برلماني: تعديلات قانون الكهرباء تستهدف حماية المال العام    أمن الجيزة يفحص فيديو اقتحام عدد من الخيول فناء مدرسة بمنطقة بولاق    مدبولي: توجيهات من الرئيس السيسي بضرورة توفير الدعم المطلوب لمشروعات الطاقة المتجددة    الأورمان تنفذ مبادرات لدعم الفئات الأكثر احتياجًا فى الجيزة ومطروح والفيوم    إسرائيل تعلن بناء 69 مستوطنة خلال سنوات الحرب على غزة    محمد صلاح يزين التشكيلة المثالية لبطولة كأس أمم أفريقيا 2025    انطلاق أمم أفريقيا 2025.. نهائي سوبر السيدات.. فوز حسن مصطفى| نشرة الرياضة ½ اليوم    سبورت: برشلونة يسعى لاستغلال قاعدة تسجيل اللاعبين بعد إصابة كريستنسن    محمد صلاح ضمن التشكيلة المثالية لبطولة كأس أمم أفريقيا 2025    السيطرة على حريق في محل أدوات صحية بالمرج    انطلاق اليوم الأول للاختبارات التجريبية لمنصة الذكاء الاصطناعي اليابانية بالأزهر    إحالة أوراق قاتل زوجته أمام أبنائه إلى المفتي بالبحيرة    جولة مفاجئة لوزير الثقافة ومحافظ القاهرة بقصر ثقافة عين حلوان    دراما بوكس | المسلسلات المؤجلة بعد رمضان 2026 .. وقصة آسر ياسين ودينا الشربيني مع الصدمات النفسية    سين كاسيت | أول حفل ل تامر حسني بعد تعافيه وكواليس أغنية محمد رمضان ل«الكان»    نصيحة للأمهات، احذري من تأثير ضغط الدراسة على علاقتك مع أبنائك    الداخلية تكشف حقيقة فيديو محاولة سرقة شخص بالسيدة زينب: خلافات عائلية السبب    البورصة تربح 20 مليار جنيه بختام تعاملات بداية الأسبوع    رئيسا الإمارات وفرنسا يبحثان مسار العلاقات التاريخية والإستراتيجية بين البلدين    رئيس مياه الشرب بالجيزة يتفقد محطات المياه والصرف الصحى بمركز الصف.. صور    إيمى سمير غانم تكشف كواليس اختيار أسماء أبنائها مع حسن الرداد    «تحالف إقليم إسكندرية» يفوز بمشروع رئاسي للمركبات الكهربائية والنقل الذكي    شعبة المواد الغذائية: رفع حد التسجيل في «القيمة المضافة» إلى 3 ملايين جنيه ضرورة لدعم التجار وتحفيز الاقتصاد    نقابة الزراعيين بالدقهلية تفتتح دورة الأمن السيبراني.. صور    اتحاد شركات التأمين: معالجة فجوات الحماية التأمينية تتطلب تعاونًا بين شركات التأمين والحكومات والمجتمع المدني    الحفنى: تعزيز التعاون فى مجالات تنشيط الحركة الجوية والتدريب وتبادل الخبرات    عراقجي: مستعدون لإبرام اتفاق "عادل ومتوازن" بشأن برنامجنا النووي    مراسل القاهرة الإخبارية من غزة: القطاع يعيش على وقع الأزمات في الأيام الأخيرة    مدير فرع الرعاية الصحية بالإسماعيلية يفاجئ مستشفى فايد (صور)    الشرعية الشعبية للانتخابات    ضبط 3 محطات وقود بالبحيرة لتجميع وبيع 47 ألف لتر مواد بترولية    اعترافات المتهم بقتل زميله وشطر جثمانه ل4 أجزاء بالإسكندرية: خبرتي بالجزارة سهلت تقطيع الجثة    محافظ المنوفية ورئيس الجامعة يفتتحان عدد من المنشآت الطبية الجديدة بمستشفى الطوارئ    ليلة استثنائية في مهرجان القاهرة للفيلم القصير: تكريم عبير عواد واحتفاء بمسيرة عباس صابر    قومى حقوق الإنسان: دورة حقوق الإنسان ليست برنامجا تدريبيا بل منصة لبناء القدرات    إصابة 8 أشخاص إثر حادث انقلاب ميكروباص في العاشر من رمضان    تحرك عاجل من وزير العمل بعد فيديو الأم التي عرضت أولادها للبيع    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 21ديسمبر 2025 فى المنيا    "الشيوخ" يتلقى إخطارًا بتشكيل الهيئات البرلمانية للأحزاب    محافظ أسيوط: استمرار تدريبات المشروع القومي للموهبة الحركية لاكتشاف المواهب الرياضية    محافظة الجيزة توضح حقيقة ما أثير بشأن وجود إزالات أو نزع ملكيات لإنشاء طريق الإخلاص    حملة للمتابعة الطبية المنزلية لأصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن وذوي الهمم.. مجانًا    فى مباحثاته مع مسرور بارزانى.. الرئيس السيسى يؤكد دعم مصر الكامل للعراق الشقيق ولوحدة وسلامة أراضيه ومساندته فى مواجهة التحديات والإرهاب.. ويدعو حكومة كردستان للاستفادة من الشركات المصرية فى تنفيذ المشروعات    حقيقة تأثر رؤية شهر رمضان باكتمال أو نقص الشهور السابقة.. القومي يوضح    وزير الخارجية يبحث مع نظيريه الجزائري والتونسي تطورات الأوضاع في ليبيا    فضل العمرة فى شهر رجب.. دار الإفتاء توضح    محافظ القاهرة جدول امتحانات الفصل الدراسي الأول للعام الدراسي    شهر رجب .. مركز الأزهر العالمى للفتوى يوضح خصائص الأشهر الحرم    وزير الخارجية يؤكد مجددا التزام مصر بدعم جهود تعزيز الأمن والاستقرار في الصومال والقرن الأفريقي    سياح العالم يستمتعون بتعامد الشمس على مقصورة قدس الأقداس بمعابد الكرنك.. صور    انطلاق مهرجان التحطيب بالأقصر على المسرح المكشوف بساحة سيدي أبو الحجاج    مانشستر يونايتد في اختبار صعب أمام أستون فيلا ب البريميرليج    الصحة: فحص أكثر من 20 مليون مواطن في مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    أمم إفريقيا – المغرب.. هل يتكرر إنجاز بابا؟    بعد رؤية هلال رجب.. ما هو موعد شهر شعبان ؟    الإفتاء: الدعاء في أول ليلة من رجب مستحب ومرجو القبول    بركلة جزاء قاتلة.. أرسنال يهزم إيفرتون ويعود لاعتلاء صدارة البريميرليج    قمة إنجليزية نارية.. ليفربول يحل ضيفًا على توتنهام في الجولة 17 من البريميرليج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإصلاح المنهجى للتعليم.. العقل النقدى
نشر في الأهرام اليومي يوم 11 - 08 - 2014

يعانى العقل المصرى من تشوهات عدة تعوق انطلاقته نحو الأفق المنشود، فما نشهده من إرهاب وتطرف هو نتاج مرض مزمن فى الوعى، وما نلاحظه من مثالب فى السلوكيات العامة هو نتاج قصور فى التربية، وما نلمسه جميعا من ضعف مستوى الإنتاجية هو نتاج ضعف فى المعرفة.
ولأن قضية العقل هى الأهم فى الماضى والحاضر والمستقبل فإنها بحاجة إلى إصلاحات سريعة منهجية وهيكلية، ومادية سوف نتوقف عندها تباعا. الإصلاح المنهجى، موضوع اليوم، يعنى تحسينا جذريا لنظام التعليم المصرى ينقله من التمحور حول محتويات العلوم إلى التمركز حول منهج البحث العلمى، فالعلم الحقيقى هو المنهج، وليس محتويات العلوم التى لا تعدو أن تكون جزءا من تاريخ العلم، تعبر فقط عن بعض مراحل تطوره فى الماضى سواء كان الماضى القريب أو الماضى البعيد. فالفلسفة مثلا هى بالأساس منهج إعمال العقل، وليست تلك القضايا الجزئية التى احتوى عليها تاريخ الفلسفة من قبيل مفهوم السعادة عند أرسطو، أو المثل عند أفلاطون، أو الواجب عند كانط، أو المونادة عند ليبنتز، وهكذا. وربما لهذا السبب عاش منهج هيجل الجدلى، وسوف يعيش أكثر كثيرا مما عاشت جل قضاياه ومقولاته، فالمنهج طريقة فى مقاربة الحقيقة، أما قضاياه نفسها فهى صورة عن الحقيقة فى زمنه الذى عاشه، تشى أو تكشف بطبيعة انشغالاته واهتماماته. كما أن الفيزياء هى منهج لفهم الطبيعة، ومحاولة توظيفها، عبر قواعد تجريبية ومعادلات رياضية، وليست هى نظرية الجاذبية لدى نيوتن، ولا نظرية الكم لدى ماكس بلانك، ولا حتى النسبية لدى أينشتين.. إلخ. ولنقس على ذلك باقى المعارف والعلوم، حيث أدى المنهج العلمى إلى كشوفات علمية رائعة وتطبيقات تكنولوجية هائلة، ولكن ما إن تتحقق تلك الإنجازات حتى تصير جزءا من تاريخ العلم، محتوى قديم يرمز إلى طريقة ما فى إعمال العقل، أو نظرية ما فى مسار تطور العلم، ولكنه ليس العقل نفسه، ولا العلم ذاته، أما المنهج فهو روح العلم المتجددة، الذى يصلح اليوم والغد كما كان فى الأمس.
فإذا ما صدق هذا التوصيف، يمكننا الادعاء بأننا لم نعرف العلم بعد، اللهم سوى فى مراحل تاريخية محدودة، أو فى بؤر مغلقة، لأن التيار العام فيما يدرس داخل جامعاتنا ومعاهدنا ليس إلا نوعا من الحشو السردى لتاريخ العلوم. وما يسود من طرائق اختبار الطلاب وتقييمهم، وتوجيههم إلى تخصصاتهم، لا يمت للمنهج العلمى بصلة، ولا ينهض إلا على تدوين وحفظ ظواهر العلوم. ومن ثم فدون ثورة منهجية لا قيمة لنظامنا التعليمى كما هو سائد الآن، والذى تحول إلى منافسة ماراثونية مرهقة نفسيا وعقليا وماديا للطلاب وأسرهم، بغرض تحصيل درجات أكبر من منافسيهم على مقاعد الكليات المختلفة، التى يدخلها أضعاف ما تحتاج إليه البلد من تخصصاتهم، وأضعاف أضعاف ما يمكن للبنية الأساسية فى هذه الكليات أن تتحمله منهم، إذا كان المطلوب هو تعليم حقيقى، يقوم على الحوار فى المعارف الأدبية والفلسفية وعلى التجربة فى المعارف العلمية والتكنولوجية، ما يقتضى احترام النسب المتعارف عليها عالميا بين عدد هيئات التدريس وبين عدد الطلاب من ناحية، وبين مساحات المعاهد العلمية وما تزخر به من قاعات درس وعدد معامل وبين عدد الطلاب من ناحية أخرى، وهكذا. فمن غير انضباط هذه النسب، وفى ظل تكدس الكليات بالطلاب، يصير التعليم عشوائيا تماما مثل عشوائية المواصلات العامة عندما يتم حشر مائة راكب فى باص عام لا يتحمل سوى ثلاثين راكبا، أو عشوائية السكن عندما يقيم آلاف البشر فى حيز لا يطيق سوى المئات.
والمشكلة الكبرى أن التعليم السيئ أخطر كثيرا من الأمية، لأنه يفسد الفطرة الإنسانية، يدفعها إلى مغادرة بساطتها، فالتعليم الجيد (المنهجى) يدفع المتعلم إلى الشعور بأن لديه صورة عن الحقيقة، أما التعليم السيئ (التلقينى) فيدفع صاحبه إلى الاعتقاد بأنه يعرف (الحقيقة) ذاتها، ومن ثم تتحول معرفته إلى إيمان، ولا يصبح للحقيقة نفسها أى قيمة. ولعلنا لاحظنا مفارقة كبرى تبدت فى الأحداث التى عاشتها مصر منذ الثلاثين من يونيو، وهى أن البسطاء وربما الأميين كانوا أول من شعروا بخواء تجربة الإخوان المسلمين، فانصرفوا عنهم بسلاسة ملحوظة، قياسا إلى كثيرين نالوا تعليما جيدا، سواء فى العلوم الدينية أو العلوم المدنية، وبالأخص فى (كليات القمة) كالطب والهندسة، سواء انتموا إليها تنظيميا، أو تبنوا رؤاها فكريا، أو دافعوا عن مواقفها عمليا، بتغذية اعتصاماتها، ورفد حركاتها الاحتجاجية اللاسلمية، وإثارة الشغب حتى داخل الجامعات المصرية. ولقد أكدت قصة سائق التاكسى الذى أمسك بالمهندس الذى فجر نقطة مرور الجلاء قبل أشهر قلائل، تلك المفارقة، فالسائق (المصرى) تمتع وتسلح بسلوك فطرى كإنسان يحب وطنه ويخاف عليه، على النقيض تماما من المهندس (الإخوانى) الذى أنفقت بلده على تعليمه المجانى ليصبح عونا لها فى مسيرة تقدمها، فإذا به يستخدم علمه (التقنى) المبتور عن المنهج النقدى، فى تقتيل أبنائها، بدافع انتماء إيديولوجى مقيت حاول فرضه على الآخرين بالعنف.
فى هذا السياق بدى لى غريبا تصريح السيد وزير التعليم العالى بقرب افتتاح خمس وعشرين كلية جديدة، بشر بها المواطنين، مطمئنا إياهم إلى زيادة عدد المقبولين بالجامعات هذا العام قياسا إلى العام الماضى. ففى هذا التصريح يتبدى عدم إدراك الرجل لطبيعة المشكلة، وكأن ما تعانيه مصر هو قلة عدد الخريجين وليس بطالتهم، أو الضعف المزمن فى كفاءتهم، فالمهم لديه أن يتخرج كل عام عدد أكثر من سابقه، وليس مهما أن يكون الخريجون أقرب إلى الجهل منه إلى العلم بمفهومه الصحيح، أو أن تخلو قائمة أفضل خمسمائة جامعة فى العالم من جامعة مصرية، اللهم سوى جامعة القاهرة التى تدخل إلى ذيل التصنيف حينا وتخرج منه أحايين، رغم أنها من أوفر جامعات العالم بالطلاب، ما يعنى ان المشكلة تكمن فى مكان آخر غير ذلك الذى يتصوره الوزير، أى فى المنهج لا فى العدد، فى الكيف لا فى الكم، ما يتطلب إصلاحا هيكليا سوف نتوقف عنده فى المقال القادم ان شاء الله.
لمزيد من مقالات صلاح سالم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.