ما أصاب داء الجهل أمة، حتى صار حالها التخلف لا تملك من أمرها شيئاً، وإذا أراد يوماً حاكماً كان أو مستعمراً أن يهزم شعباً ويدب الوهن والهوان فى أوصاله، فليحاربه بسلاح الحرمان من التعليم ليضمن عقولاً مشوهة ووعياً غائب وروح غارقة فى السلبية واللامبالاة، وللأسف ظلت السياسات التعليمية العقيمة دائماً أبداً سلاح قهر فى يد الحكام لعقود طويلة تفتقر إلى المكون العلمى الحقيقى الذى يرقى بالذات البشرية، والنتيجة مخرجات تعليمية على مدار أجيال متعاقبة غير قادرة على الوفاء باحتياجات مجتمعها، فغرقت كل الأطراف التعليمية فى دوامتها بدءاً من المناهج المتدنية كماً وكيفاً، والآليات والبرامج والأهداف وتقاعس دور المؤسسات التعليمية والتربوية، اختلاق شبح الدروس الخصوصية وفزاعة الثانوية العامة، ناهيك عن مناهج تاريخية مشوهة وخطة محكمة للإطاحة بكرامة المعلم وهيبته وطمس القيم لدى الطلاب وأولياء الأمور، وفى النهاية الكل يتساءل: هل ما يتلقاه أبناؤنا تعليماً بحق؟ ولماذا لا نلحق بالركب العالمى خصوصاً ونحن بصدد عصر جديد بناء العقول فيه ركيزة بناء الأوطان؟ ملفات ساخنة تضعها «الأهرام العربى» أمام الدكتور جمال العربى، وزير التربية والتعليم لتقديم روشتة إنقاذ سريعة.. نفتقد منذ عقود نظاماً تعليمياً له مدخلات ومخرجات تتفق والقياس العالمى حتى تصور البعض أن الأمر مخطط له بفكر غربى استعمارى لتعتيم وتجهيل الأجيال المتعاقبة؟ لاشك فى أن النظام التعليمى فى أسوأ حالاته، وهذا نتاج منطقى لتراكمات أنظمة عمدت إلى تجريف العقول وتغييب الوعى وإحداث ردة ثقافية وتعليمية لتجهيل المجتمع ككل لتخليق أجيال غير قادرة على استيعاب ما يدور حولها والوقوف على بداية الطريق الصحيح نحو الإصلاح، وأسهمت السياسات المتبعة على مدار عقود طويلة فى إفراز الواقع المتردى الذى نعيشه الآن لتفقد الرسالة التعليمية مضمونها الحقيقى وخلت بالطبع من مدخلات ترقى لمتطلبات الواقع العالمى الذى نعيشه الآن باعتبارنا جزءاً من الكل وعلينا مواكبته، فصدمتنا التجربة القاسية بمخرجات للأسف لا تصلح لنهضة تنموية أو بشرية فأصبح التراجع والتردى سمة كل المؤسسات وليس المؤسسة التعليمية فقط. وأين يستوطن الداء فى النظام التعليمى؟ للأسف، تم تفريغ الرسالة التعليمية من كل أهدافها الإستراتيجية لبناء مجتمع قادر على قيادة القاطرة التنموية وانحصرت الأهداف التعليمية فى أمور لا تتعدى كونها قشوراً غير مؤثرة وهى أسس تقدير وتقييم الطلاب على أساس الدرجات واستفحال غول الدروس الخصوصية. فقد عمدت السياسات التعليمية السابقة إلى عمليات غسل مخ جماعية لأجيال متعاقبة وتحويلها إلى مجرد «بالونات يتم حشوها بالمعلومات» لاغتيال كل القدرات الإبداعية الابتكارية بهدف عدم إعمال العقل وإحباط القدرة على التحليل والاستنتاج وتكوين الرؤى، وقد يكون هذا سبباً فى عزوف الطلاب عن المدارس لأنها لا تأتى بجديد ولا تمثل أية إضافة من وجهة نظرهم. وإلى متى سيظل «مجموع الدرجات» هو المقياس الوحيد للتقييم؟ هذا صحيح، فالعيب يكمن فى سياسات المجلس الأعلى للجامعات لعقود طويلة تحولت خلالها العملية التعليمية إلى مجرد «سلة» لتجميع أكبر قدر من الدرجات التى لا تقيس سوى قدرات الحفظ والاسترجاع محطمة قدرات الإبداع والابتكار والتفكير، وهذا ما نسعى لإصلاحه من خلال التنسيق بين القائمين على التعليم ما قبل الجامعى والجامعى للاتفاق على أسس جديدة للقبول بالجامعات لا ينظر فيها إلى المجموع فقط، ولكن من خلال إعداد قائمة من المواد التأهيلية تتم دراستها ومقرر رغبات الطلاب فى الكليات المراد الالتحاق بها لقياس قدراتهم الحقيقية. هل المشكلة حقاً فى انخفاض ميزانية التعليم أم فى الفكر المنهجى الذى غاب طويلاً؟ ليست ميزانية التعليم هى المشكلة، فالمشكلة الحقيقية تكمن فى الرؤية والفكر المخطط والمنسق للعمل التعليمى ليحقق أهدافه المرجوة، الأمر لا يتطلب سوى إعادة تخطيط للمعطيات الحالية بحيث تشير جميعها نحو هدف واحد من خلال منظومة متكاملة الرؤية ذات سياسات واضحة وآليات ذات جودة عالية فى التطبيق على أن يكون فى مقدمة هذه الأهداف إصلاح فكرة النظام التعليمى وطرق إعداد المناهج وسياسات التقويم وإصلاح أحوال المعلم مادياً وتعليمياً وتنميته بشرياً ونحن الآن بالفعل بصدد إعداد دورات تدريبية للنهوض بالمعلمين علاوة على الاتجاه نحو تطبيق نظام الكتاب الإلكترونى الذى لاشك سيسهم فى ضغط الميزانية المخصصة للكتب المدرسية، ولكن تبقى المشكلة الحقيقية وهى ضرورة التوسع فى بناء المدارس وزيادة أعداد الفصول، وبالفعل تم اتخاذ خطوات إجرائية للتعاون بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدنى فى هذا الشأن بحيث تتحمل الحكومة ما يقرب من ٪60 من الإنفاق على الأبنية التعليمية مقابل ٪40 مساهمة من المجتمع المدنى. إعداد المناهج عملية تشوبها أخطاء عديدة كماً وكيفاً وتعانى غياب فكرة المنظومة المتكاملة لمخرج تعليمى جيد؟ إنها معاناة حقيقية استمرت لسنوات عديدة بسبب غياب الإطار العام للمنهج التعليمى الذى يمثل العروة الوثقى ما بين المنتج التعليمى والإستراتيجيات المجتمعية واحتياجات سوق العمل. لذا تم إعداد خطة إصلاحية متكاملة الأركان من خلال تطبيق نظام «الوثيقة» للاتصال من النظرة الجزئية إلى النظرة الشمولية بوضع إطار عام للمنهج ويتم التحكيم على هذه الوثيقة من قبل مؤسسات تربوية ومفكرين، وتستند هذه الوثائق المنهجية إلى محورين رأسى وأفقى، أما عن محور التوسع الرأسى فهو يختص بتحقيق مستويات تدريجية يتزامن فيها النمو العمرى مع النمو العقلى وفق قياسات المنهج العالمى، أما عن التوسع الأفقى فهو يضمن الربط بين المواد الدراسية المختلفة للصف الواحد بحيث تشكل منظومة معلوماتية متكاملة كماً وكيفاً، وبالفعل نحن بصدد الانتهاء من وضع الإطار العام للمناهج للخروج بالوثائق الخاصة بكل مادة ولكل صف ومرحلة دراسية، تمهيداً لطرحه على دور النشر والمتخصصين. هل فى إطار الإصلاح المنهجى الشامل المزمع تطبيقه ستتم إعادة النظر فى المناهج التاريخية للمراحل التعليمية المختلفة، بحيث تعاد صياغتها بما يتفق مع الحقائق المطمسة والمتغيرات الراهنة؟ بالطبع ستتم إعادة صياغة تناول المضمون التاريخى فى المناهج بشكل موضوعى من خلال لجنة محايدة لا تنتمى إلى أحزاب أو تيارات أو أطياف سياسية ومن المقرر أن تتم إعادة المرحلة التاريخية من عام 1952، حتى الآن فى إطار من الشفافية والحرية والصراحة التى تقتضيها الأمانة والعدالة التاريخية، خصوصاً أن التاريخ بشكل عام والمناهج التعليمية المأخوذة منه مشوهة للغاية، وتم إعدادها وصياغتها بنظرية أفلام البطل الواحد وكل من حوله «سنيدة» فصياغة التاريخ ونجاحه على مدار أكثر من ستين عاماً يعتمد أن على الشخصية الواحدة وما يجرى حولها من أحداث يبدو وكأنه الصانع الوحيد لها، فالتاريخ ليس مجرد تسجيل للأحداث ولكنه دراسة تحليلية منهجية تعتمد على نظم المدخلات والعمليات والمخرجات كمراحل منطقية لاتخاذ القرار، فيجب أن نعلم أبناءنا كيف يصنعون التاريخ ليكونوا قادرين على اتخاذ القرار. كيف سيتم تناول أحداث ثورة 25 يناير حتى يومنا هذا وما يستجد من أحداث؟ سيتم تناولها بشكل موضوعى من خلال لجان تحكيم محايدة من مؤرخين ليست لديهم أية انتماءات لضمان النزاهة، ثم يعاد الطرح على تربويين ومعلمين لإقرار صلاحية وقابلية التدريس. هناك أصوات تنادى بإلغاء مادة الدين ليحل محلها ما يسمى بالقيم والأخلاق دعماً لمفهوم المواطنة وقبول الآخر؟ لن يحدث هذا على الإطلاق، فمادة الدين سواء الإسلامى والمسيحى جزء لا يتجزأ من مكونات وموروثات وثقافات المجتمع المصرى، بل على العكس سيتم تكثيف الجرعة الدينية فى إطار الحرص على مفاهيم المواطنة وقبول الآخر، فسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، زاخرة بآيات وتعاليم تدعو إلى نشر التسامح بين قطبى الأمة ولو اتخذنا منها منهجاً ونبراساً لصحت كل أمور مجتمعنا وسارت فى طريقها المستقيم وكذلك الدين المسيحى ينبذ الفتنة ويدعو إلى التسامح والإخاء فى قبول الآخر. لا تزال أحوال المعلمين المادية والمهنية لا ترقى للدور المنوط بهم فى صناعة أجيال قابضة على العلم والمعرفة؟ بالفعل مازال أوضاع المعلمين غير مرضية وغير منصفة، الأمر الذى دفعنى للقائهم للوقوف على مشكلاتهم ومحاولة صياغة خطة إصلاح مادى ومهنى يتفق عليها كل أطراف العملية التعليمية، وتتمثل ملامحها فى إعادة النظر فيما يسمى «اختبارات» الكادر بحيث تحفظ كرامة المعلم وترقى من شأنه على عكس ما حدث فى الماضى حيث كانت تمثل امتهاناً لشخصه وعلمه ووضعه الاجتماعى، بالإضافة إلى وضع نظم جديدة لطرق تعيين القيادات التعليمية بالمديريات والإدارات والمدارس ورفع الحد الأدنى للأجور بما لا يقل عن 1200 جنيه، وبالفعل تم إعداد هذه الخطة ووضعها لرئيس الوزراء تمهيداً لطرحها للمناقشة وروعى فى هذه الخطة إعادة تكليف خريجى لكليات التربية وتعيين الإداريين. يعانى التعليم الخاص غياب الرقابة حتى تحول إلى ما يشبه «التجارة» وقد يصل الأمر بالبعض إلى «الابتزاز»؟ التعليم الخاص يتبع قانوناً وزارة التربية والتعليم وهو يمثل استثماراً حقيقياً فى مجال التعليم فهو شريك إيجابى فى المنظومة التعليمية بما يقدمه من خدمات للطلاب وأولياء الأمور وتوفير فرص عمل للمعلمين تخفف الضغط نسبياً على الحكومة ولا أجامله فى هذا، ولكن هذه هى الحقيقة وإن كانت هناك أوجه قصور أو تجاوز يتم التعامل معها باستخدام الإجراءات القانونية التى تخضع جميع المؤسسات التعليمية تحت مظلتها.