يعرض لبعض الناس أن يفطر في رمضان من عذر أو غيره، فيلزمه في هذه الحالة أن يقضي ما أفطره منه في عدة من أيام أخر غير شهر رمضان, ولكن قد يؤخر من يريد القضاء قضاء ما أفطره منه حتى يدخل عليه رمضان آخر، إذا استمر قيام عذره الذي رخص له في الفطر, أو قام به عذر آخر مرخص في الفطر، أو أخر قضاءه من غير عذر, وقد اتفق الفقهاء علي جواز تأخير قضاء ما أفطر من رمضان ما لم يدخل رمضان آخر، لحديث عائشة قالت: « كان يكون عليَّ الصيام من شهر رمضان، فما أقضيه حتى يجيء شعبان «، كما اتفقوا علي أن من أخر قضاء ما أفطره من رمضان حتى دخل رمضان آخر من عذر، فإنه لا يلزمه إلا القضاء، واختلفوا في وجوب الفدية علي من أخر قضاء ما أفطره من رمضان بغير عذر حتى دخل عليه رمضان آخر، فذهب فريق من الفقهاء إلي أنه لا يلزمه إلا القضاء فقط، ولا فدية عليه، لقول الله تعالي: « فمن كان منكم مريضا أو علي سفر فعدة من أيام أخر «، حيث أوجبت الآية قضاء ما أفطر من رمضان من غير تعيين زمان بعينه لقضائها، ولم يرد في الآية ذكر للفدية، فلم تكن واجبة حال قضاء الصيام في زمان معين دون غيره، ومذهب جمهور الفقهاء أنه يلزمه فدية عن كل يوم أخر قضاءه، قال بعضهم: إنها مد من طعام، وقال البعض الآخر: إنها مدان منه، ( والمد يعادل 540 جراما )، ومما استدل به هؤلاء: ما روي أن النبي قال في رجل مرض في رمضان فأفطر، ثم صح ولم يصم حتى أدركه رمضان آخر: « يصوم الذي أدركه، ثم يصوم الشهر الذي أفطر فيه، ويطعم كل يوم مسكينا «، والحديث صريح في إيجاب الفدية علي من أخر قضاء رمضان حتى دخل عليه غيره، إلا أن هذا الحديث ضعفه المحدثون, ومنهم من ذكر أنه لم يثبت إيجاب فدية في تأخير قضاء ما أفطر من رمضان من طريق صحيح, ومن ثم فإن الراجح هو عدم وجوبها، لإطلاق الآية التي أوجبت القضاء، حيث لم توجبه في زمان بعينه، ولم تُلزم بفدية حال تأخيره عن ذلك، ولأن الفدية غرامة مالية لم يرد نص عن الشارع بإيجابها، فلا تكون واجبة، ووفقا لمذهب من أوجبوها لا تتكرر فدية تأخير القضاء عند بعضهم بتكرر السنين التي مضت علي من أفطر دون قضاء، حيث لا يلزمه إلا فدية واحدة عن كل يوم أفطره مهما مضى عليه من سنين دون قضاء، لأن كثرة التأخير لا يزاد بها الواجب، ويري البعض أن الفدية تتكرر بتكرر السنين، فيجب عن كل سنة مد من طعام، وقد رجحت قبلا مذهب من يري عدم وجوب الفدية في تأخير قضاء ما أفطر من رمضان حتى دخل رمضان آخر، ومن ثم فإنني لا أري وجوبها أصلا, فضلا عن وجوب تكرارها بتكرر السنين التي مضت علي من يقضي أيام فطره من رمضان، لعدم وجود نص موجب لها علي من أخر القضاء، والأصل براءة الذمة من وجوب شيء آخر غير قضاء ما أفطر من رمضان، فيعمل بهذا الأصل إلي أن يثبت ما ينقل عنه إلي غيره، وهذا الناقل غير ثابت ولا موجود أصلا.