فى صباح الأحد 5 أغسطس 2014 وقف الخلق ينظرون جميعا كيف يبنى الشعب المصرى قواعد المجد وحده، وذلك وقتما أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى بدء تدشين قناة السويس الثانية، داعيا الشعب المصرى كله إلى الاكتتاب فى الشركة المساهمة المصرية التى سيتم تأسيسها لجمع هذا الاكتتاب من المصريين فقط، لتوفير مصدر من مصادر تمويل بناء القناة الجديدة، وكان يوما مهيبا. وأيقنت أن عظمة الشعب من عظمة قائده، فقد كان هذا الموقف بمنزلة رد صاعق على الأقلام التى انبرت فى ظل حكم حسنى مبارك للمطالبة بتخصيص قناة السويس، ويمكن مراجعة المادة التاسعة من مواد إصدار قانون الخصخصة رقم 203 لسنة 1991 التى أجازت بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس الوزراء تحويل إحدى الهيئات الاقتصادية المقرر لها نظام خاص إلى شركة قابضة تمهيدا لخصخصتها!! ورجع بى هذا اليوم المهيب إلى مشهد يوم الأثنين 25 أبريل من العام 1859 عندما ضرب الفردينال ديليسبس باسم محمد سعيد باشا - والى مصر - أول معول لحفر برزخ السويس عند ساحل بالوظة على البحر الابيض المتوسط، قائلا اليوم نفتح مدخل الشرق، فكانت بورسعيد حقا مدخل الغرب للشرق، ويومها أسس ديليسبس شركة قناة السويس التى بلغ عدد الأسهم المطروحة للاكتتاب 400 ألف سهم، بقيمة 500 فرنك للسهم الواحد. وما أن اعتلى الخديو إسماعيل - عرش مصر - فى الأحد 18 يناير 1863 حتى أطلق صيحته المدوية: «بأن تكون القناة لمصر لا مصر للقناة». ليقطع الطريق على بريطانيا الراغبة فى تعطيل مشروع حفر القناة بزعم منع ديليسبس من أن يكون الباشا الحقيقى لمصر، وليمنع الباب العالى من سلخ إقطاعية منطقة الامتياز من مصر لجعلها ولاية أخرى بحجة إبعاد النفوذ الأجنبى عنها. وليوصد الباب على ديليسبس نفسه حتى لا يجعلها مستعمرة فرنسية. ثم اتبع الخديوى إسماعيل صيحته بخطوات عملية ليعدل من شروط فرمانى امتياز حفر برزخ السويس لعامى 1854 و1856، بموجب اتفاقية 22 فبراير 1866 التى تم التوصل إليها بمقتضى حكم التحكيم - الطعين - المعتمد من الإمبراطور نابليون الثالث ، والمصادق عليه من الباب العالي، وما لحقه من تعديل وقد تمثلت نتائجه في: استرجاع مصر ملكية 60 ألف هكتار ( 143 ألف فدان ) من الأراضى غير اللازمة للمشروع وبقى للشركة 30 ألف هكتار لزوم المشروع - أى استرجعت ثلثى أرض المشروع - وقد عوضت الشركة عن ذلك بمبلغ 30 مليون فرنك. استعادت مصر ملكية رقبة ترعة المياه العذبة، وأبقت حق الانتفاع لشركة القناة، وقد تحملت مصر50 مليون فرنك تكاليف استكمال حفر الترعة، فى حين حصلت الشركة على تعويض مقداره 16 مليون فرنك وسبعون ألف متر مكعب من المياه يوميا. تم إلغاء السخرة التى فرضت على العمالة المصرية بموجب تفسير تدليسى من جانب ديليسبس للمادة الثانية من فرمان الامتياز الثانى لعام 856، مقابل 38 مليون فرنك. تم حفظ حق الحكومة المصرية فى إقامة التحصينات والاستحكامات الحربية التى ترى ضرورتها لحماية البلاد على الأراضى المعتبرة حرما للقناة شريطة ان لا تضر بالملاحة أو السياحة. واستكمل الخديو إجراءات فرض السيادة المصرية على القناة بإنشاء محافظة القنال. كما قام بشراء أرض تفتيش الوادى السابق للحكومة المصرية أن باعتها لشركة القناة بمبلغ 1.9 مليون فرنك بمبلغ 10 ملايين فرنك، وقد أمر بإعادة بيعها للأهالى بسعرها القديم. يمكننا بمفاهيم اليوم ان نذكر بأن إسماعيل سبق عصره فى مجال الخصخصة بمفهومها الوطني، وليس بمفهوم رجالات الحزب الوطنى الذين نهبوا مشروعات مصر الوطنية وباعوها رخيصة للأجانب. وكان أهم ما نجح فيه الخديو إسماعيل، هو إلزام ديليسبس بتحويل الشركة العالمية لقناة السويس البحرية، والتى مقرها باريس، إلى شركة مساهمة مصرية مقرها القاهرة. وهو الأمر الذى سهل على الزعيم الخالد جمال عبد الناصر اطلاق الصرخة القوية فى الميدان فى اسكندرية... بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية بصفتها شركة مساهمة مصرية. وهكذا هيأ الخديو إسماعيل للزعيم عبد الناصر الظروف لتأميم القناة تأميما كليا. ويبدو أن الخديو إسماعيل يأبى إلا ان يساعد الرئيس عبد الفتاح السيسى اليوم فى حفر قناة السويس الثانية وذلك بتقديمه مصدرين رئيسيين من مصادر تمويل القناة الجديدة، يسهمان إلى جانب الاكتتاب العام فى تغطية تكاليف المشروع الجسور. المصدر الأول يتمثل فى دين على الحكومة الفرنسية مذ عهد الأمبراطور نابليون الثالث إمبراطور فرنسا مستحق للخديو إسماعيل حتى اليوم، لم يتم تسديده. ومن ثم آن الأوان لتصحيح نتائج حكم التحكيم الطعين: الذى أضحى يشوه تاريخ الثورة الفرنسية التى قامت لتحقيق مبادئ الحرية والعدل والمساواة.. وبسبب ذلك الحكم أضحت العدالة الفرنسية مضرب مثل للظلم الدولي.. فهذا القاضى ألبرت فارما ن قنصل أمريكا فى مصر فى الفترة من 1876 إلى 1881 فى كتابه «مصر وكيف غدر بها» ترجمة عبد الفتاح عنايت يقول عن مبلغ التعويض الذى فرضه حكم تحكيم نابليون الثالث على مصر: بأنه قد أخذ من مصر بطريقة لا يمكن ان نوفيها حقها مهما قدحنا فيها. فقد كانت خدعة وطنية مشينة. ويضيف شارحا: «وبت المحكمون الفرنسيون فى الموضوع على وجه السرعة، ووقع نابليون على الحكم الذى أذهل جميع محلفى أوروبا، ولو لم يكن هذا الحكم يحمل طابعا خطيرا، لاعتبر أعجوبة من عجائب القضاء.». وذكر الكثير من المؤرخين ان الخديوى إسماعيل يومها نُصِح بعدم مراجعة الإمبراطور فى حكمه بحسب إن ذلك يعد إهانة لفرنسا وإمبراطورها. اليوم يمكننا القول ان عدم تصحيح ذاك الحكم هو الإهانة بعينها لفرنسا الحرة شعبا وحكومة. مع توضيح تلك الحقيقة الرقمية وهي: ان حكم تحكيم نابليون كلف الحكومة المصرية فى عهد الخديو إسماعيل مبلغ تعويض وقدره 136 مليون فرنك أى ما يعادل 5.440.000 جنيه [الجنيه وقتها يساوى 25 فرنك] تفاصيله هي: 86 مليون فرنكا أى 3.440.000 جنيه تعويض نقدي، إضافة إلى 50 مليون فرنكا مليونى جنيه تكاليف إكمال الترعة الحلوة. وكانت حجة شركة القناة وقتها ان تلك التعويضات سببها أن مصر باعتها إمتياز الأراضى وقتما ارتضت الحصول على 15 % من أرباح الشركة سنويا. ومن غريب أن البنك العقارى الفرنسى فى العام 1880 يحصل على تنازل مصر عن حقها فى تلك النسبة مقابل 22 مليون فرنك! وكأن مصر قايضت 136 مليون فرنك بمبلغ 22 مليون فرنك. اليوم يجب على فرنسا ان تعيد لمصر114 مليون فرنك - أى 4.560.000 جنيه - قيمتها فى العام 1866، بقيمتها اليوم. المصدر الثاني: وهو دين على حكومة بريطانيا .. يجد مصدره فى الحق فى رفع الغبن عن صفقة شراء بريطانيا نصيب مصر فى أسهم شركة القناة نتيجة السيطرة على البورصة وخفض قيمة اسهمها: فيما عرف «بصفقة دزرائيلى» رئيس وزراء بريطانيا فى 15 فبراير 1875 التى اشترى بموجبها من الخديو إسماعيل عدد 176.602 سهم تمثل 44 % من أسهم شركة القناة بمبلغ 3.976.580 جنيه إسترلينيا 700.000 جنيه مصرى فقط وقد وصلت قيمة تلك الأسهم فى نوفمبر 1876 مبلغا وقدره 23.841.270 جنيها إسترلينيا 4.257.369 جنيها مصريا متناسيا بان تلك الحصة من الأسهم قد كلفت مصر مبلغا وقدره 16.000.000 جنيه من نفقات حفر قناة السويس التى بلغت 17.500.000 جنيه. ومن ثم يكون الغبن الواقع على مصر هو الفرق بين ثمن شرائها والقيمة التى وصلت إليها فى العام التالى على الشراء. أى بمبلغ وقدره 3.557.369 جنيه - قيمته فى العام 1876 وهو مبلغ وجب على بريطانيا ان ترده اليوم لمصر بقيمته اليوم. وعن تلك الصفقة يذكر القاضى ألبرت فرمان فى مؤلفه السابق: «ورأى دزرائيلى الفرصة واغتنمها، فتشاور مع المسئولين ببنك روتشيلد الذين وافقوا على ان يدفعوا المبلغ ويتسلموا الأسهم ثم ينتظروا الأوامر بتأييد الشراء عن طريق قرار برلماني. وفى أقل من ثلاثة أيام أصبحت أسهم قناة السويس فى حوزة إنجلترا والشهادات الدالة على ذلك بيد القنصل العام الإنجليزى فى القاهرة، وكان دزرائيلى يتصرف دون تفويض ما، ولكنه كان فى نظر الإنجليز بمثابة القائد الذى يتجاهل الأوامر أو يتصرف بدونها كى يحرز نصرا مؤزرا. وكان من اليسير الحصول على قرار البرلمان. ويضيف: ولقد قال دزرائيلى للخديوي، عن طريق ممثله الدبلوماسي: سوف نشترى أسهم قناة السويس وسنقدم لكم الأموال اللازمة. ولن نطلب سوى دفع فائدة مقدارها 5% على المبلغ فى الشراء خلال الفترة التى يكون لشركة قناة السويس فيها الحق فى كوبونات الفوائد وحق امتلاك الأسهم.» ويعلق فارمان:» ضربة كبرى وجهها دزرائيلي، ولكنها كانت ضربة قاضية بالنسبة للخديو، وتعتبر أسوأ غلطة سياسية ومالية فى حياته.»ولا ينسى فارمان ان يعرض فى مؤلفه لمقارنة واجبة بين أمريكا من جهة وكل من فرنساوإنجلترا من جهة أخرى بخصوص امتياز قناة بناما وما منحته أمريكا لبناما بسببه من حقوق وامتياز قناة السويس وما استلبته فرنسا وانجلترا بسببه من مصر من حقوق. اليوم حق للدبلوماسية المصرية.. وبعد أن تمرست فى التحكيم الدولى واستعادت « طابا «.. حق لها أن تسعى لإسترداد حقوق مصرية غير منسية.. ما سقطت بالتقادم البتة.. لكونها استلبت بسلوك مخادع.. وعندها نشكر للخديوى إسماعيل مساعدته الرئيس عبد الفتاح السيسي.. وعلى الدبلومسية المصرية ان تقول للفرنسيين وللانجليز، كما يقول الرئيس السيسى حتدفعوا يعنى حتدفعوا.. سواء دفعتم الدين نقدا او معدات أو الآت أو أجهزة... أو مشروعات بناء.