تتسم زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلي موسكو بأهمية خاصة، في ظل تطورات عاصفة تشهدها المنطقة، وتفرض نفسها علي أجندة المحادثات، وهي تطورات تثير قلق الدول العربية، خاصة الرئيسية منها، لما تمثله من تهديد جدي للأمن القومي لهذه الدول كما تثير قلقا جديا لدي روسيا لما تمثله من تهديد لمصالحها في المنطقة، يمكن أن تمتد تداعياتها إلي داخل الحدود الروسية، في منطقة القوقاز تحديدا، ذات الأغلبية السكانية المسلمة. وفي هذا الإطار تمت زيارة وزيري خارجية ودفاع روسيا إلي القاهرة في نوفمبر الماضي (2013).. كما تمت في فبراير من هذا العام زيارة المشير السيسي، وزير الدفاع وقتها، ونبيل فهمي وزير الخارجية وقتها، موسكو، وتم الاتفاق خلال الزيارتين علي إمداد روسيا مصر بصفقة أسلحة تزيد قيمتها علي ملياري دولار، ويمكن أن تصل إلي 2.5 مليار دولار تتضمن أنواعا متعددة من التسليح من بينها الصواريخ المضادة للطائرات والدروع وغيرها من الأسلحة والمعدات العسكرية... لكن أهم ما فيها طائرات (بيج 29) القاذفة المقاتلة المتطورة، وطائرات الهليوكوبتر الهجومية من طرازي (مي25) و(مي28) التي تمثل بديلا لطائرات الاباتشي التي تتلكأ واشنطن في تسليمها... وهي ضرورية للغاية في عمليات مكافحة الإرهاب ومطاردة عناصره، ونتوقع أن تشهد زيارة السيسي إلي موسكو الاتفاق بشكل نهائي علي تفاصيل الصفقة والبدء في توريدها، خاصة أن وفودا من كبار الخبراء والمسئولين العسكريين الروس قد زارت القاهرة خلال الأشهر الماضية، وواضح أن التفاصيل قد تم بحثها... كما أن التطور المتسارع للأحداث في المنطقة لا يترك مجالا لإضاعة الوقت، وقد تجلي إدراك موسكو لهذه الحقيقة في صفقة الأسلحة الروسية للعراق منذ نحو أسبوعين، والتي تم إبرامها والبدء في توريدها بسرعة لافتة للنظر، لمواجهة المخاطر الداهمة.. وهي صفقة قيمتها مليار دولار أمريكي. والنظر إلي رخص أسعار الأسلحة الروسية عن مثيلتها الغربية في المواصفات بما يتراوح بين 40 إلي 50% يمكن القول إن الصفقة المقبلة ستكون صفقة ضخمة بكل المقاييس... وسيترتب عليها ارتباط بين البلدين في مجال التسليح لسنوات طويلة، خصوصا علي ضوء الموقف الأمريكي السلبي من تسليح مصر. ومن المجالات المهمة التي يمكن توقع تحقيق تقدم فيها خلال الفترة المقبلة تطوير المصانع الحربية المصرية، التي تم انشاؤها في الستينيات بتكنولوجيا سوفيتية (روسية).. وكان مسئولون روس كبار في هذا المجال قد زاروا مصر خلال الاشهر الماضية. كما يعتبر التعاون الأمني في مجال مكافحة الإرهاب أحد المجالات المهمة التي تمت الاشارة إليها في أثناء زيارة السيسي السابقة لروسيا (فبراير 2014)... وعلاوة علي التسليح، وتبادل المعلومات والخبرات الأمنية، فإن روسيا يمكن أن تمد مصر بمعدات متطورة للمراقبة والرصد والتنصت والرؤية الليلية وغيرها من المعدات المتطورة الضرورية لمكافحة الإرهاب، وحماية الحدود.. كما أن المسح الفضائي لمناطقنا الحدودية بالأقمار الصناعية التي تجوب الفضاء علي مدي الساعة، وتزويد مصر بالصور أحد مجالات التعاون الأمني المهمة، وهي خدمة معروفة ومتاحة بين الدول الصديقة. ومن المجالات بالغة الأهمية التي نتوقع أن تتناولها المحادثات، وأن تتحقق نتائج طيبة فيها، مجال التعاون في الاستخدام السلمي للطاقة النووية... ومعروف أن الرئيس السيسي عبر عن اهتمامه بضرورة اقامة محطة الضبعة النووية في أقرب وقت ممكن... وأشارت تقارير اعلامية إلي أن من المحتمل إسناد عملية البناء بالأمر المباشر توخيا لسرعة الانجاز، في ظل أزمة الطاقة المستفحلة.. وفي المجال الاقتصادي لايزال موضوع اقامة المدينة الصناعية الروسية في برج العرب يحتاج إلي دفعة قوية، ومد المرافق إليه... وهو مجال واعد للغاية فيما يتصل بتوطين تكنولوجيا الصناعات الهندسية والالكترونية وغيرها من التكنولوجيات المتقدمة، وبمشاركة أساسية من الاستثمارات الروسية حسب الخطة المقترحة.وبالإضافة إلي الموضوعات التقليدية لمحاولة إصلاح الميزان التجاري بين البلدين، المختل بشدة لمصلحة الجانب الروسي (3مليارات دولار مقابل صادرات مصرية تبلغ نحو 500 مليون دولارفقط) فهناك موضوعات احتياج المصانع المصرية ذات التكنولوجيا السوفيتية (الروسية) للإحلال والتجديد مثل مصنع الحديد والصلب ومجمع الألومنيوم بنجع حمادي وغيرها... وهو مطلب مصري يلقي تجاوبا روسيا كبيرا، ومن المرجح أن يتم اتخاذ خطوات إيجابية في هذا الصدد... وهناك أيضا إمكانات كبيرة لتطوير صادرات الخضر والفاكهة والصناعات الغذائية المصرية إلي روسيا، أصبحت متاحة بعد أن اتخذت موسكو قرارا بحظر استيراد الخضر والفاكهة والسلع الغذائية من أوكرانيا وعدد من دول الاتحاد الإوروبي ردا علي العقوبات الأوروبية ضدها بسبب الصراع في أوكرانيا.. ومطلوب من منتجينا ومصدرينا أن يتعاملوا بجدية وسرعة لملء الفراغ الكبير الناشئ في هذه السوق. وبالإجمال فإننا نتوقع نتائج ذات أهمية استراتيجية لهذه الزيارة في ضوء الاعتبارات التي ذكرناها في بداية مقالنا... ومن المهم هنا أن نشير إلي عنصر لا يمكن القول أنه ذو أهمية حاسمة في العلاقات بين الدول، لكنه يمكن أن يلعب دورا سلبيا أو إيجابيا.. نعني كيمياء التوافق الشخصي بين الزعماء.. ومن المهم الاشارة إلي أن هذه الكيمياء موجودة بصورة واضحة بين الرئيسين السيسي وبوتين.. ونعتقد أن هذا سينعكس إيجابيا علي العلاقات بين البلدين. لمزيد من مقالات د. محمد فراج أبوالنور