عودة الهيبة للمدرسة.. تعليمات رئاسية بالانضباط والقيم الأخلاقية    رئيس جامعة العاصمة: سخرنا كل إمكانات الجامعة لتقديم نسخة عالمية للمنتدى العربي الروسي    "مهندسون وفنيون".. 19 فرصة عمل جديدة بشركة صناعة الأنابيب    "تعليم القاهرة" تشدد على ضرورة ترشيد استهلاك الكهرباء بالمدارس    قرارات مهمة من محافظة القاهرة خاصة بالتصالح في مخالفات البناء    اتحاد شركات التأمين: تبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي خطوة استراتيجية لتطوير السوق    رئيس الوزراء يتابع ملفات عمل الإنتاج الحربي    أيمن العشرى: أكثر من 700 ألف تاجر وصانع ومؤدي خدمة بغرفة القاهرة التجارية    البورصة المصرية تربح 16.8 مليار جنيه بختام تعاملات الأحد 7 ديسمبر 2025    الحكومة تعلن استعادة النظام في بنين بعد محاولة انقلاب فاشلة    نتنياهو: المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في غزة ستبدأ قريبًا.. وستكون أكثر صعوبة    مصر: استمرار السعي للتنسيق مع الأطراف المعنية لتثبيت وقف إطلاق النار بغزة    الدوري السعودي يخطط لضم 4 لاعبين من ريال مدريد    محمد صلاح يحرج الإعلام الإنجليزي ويضرب مثال بهاري كين    لوبيتيجي مدرب قطر: فرصة التأهل ليست بأيدينا وكأس العرب كانت فرصة لاكتساب الخبرة    نور الشربيني تحصد بطولة هونغ كونغ للإسكواش    وليد الفراج لمحمد صلاح: أنت أعظم مصري وعربي في تاريخ كرة القدم    الأهلي يستغل الشرط الجزائي للتعاقد مع المهاجم الأردني يزن النعيمات    أمن القليوبية يكشف حقيقة سرقة جثث الموتى من داخل مقابر الخصوص    تحسن الأحوال الجوية فى سانت كاترين وعودة الشمس بعد موجة الطقس السيئ.. صور    إصابة 14 عاملا إثر انقلاب سيارة ميكروباص أعلى الطريق الصحراوي الغربي بالعياط    تحرير 8 محاضر ضد مخابز بلدية مخالفة بدسوق    السيطرة على حريق جراج سيارات فى مدينة 6 أكتوبر    جثمان السيدة المقتولة على يد زوجها يغادر المشرحة لدفنها بمقابر القليوبية    رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لمشروع إحياء وتطوير حديقتي الحيوان والأورمان    لبلبة في جلسة حوارية بمهرجان البحر الأحمر 2025.. غداً    كلهم بيحبوا مودى!.. أيمن سلامة وحرفنة تغيير بوصلة الممثل    إلهام شاهين رئيسا شرفيا لمهرجان شرم الشيخ للمسرح في دورته ال11    وزير الصحة يعلن الوضع الوبائى لإصابات الأمراض التنفسية فى مؤتمر بعد قليل    مدير فرع الرعاية الصحية بالأقصر يتفقد مستشفى إيزيس الدولى لمتابعة خدمة المواطنين    باحث يرصد 10 معلومات عن التنظيم الدولى للإخوان بعد إدراجه على قوائم الإرهاب    توتر داخل جهاز الموساد بعد تعيين جوفمان ..والاحتلال يزعم اعتقال 70 مستوطنا تورطو بأعمال عنف    وزارة التضامن: فريق التدخل السريع تعامل مع 519 بلاغا خلال شهر    روجينا تعلن انطلاق تصوير مسلسل حد أقصى رمضان 2026 .. "بسم الله توكلنا على الله"    واحد من الناس يكشف كواليس أعمال الشريعي الموسيقي وسر خلافه مع الابنودي.. اليوم وغد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 7-12-2025 في محافظة الأقصر    المديريات التعليمية تطلق مبادرة جسمى ملكى لا تلمسه لطلاب المدارس    وزير الخارجية يلتقي نظيره السوري بمنتدى الدوحة ويؤكد على رفض أي محاولات للمساس بأمن سوريا    "اكتشفها وساعده".. الصحة تكشف عن أعراض تدل على إصابة الطفل بالاكتئاب    جامعة بني سويف تحقق إنجازًا جديدا بإجراء أول عملية لتقشير أورام الجهاز الهضمي بالمنظار دون جراحة    ارتفاع حصيلة العدوان على قطاع غزة إلى 70 ألفا و360 شهيدا    الجزار: كأس العالم للأندية سبب تعثر انتقالي إلى الأهلي.. ووقعت للزمالك من قبل    وزير الثقافة يصل إلى أذربيجان للمشاركة فى أسبوع باكو للإبداع    مرض غامض يمنع الشيخ طه الفشن من الكلام.. اعرف الحكاية    بعد الخروج من الدوري المكسيكي.. راموس: هذه مباراتي الأخيرة مع مونتيري    «صحح مفاهيمك».. أوقاف الوادي الجديد تنظم ندوة بالمدارس حول احترام كبار السن    هل ثواب الصدقة يصل للمتوفى؟.. دار الإفتاء تجيب    التطرف ليس في التدين فقط.. موضوع خطبة الجمعة المقبلة    وزير الري: التحديات المائية لا يمكن التعامل معها عبر الإجراءات الأحادية    تعويض حوادث المركبات.. خطوة بخطوة وفق قرار الرقابة المالية الجديد    ننشر الدليل الإرشادى للحافز الاستثمارى النقدى لدعم المشروعات الصناعية فى مصر    روسيا تشن هجوما جويا ضخما لليلة الثانية على التوالي على الأراضي الأوكرانية    رئيس جامعة سوهاج يتحدث عن المبادرة الرئاسية "تمكين" لدعم الطلاب ذوي الهمم    محمد السيد يتوج بذهبية كأس العالم للسلاح بعد اكتساحه لاعب إسرائيل 15-5    هيئة الرقابة المالية تلزم شركات التأمين بإمساك بعض السجلات    النقاش مع طفلك والاستماع له.. إنقاذ له من التحرش !!!    وصفات طبيعية، لعلاج التهاب الحلق بدون أدوية    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الضرورة السياسية والتربوية للتقويم الشامل فى مدارسنا

تأخذ جميع الدول المتقدمة الآن فى معظم أنحاء العالم بسياسة جديدة فى تقويم التلاميذ تتمثل فيما يسمى التقويم الشامل، ويختلف التقويم الشامل عن التقويم التقليدى– الذى تعودنا عليه فى مصر- اختلافاً تاماً من حيث الأبعاد السياسية والتربوية التى ينطوى عليها كل نمط من هذين النمطين. إن تقويم التلاميذ ليس عملية فنية محايدة.. إنه بالأحرى فعل سياسى له أبعاده الثقافية والاجتماعية الضاربة فى عمق المجتمع، وتوضيح ذلك هو هدف هذا المقال.
التقويم التقليدى يقوم على امتحانات الفرصة الواحدة للتلميذ، وإذا رسب قد يكون له ملحق بحد أدنى من الدرجات، وعادة ما يركز هذا النمط من الامتحانات على بعد واحد فقط وهو البعد المعرفى، فالتقويم التقليدى على هذا النحو له مساوئ سياسية واجتماعية وتربوية خطيرة، تعوق تكوين المجتمع المدنى الديمقراطى الذى ننشده، وتعوق تنمية المواطنة المستنيرة التى نتطلع إليها، وأول هذه المساوئ أن هذا التقويم التقليدى يهدف إلى غربلة وفرز التلاميذ لانتقاء الناجح واستبعاد الراسب، وهذا الاستبعاد هو فى صميمه استبعاد اجتماعى لهؤلاء التلاميذ غير القادرين على النجاح، وهم بحكم الواقع أبناء الطبقات الدنيا أو الهامشية فى المجتمع، وبعض علماء الاجتماع التربوى يعتبرون هذا التقويم التقليدى (امتحان الفرصة الواحدة) هو إحدى آليات منهج خفى– داخل حجرة الدراسة – يعمل على إعادة إنتاج– وترسيخ– التفاوت الاجتماعى الطبقى القائم فى المجتمع.
وثانى هذه المساوئ التربوية أن هذا التقويم التقليدى يرتبط بالضرورة بنمط من التدريس يرتكز على التلقين.. ويكرس الحفظ.. ويكون فيه التلميذ متلقياً سلبياً، حيث يحشو المدرس أدمغة التلاميذ، وكأنها خزانة فارغة يملؤها بالمعلومات المعلبة سابقاً فى مناهج وكتب جامدة.. ثم تأتى امتحانات الفرصة الواحدة لجرد هذه الخزانة، وقد هيأ هذا المفهوم الضيق للتقويم الفرصة السانحة لنشأة الدروس الخصوصية، التى تخصص محترفوها فى التعامل مع امتحانات الفرصة الواحدة.
وثالث المساوئ السياسية والاجتماعية أن أصبح التعليم الجيد من زاوية هذا التقويم التقليدى هو معاونة الطالب أن يحفظ فى « ذاكرته» المادة التعليمية بالصورة التى يسترجعها بها فى المواقف الامتحانية التقليدية، وهكذا تكونت تاريخياً بسبب هذه الامتحانات ذات الفرصة الواحدة والبعد الواحد (المعرفى) منظومة ذات علاقة وطيدة بين تعليم قائم على التلقين والحفظ.. ومعلومات ومعارف معلبة فى كتب سطحية جامدة، وامتحانات تقليدية قاهرة، وقد تمكنت هذه المنظومة الثلاثية من تكريس ثقافة الصمت فى أجيال متعاقبة.. وغرست فيهم السلبية والاتكالية.. فالتلميذ منذ أن يدخل المدرسة حتى تخرجه يظل يُلقَّن ويحفظ ويسترجع حتى يفقد روح التفكير والإبداع.. ويصبح أحادى التفكير رافضاً التعددية والاختلاف.
أما التقويم الشامل فهو عكس التقويم التقليدى تماماً، فالتقويم الشامل مفهوم إنسانى يشير إلى عملية تربوية شاملة ومستمرة ومتراكمة ومتنوعة، تهدف إلى التصحيح المستمر لأداء الفرد.. بل والمؤسسة التعليمية معاً. هذا التقويم الإنسانى لا يهدف إلى غربلة وانتقاء التلاميذ، بل على العكس تماماً، إنما يهدف إلى تمكين التلاميذ وتقويتهم ودعم العملية التعليمية.. من خلال الرصد المستمر والشامل لقدرات التلاميذ.. وتعزيز الإمكانيات.. ومعالجة نواحى الضعف أولاً بأول، حتى نضمن الجودة الشاملة للجميع.
التقويم الشامل يرتبط بالضرورة بمنظومة تعليمية مختلفة تماماً هى منظومة التعلمٌ النشط الذى يهدف إلى تحقيق عملية تربوية ترتكز على اهتمامات المتعلم، وتحفزه على النشاط والحوار والمناقشة والبحث العلمى والتفكير الناقد وأخذ المبادأة فى العملية التعليمية، وهذه العملية ترتبط هى الأخرى بمناهج مرنة.. وكتب تحث على المناقشة وإثارة التساؤلات.. وتوجه إلى التعامل مع مصادر المعرفة المتنوعة والتكنولوجيا المتقدمة.
ومن الإنصاف تاريخياً أن نذكر أن د. حسين كامل بهاء الدين وزير التربية والتعليم الأسبق هو من أدخل مفهوم التقويم الشامل فى نظام التعليم المصرى عام 2003 بصورة تجريبية تشمل 10% من الصفوف الثلاثة الأولى من التعليم الابتدائى، وكان ذلك من خلال الحوار الذى استمر بين الوزارة فى ذلك الوقت ولجنة التعليم بأمانة السياسات بالحزب الوطنى برئاسة د.حسام بدراوى، ذلك الحوار الذى دار حول ضرورة تحديث التقويم للتلميذ والمؤسسة التعليمية، وزادت نسبة التطبيق التجريبى إلى 30% من نفس الصفوف فى العام الذى يليه.
 ومن حسن حظ التعليم فى مصر أن وزراء التربية والتعليم الثلاثة الذين تعاقبوا على الوزارة بعد ذلك، أخذوا بهذا المسار فى التقويم الشامل.. بل تمت مراجعته بغرض تجويده.. وتعميمه كاملاً على الصفوف الثلاثة الأولى للتعليم الابتدائى، وتم التعميم تدريجياً سنة بعد أخرى حتى وصل الآن إلى منتصف المرحلة الإعدادية.. ويتم العمل الآن كى يطبق على التعليم الثانوى بعد تطويره ليبدأ من الصف الأول الثانوى عام 2011/2012.
إن نجاح التقويم الشامل فى مصر يتطلب تحقيق شروط مهمة، يجب أن نعمل جميعاً على توفيرها، وأول هذه الشروط: بناء ثقافة الثقة بين أولياء الأمور والمعلمين والمدرسة، فالثقة هى الضمان الأول لتحقيق نجاح هذا التقويم ومنظومته التربوية الجديدة. وثانياً: توعية المعلمين سياسياً بضرورة أهمية التقويم الشامل والتعلم النشط، وثالثاً: تنمية القدرات الفنية للمعلمين لرفع كفاءة الأداء بإخلاص وحرفية، ورابعاً: المتابعة المستمرة للتطبيق على مستوى كل مدرسة على حدة، وخامساً: تفعيل المشاركة المجتمعية.
إن الإيمان بضرورة إعداد أجيال جديدة قادرة على البحث والتفكير والنقد والإبداع والتجديد والقيادة والحوار- هو ما يُلزم المجتمع كله آباءً ومعلمين وقيادات– والقوى السياسية المختلفة- بضرورة توفير الشروط والعوامل اللازمة لتحقيق تلك النقلة النوعية فى تعليمنا والخروج من دائرة منظومة التقويم التقليدى الذى يكرس ثقافة التلقين والصمت والحفظ، إلى تقويم شامل بنائى يستند إلى منظومة التعلم النشط والمنهج المرن المرتبط بالتكنولوجيا المتقدمة.
وفى النهاية هناك قول تربوى مأثور «إن المدرسة لا تعطى المجتمع ما لم يعطها المجتمع إياه».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.