شاركت فى موسوعة العلامة الدكتور عبد الوهاب المسيرى رحمه الله بالبحث والكتابة عن الإرهاب والمجازر الصهيونية. كما ساعدته لاحقا فى كتابه «الصهيونية والعنف من بداية الاستيطان الى انتفاضة الأقصي» الصادر عام 2001 . وكلما ارتكبت إسرائيل المزيد من المجازر أشعر بمدى الحاجة الى متابعة واستكمال هذا الجهد. وكذا بخسارة إن عملا بأهمية وضخامة «موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية» وقد صدرت من القاهرة فى عام 1999 لم يتحول الى مؤسسة بحثية مستمرة ومستقرة مفتوحة على تطورات الحاضر والمستقبل. ومع مجريات العدوان الإسرائيلى الجديد على قطاع غزة عدت الى صفحات الموسوعة و الكتاب والى ذكرى حوارات مع الدكتور المسيرى عن الإرهاب الصهيوني. والآن يمكننى أن الاحظ أن ضحايا الإرهاب الصهيونى فى هذا العدوان لا يفوق فقط من سقطوا شهداء وجرحى فى الحربين السابقتين على غزة ديسمبر 2008 / يناير 2009 و نوفمبر 2012. بل يتجاوز ست مرات ضحايا مجزرة «دير ياسين 1948» الأشهر فى تاريخ الإرهاب الصهيوني، والذين يقدر عددهم بنحو 260 شهيدا. بل إن متوسط ضحايا هذا الإرهاب فى الاسابيع الثلاثة الأولى من عدوان غزة الأخير هو اكثر من 400 شهيد فى الأسبوع الواحد. وواقع الحال اننا أمام نمط من إرهاب دولة إحتلال يرتكبه جيش نظامى مدجج بأحدث الاسلحة الأمريكية. ويقوم على سلسلة من المجازر المتتالية بشكل مكثف وفى واحدة من أكثر مناطق العالم اكتظاظا بالسكان. وهم فى غالبيتهم أبناء وأحفاد اللاجئين ضحايا التهجير الى القطاع إثر مجازر العصابات الصهيونية (الهاجاناه واتسل وليحي) مع إقامة اسرائيل عام 1948. وهى العصابات التى شكلت قوام تأسيس الجيش النظامى الاسرائيلى المسمى دعائيا«جيش الدفاع». وقد ظل يحمل فى ممارساته داخل فلسطينالمحتلة وحولها وخارجها طابع هذه العصابات وتراثها الاجرامى العدواني، بما فى ذلك مهاجمة المنازل وتدميرها وقتل عائلات بأكملها. والهجوم المتكرر بالطائرات والمدفعية على ذات الاحياء والمخيمات السكنية فى قطاع غزة يؤكد استمرار الطابع الإبادى للإرهاب المؤسس على العقيدة الصهيونية العنصرية القائمة على مقولة أيديولوجية مركزية هى أن «فلسطين أرض بلا شعب» . ولأن التاريخ والواقع ليس هكذا أبدا فإن الإرهاب هنا ليس إلا محاولة تلو أخرى للقفز على المسافة بين أوهام الأيديولوجيا و حقائق الواقع .ولذا تجد هذه العقيدة تحديا يجن له جنونها فى أى نوع من مقاومة هذا الشعب للإحتلال الاستيطانى الاحلالي. ولأن هذه المقاومة هى تأكيد لوجود الشعب الفلسطينيى وعلى أنه صاحب الأرض و تهديد لجاذبية الكيان الاستعمارى الاستيطانى للمهاجرين اليهود.وربما يفسر لنا هذا حالة عدم التناسب فى استخدام القوة و استهداف المدنيين الفلسطينيين فى القطاع على هذا النحو فى حين تتركز خسائر إسرائيل فى عسكريين تستهدفهم هجمات المقاومة. ويأتى تعقب المدنيين الفلسطينين الذين فروا من بيوتهم طلبا للأمان فى مدارس الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) بالمجازر العديدة المتلاحقة كى يؤكد سلامة النموذج التفسيرى المشار اليه فى الفقرة السابقة. كما يعيد استهداف مدارس الأممالمتحدة فى القطاع الى الأذهان مجزرة قانا عام 1996 حين قصف الجيش الاسرائيلى مقر وحدة قوات الطوارئ الدولية التى لجأ إليه المدنيون اللبنانيون. وفى كل الحالات فإن هذا الخرق الإسرائيلى للقانون الدولى والعدوان على منشآت الأممالمتحدة قابل للتكرار طالما تمتعت تل أبيب بحماية الفيتو الأمريكى فى مجلس الأمن. وهو امتياز يعيدنا الى حقائق الصراع العربى الصهيونى بوصف إسرائيل ظاهرة استعمارية غربية. ويعود الفضل فى اقامتها واستمرارها فى منطقتنا الى رعاية مراكز هذا الاستعمار. تاريخ الارهاب الصهيونى أيضا يفيد بأن قطاع غزة كان هدفا لمجازر الجيش الإسرائيلى قبل تأسيس حركة حماس عام 1988 .وفى موسوعة المسيرى رصدنا ست مجازر على الأقل وقعت هناك بين عامى 51 و1956. هذا وقتما كان القطاع تابعا للإدارة المصرية. و أيضا حين لم يكن هناك لا «حماس» ولا حتى «فتح». وربما يدعونا كل ما سبق الى افتراض أننا إزاء موجة جديدة من الإرهاب الصهيونى علينا أن نبحث عن أسبابها الحقيقية فى طبيعة هذا الارهاب نفسه وفى منطلقاته العقائدية الصهيونية .وأيضا فى فشل مسار «أوسلو» ومفاوضات حل الدولتين على وقع الاستيطان اليهودى فى الضفة الغربية بالأساس، وفى مستقبل الأغلبية اليهودية داخل فلسطينالمحتلة عام 1948 مما يجعل حل الدولة الديموقراطية المدنية حتما على انقاض العقيدة الصهيونية ويهودية الدولة. وربما يصح القول بأن عنوان رسائل العدوان الجديد على غزة متعدد المجازر هو فى النهاية إرهاب فلسطينيى الضفة و48 . وخصوصا إذا ما لاحظنا كم التساؤلات والتوقعات فى الإعلام الإسرائيلى والغربى قبل أسابيع عن اقتراب اندلاع انتفاضة ثالثة. فمع الإعلان هذا الصيف عن فشل مفاوضات حل الدولتين بدا وكأن مغامرة «أوسلو» بلغت فصل الختام .تماما مثلما كانت عليه الأجواء مع فشل مفاوضات «كامب ديفيد» قبيل خريف 2000. فكانت الانتفاضة الثانية. ولعلنا نتذكر هنا ما قاله عن اتفاقات «أوسلو» مهندسها على الجانب الفلسطينى «أبومازن» فى تقرير قدمه عام 1993 الى المجلس المركزى لمنظمة التحرير: «هذا الاتفاق يحمل فى باطنه دولة مستقلة أو يحمل تكريس الاحتلال». والأكيد أن الاتفاقات لم تنته بعد أكثر من عشرين سنة لا خمس سنوات هو تاريخ صلاحيتها فى الوثائق الى الدولة. فهل بإمكان شعب كالشعب الفلسطينى وفى القرن الحادى والعشرين القبول بتكريس الاحتلال؟. لمزيد من مقالات كارم يحيى