؟
ج يسرا الخطيب إنسانة مؤمنة والحمد لله وهذا طبعاً من فضل الله أؤمن بالقدر خيره و شره و اقتنع بما قسم الله لي، و لكن هذا لا يعني أن أطأطيء رأسي بخنوع واستسلام لإرادة البشر و تحمل ذل الحياة والاستبداد وقمع الحريات واحتلال الأوطان، جبلت نفوسنا على المقاومة و لتحدي و لرغبة في التحرر من الاحتلال، فروحنا المجاهدة لا تعرف السكون و لا تستسلم للضعف و هذا لا يتعارض مع الاستسلام لإرادة الله عز وجل.
س "أيها الموت العنيد ...ترجل قليلا عن عتبتي ...أبقني للفجيعة القادمة"، "ليتها، تستريح أيامي القادمة، لأهندس جغرافية، لمكان يحتضن موتي"، عندما يمنحنا الله عزّ و جل فرصة للحياة لماذا نلحفها بوشاح الموت؟
ج الموت حق والحياة حق أيضاً، و لكن أعيش الحياة و الموت ينتظرني بالزوايا ما دمت مواطنة في وطن فيه العدو يحاربني و ينازعني أنفاسي و يسلبني هدوئي و نومي و صحوي و صوتي و صمتي فنحن أموات مع وقف التنفيذ و معرضون للموت في كل لحظة، و لا أخفيك حياتنا لا تشبه أي حياة، نحن أموات بشكل أو بآخر و لكن إيماننا يغلبنا ويدفعنا إلى المقاومة والاستمرار في الحياة لأننا شعب يستحق الحياة ..هي لحظات الألم و الموت و وداع الأحبة في كل حين و الحروب التي تقتل فينا كل شيء جميل تدفعنا لذكر الموت لنطلب الحياة و نتسلح بالصمود في السطر التالي.
س الفلسطينية "يسرى الخطيب" و الأراضي المحتلّة، بماذا ميّزا قلم الكاتبة و الشاعرة "يسرى الخطيب"؟
ج فلسطين و أنا لا حد فاصل بيننا يربطنا الحلم والأمل، و نتشرنق بمتاهة الألم و الموت، أكتب وطني تارة، و تارة أخرى يكتبني هو و هذا ما ميز قلمي التحدي و المقاومة والعناد والألم والحزن والقهر.
الوطن هو همي الأكبر فتحررت من همي الخاص إلى همي العام و هو قضية الوطن و الاحتلال و الانتظار و المقاومة و الحلم بالغد، و ظهر ذلك جليا في مجموعتي القصصية "و البحر يعطش أحيانا "، فكانت معظمها أوراقا ملغومة عن الانتفاضة و الاحتلال و المقاومة و البقية منها تتحدث عن الانتظار، التحرير، عودة الغائب، تحرير الأسرى، العودة إلى الوطن المسلوب، انتظار الحرية و تحرير القدس، كانت تصوير للواقع الفلسطيني المعاش في ظل الاحتلال، و حتى نصوصي الشعرية كانت تخاطب الوطن، و هذا ما ترينه في مجموعتي الشعرية "كأنه وطن". فالوطن هو مفردتي الشاملة التي تحتوي كل المفردات الأخرى و هو الذي يتماهى مع كل صورة أخرى أحاول رسمها أو محاكاتها.
"س "هل يعطش البحر أحيانا؟
ج نعم ..يعطش البحر أحيانا، هو تساؤل كان وما زال يسكنني، كلما انهمر المطر غزيرا أعدو مسرعة لأقف على عتبة البحر أناظر عناق الماء للماء و صوت البحر و الموج الهادر و هو يستقبل زخات المطر بشغف كبير و كأنه عطش لتلك القطرات يعب الماء عبا يشتاقه كاشتياق الأم لوليدها الغائب، قطرات تغادره و تجوب العالم و تعود مرة أخرى لموطنها الأصلي ..فأتمنى عندئذ لو أنني كنت غيمة أجوب العالم و أعود مع زخات المطر إلى أرضي و مسقط رأسي ..فكانت احدي قصصي و أخترتها لي عنوانا ..حيث لا منفذ أمامي إلا البحر بمده العظيم.
س كيف يعطش الماء للماء؟
ج يعطش الماء للماء كما تعطش الروح للروح، هو جزء منه و لا يستطيع العيش منفصلا عنه فدورة الحياة تحتم عودته إلى مستقره.
س عندما تترك الكاتبة و الشاعرة "يسرى الخطيب بصمتها في ذاكرة البحر، هل تعتقد أنه يمكن أن يمنحها خبايا أعماقه؟
ج طبعا البحر صديقي الصدوق ..أجد متعتي و راحتي عندما أجالسه أحاكيه و أسره مكنون روحي و أوجاعي وأبثه أشواقي و أحلامي بالخلاص و لا يبخل علي بعطاياه الكثيرة، فيجود علي بصوره الجميلة، فكتبت الكثير الكثير للبحر و عن البحر سواء كان شعرا أو قصة، لي نص شعري بعنوان "حلم منتهي الصلاحية" كنت على ضفة النيل منذ ثلاث سنوات و استحضرت بروحي العاشقة وعيني المشتاقة بحر غزة العظيم فكتبت نصي.
س "هدير البحر ...يذكرني بحكايات العابرين..إلى مدن الصمت و الرحيل"، ما هي ميزة هذه المدن و هل تعتقد الكاتبة و الشاعرة "يسرى الخطيب أنه يمكن لها أن تندمج ضمن أسلوب التعايش فيها؟
ج البحر ينقل أحبتي إلى أماكن أخرى يعتقدون أنها أكثر هدوءا و صمتا و أمنا بعيد عن ضجيج الحروب و قصف المدافع فكلما جالست البحر و أصغيت لهدير البحر اذكر من غادرونا و مكثنا نحن على شواطئ الانتظار ..و لا أنكر أنني فكرت مرارا في البحث عن الهدوء في منفى أخر و العيش في وطن بديل و لكنني لم استطع التحرك صوب أمنيتي الطارئة قيد أنملة فجذوري ضاربة هنا و لم استطع مغادرة البحر.
س ما هي العلاقة التي تربط الكاتبة و الشاعرة "يسرى الخطيب" بالمساحات البيضاء؟
ج علاقة متزامنة منذ أدركت أن هناك صفحات بيضاء تغريني بخربشتها و تتيح لي الفرصة أن أعبث بألواني وبقلم الرصاص أشكل عالما أجمل و هناك أفق أبيض يشحذ روحي على التطلع و البحث عن النور وسط الظلام و أعانق غيمات بيضاء تجوب الأرض أتمنى أن تحملني على جناحيها لأتحرر من قيود الأرض و الإنسان فالأبيض حلم ..نور ..أمل ..يقين .. نقاء .. شفافية. كتبت نصا نثريا مطولا بعنوان "أيها الأبيض "، حاكيت الأبيض بكل مساحاته و فضاءاته و نقائه.
س متى يتقمّص حرف الكاتبة و الشاعرة "يسرى الخطيب طيف الدخان عبر الهواء، المسافر دون إدراك النهاية، الراحل بين أضلع الامسافة، المتكرّر عبر أنفاس جديدة، المندفع بلا قيود، المصافح للفشل و المصرّ على حذق دور البطولة؟
ج أنا و قلمي نعيش هذه الحالة ما دمنا نعيش هذا الواقع لا مناص الهروب من غبار الأدخنة المتصاعدة من مواقدنا التي لا تطهو إلا الخراب و الموت ..و ما دمنا على أهبة السفر نحمل أوطاننا متاعا على أكتافنا أينما ذهبنا فلا بدايات تقودنا إلى نهايات آمنة ..فالمسافات تبتلعنا و تنتهك خطانا الواثقة، فعن نفسي أعترف أحاول التحرك دوما متمردة على خوفي و جزعي من الفشل ..فقط أريد أن انجح في الحياة لأكون أهلا لما منحتني إياه.
من أقوال الكاتب الاسكتلندي "توماس كارليل" أيضا "لا تبدأ النجمة الخالدة بالتألق إلا مع اشتداد الظلمة"، إلى أي مدى يبلغ تألّق النجمة "يسرى الخطيب" وسط كل هذه الظلمة؟
ج أنا أجتهد و أبلغ رسالتي و أبوح بكل ما لدي رغم اشتداد الظلمة أما عن التألق فأترك القول و الرأي للقراء الأعزاء و الأصدقاء الذين يتابعونني ويقرءون نصوصي .
دمت الكاتبة و الشاعرة " يسرى الخطيب" نجمة متألقة مضاءة تحمل البسمة و الأمل لغد مشرق، شكرا لك على حسن تواصلك و رقي حرفك و إلى لقاء آخر إن شاء الله.
و أنا بدوري أشكرك أخت آمنة على حوارك الرصين و أسئلتك و غوصك في ثنايا حرفي و أتحت لي الفرصة أن أتأمل سطوري و دواخلي بطريقة مختلفة ..سعدت بك و أكرر شكري و امتناني لحوارك الراقي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.