هذه المدينة على موعد دائم مع التاريخ، فهى إما شاهدة عليه أو صانعة له، وتكاد تكون حاضرة فى كل الأحداث الكبرى فى تاريخ مصر الحديث. أتحدث عن مدينة الإسماعيلية التى عاشت أمس الأول يوما جديدا للتاريخ، وهو للمفارقة يوم متصل برغم فارق الزمان ومكمل لهذا اليوم الذى أقيم فيه احتفال أسطوري، على ضفاف بحيرة التمساح، حضره الملوك والملكات من أوروبا، لافتتاح قناة السويس فى 18 نوفمبر عام 1869، ويعتبر هذا التاريخ هو بداية ميلاد هذه المدينة فى العصر الحديث، التى أصبحت بعدها بوابة مصر الشرقية. ما بين يومى 18 نوفمبر 1869، و5 أغسطس 2014 عندما أعطى الرئيس عبدالفتاح السيسى إشارة بدء تنمية محور إقليم قناة السويس، ووقع وثيقة حفر قناة ثانية جديدة، فى احتفال أقيم أيضا على ضفاف بحيرة التمساح، كما أقيم احتفال الافتتاح الأول للقناة، عاشت الإسماعيلية أياما كثيرة للتاريخ، فكانت حاضرة فى كل صراعات مصر وحروبها، من أجل استقلالها وتحرير أراضيها وسيادتها، وها هى فى هذا اليوم الجديد للتاريخ تنتظر نهضة اقتصادية وعمرانية تستحقها بعد سنوات نضالها الطويل. ويبدو أن التاريخ قد عشق هذه المدينة الصغيرة، فقرر ألا يغادرها، منذ أن ولدت من زواج بين مئات آلاف المصريين وأرض حفروها بسواعدهم ودمائهم وأرواحهم، كان الميلاد مبهرا ويشكل إعجازا، فرض على التاريخ أن يغير من دورته ليجد له مكانا دائما هناك. أريد أن أحدثكم عن التاريخ من خلال مدينتى الإسماعيلية التى أحبها كثيرا، وأشتاق إليها كثيرا وأزهو بها كثيرا. * مدينة التمساح : الإسماعيلية إحدى مدن القناة، وهى عاصمة محافظة الإسماعيلية، أقيمت على الضفة الغربية من بحيرة التمساح، والتى تعتبر جزءا من ممر قناة السويس وهى تقريبا تقع فى منتصف المسافة بين بورسعيد شمالا والسويس جنوبا، لكى تكون مركزا لشركة قناة السويس الدولية للملاحة فى عصر الخديو إسماعيل، أما عن نشأة الإسماعيلية فى العصر الحديث، فقد تأسست رسميا فى عهد سعيد باشا، حيث تم وضع حجر الأساس لمدينة التمساح فى 27 ابريل 1862، وسميت بهذا الاسم لوقوعها يومئذ على شاطئ بحيرة التمساح، وفى الرابع من مارس 1863 أقيم حفل كبير من قبل شركة القناة الفرنسية، حيث أطلق اسم الإسماعيلية، على المدينة نسبة الى الخديو إسماعيل حاكم مصر فى هذا الوقت، وفى يناير 1960 صدر القانون رقم 24 لسنة 1960 بإنشاء محافظة الإسماعيلية. * موسى خرج من هنا: أما تاريخيا فترجع نشأة الإسماعيلية الى عصر ما قبل الأسرات، حيث كانت المقاطعة الثامنة فى مقاطعات إقليم مصر السفلي، وكانت من أكبر المقاطعات فى هذا العصر وعاصمتها تسمى «برأتوم» بمنطقة تل المسخوطة (مدينة أبوصوير حاليا). وقد سار على أرضها من الأنبياء إبراهيم عليه السلام، ويوسف وأخوته وأبوهم يعقوب عليه السلام، كما شهدت خروج سيدنا موسي، ورحلة العائلة المقدسة، ودخول عمرو بن العاص الى مصر. * باريس الصغري: تعتبر مدينة الإسماعيلية من أحدث المدن المصرية، إذ نشأت مع افتتاح قناة السويس عام 1869، ولاتزال بعض أحيائها وشوارعها على النسق الفرنسي، وبشكل خاص فى هندسة وتقسيم المدن والتخطيط العمراني، وهى تعكس الى اليوم ملامح مشروع الخديو إسماعيل لتحديث مصر، ولهذا السبب أطلق عليها لقب «باريس الصغري». وكانت المدينة حتى جلاء قوات الاحتلال الانجليزية عام 1956 مقسمة الى الحى العربى والحى الغربى «الافرنجي»، وكان الحى العربى هو الذى يسكنه المصريون الذين شاركوا فى حفر قناة السويس وترعة الاسماعيلية، واشتهر ببطولات المقاومين المصريين ضد الاحتلال الانجليزى والفرنسى فى المدينة، وكان الحى الافرنجى مصمما على النمط الفرنسي، وقد سكن هذا الحى الأجانب من الجنسيات المختلفة وقادة شركة قناة السويس. وتشتهر الاسماعيلية بكثرة الحدائق والمتنزهات الطبيعية وبيئتها النظيفة، كما تشتهر بزراعة الفواكه خاصة المانجو، وأيضا بفريق الإسماعيلى لكرة القدم الذى يطلقون عليه برازيل الكرة المصرية، وتشتهر بفن السمسمية. * وجود عادل للتاريخ : وعندما تتجول فى شوارع الإسماعيلية ستجد وجودا عادلا للتاريخ، فهناك تماثيل لكل زعماء مصر الوطنيين، كما أن هناك تمثالا للخديو إسماعيل مؤسس الإسماعيلية، وإلى جواره تمثال الفلاح المصرى الذى حفر قناة السويس، وأيضا هناك متحف فردنياند ديلسيبس المهندس الذى حصل على امتياز حفر قناة السويس من الخديو إسماعيل، وفى المتحف نموذج للدعوة الأصلية التى وجهت للملوك لحضور حفل افتتاح قناة السويس، وفى الإسماعيلية طريق حورس الحربى الذى يمتد من القنطرة شرق حتى رفح المصرية. * مدينة أفروآسيوية والإسماعيلية هى واحدة من مدينتين فى العالم تقع فى قارتين، فهى مدينة أفروآسيوية، فالقسم الغربى منها يقع فى قارة إفريقيا، والقسم الشرقى منها يقع فى آسيا، أما المدينة الثانية فهى مدينة اسطنبول التركية التى تقع فى قارتى آسيا وأوروبا. إنها مدينة فريدة فى كل شئ: التاريخ والموقع والثراء الحضاري، وهى مدينة جبلت على النضال والمقاومة، فخاضت كل معارك مصر بصدر مفتوح وبسالة، وكان رجال المقاومة من أبنائها، فى مقدمة الصفوف دفاعا عن شرف وكرامة مصر.