سعر الذهب اليوم الأحد في مصر بعد الارتفاع الأخير.. كم سجل عيار 21 الآن في الصاغة؟    الاحتلال الصهيوني يُواصل خروقاته لوقف إطلاق النار وتوافق بين فتح وحماس على رفض أي إدارة أجنبية لقطاع غزة    تعليمات بإسرائيل لتخزين الطعام استعدادا للحرب مع حزب الله.. شائعة أم حقيقة؟    متجاهلًا غضب فينيسيوس.. ألونسو يدافع عن تصرف لاعبي الريال تجاه لامين يامال    5 ساعات خطِرة.. تحذير من حالة الطقس غدا: ترقبوا الطرق    محمد سلام يرزق ب5 توائم فى برومو كارثة طبيعية.. وعرضه 29 أكتوبر على Watch it    الشاعر هانى عبد الكريم بعد إشادة صابر الرباعى به: نتعاون قريبا فى أغان جديدة    أحمد مالك بعد جائزة أفضل ممثل فى الجونة: اتعلمت إن كلمة ليه هى أول طريق النجاح    مصر تشارك في فعاليات مراسم التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة السيبرانية    أول فيديو للحظة تنفيذ جريمة طفلى الهرم.. توك توك وضعهما داخل عمارة وهرب    نقيب الصحفيين: المرأة الفلسطينية عمود رئيس في النضال وسلاح للدفاع عن القضية    أحمد أبوالغيط: إسرائيل المستفيد الوحيد من 2011 والربيع العربي    الرئيس الإيطالي: نُقدر جهود شيخ الأزهر في نشر السلام وتعزيز الأخوة الإنسانية    مدبولي من السويس: تطوير الصحة أولوية رئاسية.. و73% من سكان المحافظة تحت مظلة التأمين الشامل    "شقوير": رقمنة السجلات وتحديث الرعايات ضمن خطة تطوير المؤسسة العلاجية    عرض مسلسل «جولة أخيرة» بطولة أحمد السقا على mbc.. قريبًا    أول تعليق من محمد سلام بعد مشاركته في احتفالية «وطن السلام»: عاشت فلسطين حرة عربية (فيديو)    الجيش الإسرائيلي يقول إنه قضى على تاجر أسلحة في عمق لبنان    تشكيل المصري لمواجهة الاتحاد الليبي في الكونفدرالية.. الساعي احتياطيًا    الوزير وأبوريدة معًا فى حب مصر الكروية    5 أبراج تهتم بالتفاصيل الصغيرة وتلاحظ كل شيء.. هل أنت منهم؟    محافظة المنيا تحقق الترتيب الرابع على محافظات الجمهورية في ملف التقنين    وزير المالية: إعطاء أولوية للإنفاق على الصحة والتعليم خلال السنوات المقبلة    الطفلة الفلسطينية ريتاج: أشكر الرئيس السيسى لأنه السبب في إيقاف الحرب    هل رمي الزبالة من السيارة حرام ويعتبر ذنب؟.. أمين الفتوى يجيب    ضبط المتهم بإصابة 3 أشخاص في حفل خطوبة بسبب غوريلا.. اعرف التفاصيل    طاهر الخولي: افتتاح المتحف المصري الكبير رسالة أمل تعكس قوة الدولة المصرية الحديثة    البابا تواضروس يكلف الأنبا چوزيف نائبًا بابويًّا لإيبارشية جنوب إفريقيا    وزير الخارجية يتابع استعدادات افتتاح المتحف المصري الكبير    بسبب خلافات بينهما.. إحالة مدير مدرسة ومعلم بالشرقية للتحقيق    محافظ المنوفية يتفقد عيادات التأمين الصحي بمنوف    إطلاق مبادرة "افتح حسابك في مصر" لتسهيل الخدمات المصرفية للمصريين بالخارج    ترتيبات خاصة لاستقبال ذوي الهمم وكبار السن في انتخابات الأهلي    محمود عباس يصدر إعلانًا دستوريًا بتولي نائب الرئيس الفلسطيني مهام الرئيس «حال شغور المنصب»    تجهيز 35 شاحنة إماراتية تمهيدًا لإدخالها إلى قطاع غزة    مستوطنون يهاجمون المزارعين ويسرقوا الزيتون شرق رام الله    مقتل شخصين وإصابة ثمانية آخرين جراء هجمات روسية على منطقة خاركيف    الأمن يكشف حقيقة فيديو فتاة «إشارة المترو» بالجيزة    كنز من كنوز الجنة.. خالد الجندي يفسر جملة "حول ولا قوة إلا بالله"    نقابة الصحفيين تعلن بدء تلقى طلبات الأعضاء الراغبين فى أداء فريضة الحج    القوات المسلحة تدفع بعدد من اللجان التجنيدية إلى جنوب سيناء لتسوية مواقف ذوي الهمم وكبار السن    محافظ المنوفية يتفقد إنشاءات مدرسة العقيد بحري أحمد شاكر للمكفوفين    لأول مرة في جنوب سيناء.. افتتاح وحدة علاج الأورام والعلاج الكيماوي بمجمع الفيروز الطبي    المرشح أحمد حسام: "شرف كبير أن أنال ثقة الخطيب وأن أتواجد ضمن قائمته"    الزمالك يوضح حقيقة عدم صرف مستحقات فيريرا    كيف تتعاملين مع إحباط ابنك بعد أداء امتحان صعب؟    حسام الخولي ممثلا للهيئة البرلمانية لمستقبل وطن بمجلس الشيوخ    منح العاملين بالقطاع الخاص إجازة رسمية السبت المقبل بمناسبة افتتاح المتحف    رئيس الوزراء يستعرض الموقف التنفيذي لأبرز المشروعات والمبادرات بالسويس    مركز الازهر العالمي للفتوى الإلكترونية ، عن 10 آداب في كيفية معاملة الكبير في الإسلام    مصدر من الأهلي ل في الجول: فحص طبي جديد لإمام عاشور خلال 48 ساعة.. وتجهيز الخطوة المقبلة    حصاد أمني خلال 24 ساعة.. ضبط قضايا تهريب وتنفيذ 302 حكم قضائي بالمنافذ    هيئة الرقابة المالية تصدر قواعد حوكمة وتوفيق أوضاع شركات التأمين    د. فتحي حسين يكتب: الكلمة.. مسؤولية تبني الأمم أو تهدمها    تداول 55 ألف طن و642 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    موعد بدء شهر رمضان 2026 في مصر وأول أيام الصيام    مصرع شخص في حريق شقة سكنية بالعياط    بث مباشر الأهلي وإيجل نوار اليوم في دوري أبطال إفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأصولية الإسلامية والديكتاتورية
نشر في الأهرام اليومي يوم 08 - 08 - 2014

السياسة هي قاطرة الثقافة. كانت السنوات التي شهدت صعود الإخوان إلى السلطة بعد ثورة يناير، وإسقاطهم في انتفاضة يونيه 2013، لحظة «تنوير» جماهيرية هائلة،
تبنت فيها قطاعات واسعة من الشعب بشكل ضمني مبدأ فصل الدين عن السياسة. للمرة الأولى منذ أكثر من ستين عاما تتاح الفرصة لتجاوز الأصولية الإسلامية بعد أن كشفت عن إفلاس شامل، أخلاقي وسياسي وفكري. لم تكن لحظة «التنوير» الجماهيري هذه ممكنة طالما ظل نظام ثورة يوليو جاثما على أنفاس المجتمع والثقافة.
عادة يُنسب صعود التيار الإسلامي إلى عصر السادات، لأنه تحالف مع الإخوان، بأن أفرج عنهم، ثم سخّر إمكانيات الدولة من خلال الأجهزة الأمنية لتدعيم التيار الإسلامي ككل في مواجهة خصومه من الجناح اليساري للنظام، بعد أن أطاح به من السلطة فيما أسماه «ثورة التصحيح» في مايو 1971. واقع الأمر أن علاقة التحالف/ الصدام بين قوى الحكم المصري الديكتاتورية والأصولية الإسلامية قديمة وأساسية.
بصفة عامة، كانت علاقة التيار الأصولي بالقوى الديكتاتورية إشكالية دائما. منذ البداية تحالفت السراي الملكية وأحزاب الأقلية مع تنظيم الإخوان، ثم أتت لحظة الصدام: قَتَل الإخوان رئيس الوزراء النقراشي، ورد الملك بقتل حسن البنا. وبعد يوليو 1952، تحالف الإخوان مع الضباط الأحرار في فترة القضاء على الأحزاب وفرض الديكتاتورية، ثم أتى الصدام بسبب عدم الاتفاق على تقسيم كعكة السلطة. وأدّى التحالف في عهد السادات إلى اغتياله على أيدي تنظيم الجهاد المنبثق من التيار الإسلامي الذي رعاه. ومنذ أواخر التسعينيات، أخذ مبارك يواجه مشكلة صعود aالإخوان، الذين خدموا النظام لفترة في جهود المواجهة «الفكرية» للتيار الجهادي الذي كان يُكَفِّر الدولة ويواجهها بالسلاح.
هذه العلاقة الإشكالية بين الأصولية الإسلامية والديكتاتورية ليست عَرَضية، ولا سطحية قائمة على مجرد تبادل المنافع، بل ترجع إلى نوع من فلسفة ديكتاتورية مشتركة جعلت التحالف ممكنا، وجعلت هذا النوع من الحكم بمثابة المناخ الملائم لازدهار الأصولية. الفكرة الأصولية الإسلامية هي بطبيعتها فكرة ديكتاتورية، تختزل الإسلام إلى مقدمة قصيرة عن العقيدة، يترتب عليها مجموعة أوامر ونواهٍ واجبة الاتباع. وتجعل الدين في الأساس نظام حكم (وفقا لسيد قطب)، يقوم على فرض الأوامر والنواهي الإلهية، أو تطبيق «الشريعة». وبناء عليه يرى كل تنظيم أصولي نفسه مسئولا عن تحقيق ذلك فعليا، بتسخير الدولة للدعوة، وفرض الطاعة على الجميع. ويكمن الفارق بين التنظيمات الأصولية المختلفة في الوسائل التي تُعتبَر ملائمة لتحقيق هذا الهدف. فبينما رأت التنظيمات الجهادية أن ذلك يتحقق بقتال «الدولة الكافرة»، رأى الإخوان أنه يتحقق ب«خلق المجتمع المسلم» بالدعوة، قبل المطالبة بالحكم.
مثلما كان الإسلاميون يحلمون بالديكتاتورية لتحقيق مهمة «سامية» هي «تعبيد الناس لربهم»، كان نظام ثورة يوليو يهدف إلى تعليم الشعب «العزة والكرامة»، على حد تعبير عبد الناصر، وقيادته في «زحف مقدس» لتحقيق الأهداف الوطنية، وعزله عن التأثر ب«أعداء الشعب» المتآمرين عليه؛ الأمر الذي تطلَّب وفقا ل«فلسفة الثورة» حظر نقد النظام، بل وحظر إثارة أية قضايا تُحدِث «بلبلة» في الرأي العام؛ الأمر الذي يعني وضع خطوط حمراء مختلفة لا يجوز أن يتخطاها أحد، وتحديد النطاق المسموح به للاختلاف، وتحديد «حصة» لكل تيار من التيارات الأيديولوجية في أجهزة الإعلام وفي الثقافة. والنتيجة هي خلق جو مناسب تماما لصعود التيار الأصولي، الذي يوافق على كل هذه الإجراءات من حيث المبدأ، رافضا في نفس الوقت استعمالها في غير تحقيق أهدافه ونشر رؤاه الخاصة (الأمر الذي يؤدي إلى الصدام). بل يمكن القول بأن الديكتاتورية لا تلبث أن تضفي طابعها السلطوي على كافة التيارات الفكرية في المجتمع وتصبغها بصبغتها، لتحول صراعاتها من صراعات فكرية إلى اتهامات متبادلة بالخيانة والعمالة وبالخروج على «ثوابت الأمة» وما إلى ذلك.
أدت لحظة انتصار السادات إلى زيادة تعقيد هذه العلاقة بين الديكتاتورية والأصولية. كان النظام المصطلح عليه ب«الناصري» منقسما أصلا بين تيار بيروقراطي- يساري، وتيار محافظ- إسلامي، كان ممثلا طيلة الوقت داخل النظام، بل وأنتج وثيقته الخاصة، المسماة «تقرير الميثاق»، وهي عبارة عن تعقيب رسمي على الميثاق - الوثيقة الأيديولوجية الرئيسية للنظام في الستينيات - من وجهة نظر محافظة/ إسلامية مشتركة. ولم تكن «ثورة التصحيح» سوى لحظة انتصار هذا الجناح الأخير، ليصبح التيار الإسلامي (داخل النظام وخارجه) شريكا، منذ هذه اللحظة، مع القوى المحافِظة اجتماعيا في السلطة، في إطار هيمنة الأجهزة الأمنية.
في هذه الشراكة كانت الأصولية هي التي تقدم الغطاء الأيديولوجي لنظام يفتقر إلى هذا الغطاء بطبيعته.
لذلك، لم يؤد الصدام بين النظام والإسلاميين في عهدي السادات ومبارك إلى تغير وجهة النظام، بل إلى تنافسه على الشرعية الإسلامية مع القوى الأصولية. في البداية، اعتمد النظام على الإخوان وعلى الأزهر في «تكفير» الجماعات الجهادية التي كفّرت النظام ونادت بإسقاطه بالقوة. وبعد هزيمة الجماعات الإرهابية، واجه النظام الإخوان بمحاولة تخليق خطاب شرعية إسلامية للنظام، فزادت الجرعة الإسلامية في الإعلام، وجرت أسلمة فجة لمناهج الدراسة، مقابل محاولة «تطهير» التعليم من الموالين مباشرة للإخوان أو لغيرهم من الجماعات التي اعتُبرت خطرا على النظام. ولم يكن أعضاء الحزب الوطني في البرلمان يختلفون في رؤيتهم الأصولية المحافظة كثيرا عن الإخوان، بل ظهرت عليهم كافة أعراض الأصولية الإسلامية، من كراهية تقديم أي حقوق للمرأة إلى المساهمة بقوة في تجريم الفكر الحر. وهكذا ظل النظام ملتزما بإطار الأصولية، غير قادر على تجاوزها. ومع ضعف شرعية النظام بشكل متزايد، أفسح النظام فعليا المجال للجماعة «المحظورة»، فأتاح لها وجودا علنيا شَمِل مقرا معروفا لمكتب الإرشاد وصولا إلى إدلاء أعضائه بالأحاديث في الصحف، ومشاركتهم في عضوية البرلمان، إلخ.
في هذا السياق السياسي السلطوي- الأصولي، لم يتوافر للتنوير والإصلاح الديني إلا مجال ضيق محكوم بآليات النظام السلطوية، وبشرعيته المعرّضة لابتزاز الأصولية. لم تكن المشروعات الثقافية التي رعاها النظام لموازنة هيمنة الخطاب الأصولي قادرة على تعديل الموازين فعليا، بل كانت مقيدة بالمحظورات المختلفة التي التزم بها النظام في التعامل مع التيار الأصولي. اكتفى التنوير المدعوم حكوميا بترديد مقولات التنوير، مقلصا إطار المواجهة مع الأصولية إلى أقصى حد. فمثلا لجأ في سلسلة كتب بعنوان «المواجهة» إلى القتال بالموتى، فنشر نصوص التنويريين القدماء الذين كتبوا في النصف الأول من القرن العشرين، بل وحذف مقاطع منها لعجزه عن الدفاع عن هذا التراث. وبفعل الارتباط بالسلطة، المفلسة إيديولوجيا والمتراجعة في أدوارها الاجتماعية، اكتفى معظم النقد «التنويري» بإلقاء اللوم على البترودولار وعلى الثقافة الصحراوية وعلى المؤامرة الأمريكية، أو حتى على السادات وسياساته، وكأنها سياسة جاءت من محض مزاجه الشخصي. وباختصار انتقدوا أي شيء عدا النظام نفسه وعلاقته المعقدة بالأصولية. واقع الأمر أن أية جهود تنويرية فعالة أتت من خارج إطار النظام ومن ناقدين كبار له، مثل نصر حامد أبو زيد وخليل عبد الكريم.
لا يوجد ولا يمكن أن يوجد «تنوير» سلطوي. فقط بفعل لحظة ثورة يناير- يونيو وما بثته من حيوية مجتمعية، انفتح الباب لمواجهة حقيقية للأصولية، تتخطى «الخطوط الحمراء» القديمة، وتعيد فحص المسلمات العقائدية والفقهية الأصولية. تظل السياسة هي قاطرة الثقافة.
لمزيد من مقالات د. شريف يونس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.