ليلة القدر هي ليلة عظيمة تأتي مرة واحدة في العام، فضلها الله على سائر الأوقات، كما فضل الأنبياء بعضهم على بعض، ففضل أيضاً الأزمنة بعضها على بعض، فهي ليلة يعم فيها الهدوء والروحانيات، تتنزل فيها الرحمات على من يشاء الله من عباده، قال الله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ«1» وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ «2» لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ«3» تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ«4» سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مطْلَعِ الفجر)، ليلة لها قدر عظيم، وأخبر القرآن أنها خير من ألف شهر، وهي ليلة الشرف العظيم، ليلة الخير والبركة، ليلة السعادة والهدوء والنور والراحة، ليلة العتق للطائعين، وليلة الفوز للفائزين، ليلة الرحمة تتزين فيها السماء، وتضئ فيها الأرض وتفتح فيها أبواب السماء للمقبولين، من رزق الله القبول في هذه الليلة سعد ولم يشق بعدها أبدا، أنزل الله فيها القرآن الكريم جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، وقال تعالى: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ). وأكد علماء الدين أن العبادة في ليلة القدر خير من ألف شهر، وأن أفضل دعاء يقال فيها هو « اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفي عني» ، باعتبار أنها ليلة العفو والمغفرة من قبل الله تعالي . ويقول الدكتور صابر أحمد طه عميد كلية الدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف، إن لهذه الليلة شأنا عظيما عند الله عز وجل، بدليل أنها لها سورة مستقلة بذاتها، ويقول النبي، صلى الله عليه وسلم ( تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان) وأيضاً قال صلى الله عليه وسلم: ( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غٌفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري، أي أن العمل الصالح فيها يكون ذا قدر عند الله خيرًا من العمل في ألف شهر، ومن حصل له رؤية شيء من علامات ليلة القدر يقظة فقد حصل له رؤيتها، ومن أكثر علاماتها لا يظهر إلا بعد أن تمضى، مثل: أن تظهر الشمس في صبيحتها لا شعاع لها، ليست بحامية، أو أن ليلتها تكون معتدلة ليست باردة أو حارة، ومن اجتهد في القيام والطاعة وصادف تلك الليلة نال من عظيم بركاتها فضل ثواب العبادة تلك الليلة، وعن عبد الله بن أنيس أنه قال: (يا رسول الله، أخبرني في أي ليلة تبتغى فيها ليلة القدر، فقال: «لولا أن يترك الناس الصلاة إلا تلك الليلة لأخبرتك)، ففيها أنزل القرآن وفيها يفرق كل أمر حكيم أي كل أمر مُبْرَم أي أنه يكون فيها تقسيم القضايا التي تحدث للعالم من موت وصحة ومرض وغنى وفقر وغير ذلك مما يطرأ على البشر من الأحوال المختلفة من هذه الليلة إلى مثلها من العام القابل، ثم قال الله : (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) فليلة القدر سلام وخير على أولياء الله، وأهل طاعته المؤمنين ولا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءًا أو أذى لمخلوق على الأرض، وتدوم تلك السلامة حتى مطلع الفجر، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (قلت يا رسول الله إن علمت ليلة ما أقول فيها؟ قال: قولي: (اللهم إنك عفوّ تحب العفوَ فاعفُ عنّي)، وهذا أفضل دعاء فيها . وأضاف: وقد أفاض أهل العلم في أسباب تسميتها، فمنهم من قال (سميت ليلة القدر من القدر وهو الشرف كما تقول فلان ذو قدر عظيم ، أي ذو شرف، وأيضا (أن الله تعالى يقدر فيها ما يكون في تلك السنة، فيكتب فيها ما سيجري في ذلك العام)، وهذا من حكمته عز وجل، وقيل (إن للعبادة فيها قدرا عظيما لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غٌفر له ما تقدم من ذنبه)، وقوله تعالى: (فيها يفرق كل أمر حكيم). وقت ليلة القدر ويقول الدكتور سعيد عامر أمين عام اللجنة العليا للدعوة الإسلامية، إن ليلة القدر يشرح الله فيها صدور المؤمنين، فيدخل الله عليهم في هذه الليلة طمأنينة القلب، وانشراح الصدر، وتكون الرياح فيها ساكنة، وهناك حديث عن أبي بن كعب أنه قال: أخبرنا النبي، صلى الله عليه وسلم، (أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها)، ومعنى القدر التعظيم، أي أنها ذات قدر، والذي يحييها ذو قدر، وقيل: القدر التضييق، ومعنى التضييق فيها: إخفاؤها عن العلم بتعيينها، ويضيف، إن وقتها يكون في الأوتار منها بالذات، أي ليالي : إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين) وكذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما ( إنها ليلة سبع وعشرين ) واستنبط ذلك استنباطاً عجيباً من عدة أمور، فقد ورد أن عمر رضي الله عنه جمع الصحابة وجمع ابن عباس معهم وكان صغيراً فقالوا : إن ابن عباس كأحد أبنائنا فلم تجمعه معنا؟ فقال عمر: إنه فتى له قلب عقول، ولسان سؤول، ثم سأل الصحابة عن ليلة القدر، فأجمعوا على أنها من العشر الأواخر من رمضان، فسأل ابن عباس عنها، فقال : إني لأظن أين هي، إنها ليلة سبع وعشرين، فقال عمر: وما أدراك؟ فقال : إن الله تعالى خلق السموات سبعاً، وخلق الأراضين سبعاً، وجعل الأيام سبعاً، وخلق الإنسان من سبع، وجعل الطواف سبعاً، والسعي سبعاً، ورمي الجمار سبعاً، فيرى ابن عباس أنها ليلة سبع وعشرين من خلال هذه الاستنباطات، وكأن هذا ثابت عن ابن عباس، وهذا ليس عليه دليل شرعي، فلا حاجة لمثل هذه الحسابات، ، ولكن ليس دائما، فقد تكون أحيانا ليلة إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين، لقول النبي، صلى الله عليه وسلم إنها في ليلة وترية من العشر الأواخر، يحدد فيها مصير ومستقبل الأمة لعام قادم، وتنسخ الآجال، وعلى الإنسان أن يحرص علي أن يكون فيها ذاكرا لله ومسبحا له وقارئاً للقرآن وداعيا لله عز وجل، والله أعلى وأعلم.