بورسعيد مدينة تحيطها المياه إلا القليل منها , البحر المتوسط شمالاً, وبحيرة المنزلة فى الجنوب الغربى, وتخترقها قناة السويس, وتجاورها العديد من محافظات مصر: شمال سيناءودمياط والشرقية والدقهلية, وتقع فى وسط تقاطع طرق العالم القديمة والحديثة, وكانت نشأتها بهدف خدمة النقل البحرى العالمى, وتاريخها يسبح فى بحور عميقة, فهى مدينة بر آمون, أى «مدينة الرب آمون» وأقام اليونانيون ضاحية بها أطلقوا عليها «بيلوز» ,تشمل منطقة واسعة تمتد حتى الفرما التاريخية بشمال سيناء,التى كانت حصونها مقبرة للغزاة عبر العصور . الدكتور عبد الرحيم ريحان - مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بوجه بحرى وسيناء- قال ل «فيتو»: بورسعيد القديمة حظيت بشهرة واسعة فى صناعة الفخار، وأدوات الزينة، والأقمشة الكتانية لتصدرها إلى روما وأثينا وقبرص وكريت والشام, ومن شدة إعجاب نابليون باسم «بيلوز» أطلقها على أول عالم من علماء الحملة وهو الكونت دى بيلوز ، وبورسعيد اسم مركب من كلمتين: «بورت» وتعنى بالإنجليزية ميناء, و«سعيد» اسم الخديو محمد سعيد باشا الذي امر بحفر وإنشاء قناة السويس . ويضيف ريحان: إن ديليسبس جاء يوم 25 أبريل 1859 ورفع العلم المصرى على بورسعيد, برفقة 150 رجلا من البحارة والفنيين من قرى دمياط وفارسكور, ومن خارج مصر أيضاً, وقال كلمته الشهيرة: «باسم شركة قناة السويس العالمية البحرية وتنفيذاً لقرار مجلس إدارتها نضرب أول معول فى هذه الأرض لنفتح أبواب الشرق لتجارة الغرب وحضارته عن طريق مدخل الشرق», وقال للعمال المصريين « اذكروا أنكم بهذا لن تحفروا الأرض, ولكن ستجلبون الرخاء لأسركم وبلادكم», وبدأت اللبنة الأولى فى بناء بورسعيد بعد أن أقامت الشركة العشش لإقامة السكان فى قرية العرب, ثم نشأ حى الإفرنج الشرقى,وامتد غرباً لحى المناخ , وشرقاً لحى بورفؤاد بسواعد أهلها, ورغم ندرة الموارد الاقتصادية لسكانها إلا أنهم صارعوا البحر وواجهوا أعتى الظروف ونهلوا من خيرات البحر . ويؤكد ريحان أن بورسعيد تضم العديد من المواقع الأثرية والسياحية , منها قاعدة تمثال ديليسبس في مدخل قناة السويس (امتداد شارع فلسطين)ومبنى هيئة قناة السويس (بشارعي مصطفى كامل والجمهورية) ويشرف على قناة السويس, وقد بنى مع افتتاح القناة لخدمة الملاحة الدولية والنصب التذكارى (أمام مبنى المحافظة) تخليداً لذكرى الشهداء فى كل المعارك, وفنار بورسعيد القديم يعتبر أول بناء مشيد بالخرسانة فى العالم عام 1869فى عهد الخديو إسماعيل, لإرشاد السفن المارة بقناة السويس والتى افتتحت فى نفس العام بعد أسبوع من بناء الفنار, وجزيرة ابن سلام فى بحيرة المنزلة ,ومتحف بورسعيد القومى بجوار ديليسبس عند التقاء قناة السويس بالبحر المتوسط, ومتحف بورسعيد الحربى بشارع 23 يوليو «أنشئ عام1964» ويؤرخ لانتصار شعب بورسعيد على العدوان الثلاثى 1956, ويضم بعض مقتنيات مخلفات حروب 1956، 1967، 1973 واستعراض لتاريخ حفر قناة السويس وتأميمها, ومتحف النصر للفن الحديث بشارع 23 يوليو - ميدان المسلة ويضم العديد من الأعمال الفنية لكبار فنانى مصر فى الفنون التشكيلية من نحت وتصوير ورسم وجرافيك وخزف وافتتح فى 25 ديسمبر 1995. ويضيف ريحان : فى الفترة من 1859 إلى 1902 عمل سكانها فى التموين بالأغذية والوقود والمياه والبحارة والمستلزمات الطبية والهندسية والميكانيكية وإصلاح السفن والتوكيلات الملاحية وأعمال الشحن والتفريغ, ومع بداية قيام المنطقة الحرة الأولى فى مصر والعالم العربى لخدمة تجارة العبور والتجارة الدولية ارتبطت حرفة السكان حول الميناء بالحرف والمهن اليدوية , وفى الفترة من 1903 إلى 1930 هاجر إليها المصريون من دمياط والدقهلية والشرقية وصعيد مصر ليشكلوا نواة سكانها, وبعد عدوان 1956 ونكسة 1967 قتلت بور سعيد نفسياً واقتصادياً, وعانى سكانها المشاكل الاجتماعية والاقتصادية, وهاجروا لوادى النيل, تاركين منازلهم وممتلكاتهم وذكرياتهم, وبعد انتصار أكتوبر 1973عادت اليها الحياة من جديد, وخلقت أنشطة اقتصادية جديدة, وطبق عليها نظام المنطقة الحرة فى أول يناير 1976, بتعديل القوانين الجمركية. ويؤكد ريحان أن بور سعيد متحف معمارى مكشوف يشمل كل بورسعيد, ويعد خليطاً من أروع الطرز المعمارية لدول البحر المتوسط أبدعها معماريون فرنسيون وإيطاليون وإنجليز ويونان, لتشمل مجموعة فريدة من المبانى التاريخية, لتنوع الجاليات التى تقطنها, وأن اختيار موقع مدينة بورسعيد ونشأتها كان له أثر بارز في تنوع طرزها المعمارية, فقد عقدت اللجنة الدولية الخاصة بمشروع حفر قناة السويس اجتماعاً فى 25 ابريل عام 1859، واتخذت عدة قرارات كان من أهمها إنشاء ميناء ومدينة بورسعيد, وقد أشرف علي اختيار هذا الموقع المهندس الفرنسى « فرديناند ديليسبس « ومسيو «موجيل « المدير العام للأشغال، و مسيو «لاروش « وغيرهم من رؤساء المشروع والوكلاء, بالاضافة الي 150 شخصا من البحارة والسائقين والعمال, وقد أشرفت على جميع أعمال التخطيط و التنظيم الخاصة بمدينة بورسعيد شركة قناة السويس بناء علي اتفاق بين الخديو إسماعيل وديليسبس, لذلك كانت مدينة بورسعيد ذات طابع أوروبى خالص فى تخطيطها وتنظيمها على نسق المدن الفرنسية.