شهر رمضان له مكانة خاصة في قلوب الكبار والصغار، والرجال والنساء، فهم ينتظرونه بشوق كبير ، ينقل الإنسان من حالة إلى حالة جديدة، ومن بيئة إلى بيئة مختلفة، ومن نقص إيماني إلى شحنة كبيرة من الإيمان، والكل يستعد له بطريقته ، منهم من يبدأ بوضع الفوانيس والزينة، ومنهم من يشترى مختلف الأطعمة والمشروبات الخاصة، بهذا الشهر، ومنهم من يهيئ نفسه للطاعة وتزويد الشحنة الإيمانية، للخروج فائزا من هذا الشهر بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، تمتلئ المساجد بصفوف المصلين، رجالا ونساءً وأطفالاً وشيوخاً، تتنزل عليهم الرحمات في مجالس الذكر والصلاة والقرآن، فيستشعر الإنسان هذه الرحمة عن سائر الشهور في قلبه، لأداء شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام. ويقول الدكتور عبدالله بركات الأستاذ بكلية الدعوة جامعة الأزهر، إن شهر رمضان نستشعر فيه هذه الرحمة ونتلمسها بقلوبنا وهى رزق من الله عز وجل يبسطه لنا فى هذا الشهر المعظم، وكل إنسان له حظه من هذه الرحمات، وهناك رحمة عاجلة ورحمة آجلة، أما الرحمة العاجلة، فيعطيها الله لعباده فى الدنيا وهى تتمثل فى محبة الناس للعبد الصالح، وتذوق طعم الإيمان، وفى صحته، والاستمتاع بالحياة من فرح أو سرور، وعافية فى الأبدان وشفاؤها ونور الأبصار وضياؤها، كلها نعم ورحمات من الله، وقال الله تعالي: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُون)، وهذا أمر من الله أن يفرحوا بفضله ورحمته، وحينما يستشعرون لذة هذه الرحمة يرون غيرهم بائسا متحيراً غير سعيد، ولذلك يكونون فرحين بما أتاهم الله من رحمته، ومن رحمة الله على عباده أيضا قبول التوبة والعفو عن كل عاص، وأيضاً إرسال الرسل وإنزال الكتب السماوية، وثواب المؤمن الصابر، وكلها رحمات شاملة للناس فى الدنيا، وخاصة بالمؤمنين فى الآخرة، ولا ينسى المؤمن أن الرحمة جاءت من أسماء الله الحُسنى وعليه أن يتذكر ذلك، ويجب عليه الاستمرار فى طلب هذه الرحمة. تعدد الرحمات ويرى الدكتور رجب عبدالحميد الأستاذ بكلية الدعوة، بجامعة الأزهر، أن رحمات الله كثيرة وتتجلى على العبد الصائم فى هذا الشهر، وهى رحمات لا تعد ولا تحصى نراها ليلا ونهاراً ، فنجد جميع المسلمين يتناولون الإفطار فى توقيت واحد، وهذه رحمات من الله، ونرى موائد الرحمن تكثر فى هذا الشهر، ونرى خشوع القلوب فى هذا الشهر، ونرى أنوارا ربانية تتنزل على العباد الصائمين، فيقل الغش فى الأسواق، تجد الناس يقولون دائما إنى صائم، تجد أعداد المستغفرين فى تزايد فى النهار، وبالليل تمتلئ المساجد فى صلاة التراويح، وتجد تلاوة القرآن، فى كل مكان، حتى المواصلات العامة، نجد كل إنسان يمسك بالقرآن الكريم ويفتحه بعد هجره طوال العام، وهذه كلها رحمات فى هذا الشهر للعباد الصائمين، وأيضا من الرحمات (رخصة الإفطار) أهداها الله للمرأة النفثاء، ومن كان مريضاً، أو على سفر، والمرضعة، والحائض، كلها رحمات من الله فى هذا الشهر الكريم، كل هذه المشاهدات لم نعهدها فى غير رمضان، ويقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِى الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ). المغفرة ويقول الشيخ محمد الدومى من علماء وزارة الأوقاف، إن من أعظم فضائل رمضان أنه موسم كبير للمغفرة، وسبب كبير فى دخول الجنة، ومن كتبت له فقد كُتب له الخير كله، وكتبت له الجنة، ويتساءل، هل يُمنع العباد من دخول الجنان إلا بسبب عدم المغفرة لهم ؟، وهل يَدخل العباد النار إلا بسبب الذنوب التى لم تُغفر لهم؟، والذنوب التى يرتكبها كل إنسان عاص لربه تكون سبباً فى شقاء العبد فى الدنيا والآخرة، فتحل فى القلب الظلمات والوحشة وتحول بين العبد وربه، ومن لم ينتهز هذا الشهر فى طلب المغفرة فمتى يغفر له؟ وهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار!. ويضيف، وعن أبى هريرة رضى الله عنه، عن النبيت صلى الله عليه وسلمت قال : (من صام رمضان إيمانا و احتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه) (أخرجه البخارى فى صحيحه) ، وعنه أيضاً عن النبى صلى الله عليه وسلمت قال : (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) (أخرجه مسلم)، وهى بشرى من الله عز وجل لكل من أمد الله فى عمره ورزقه الحياة فى شهر رمضان، فليكن الصوم ليس عن الطعام والشراب فقط ولكن عن المحرمات، وإذا كان هناك أمر من الله عن الصوم عن الطعام والشراب المباح، فما بالنا بمن يصوم عن الأشياء المباحة ولا يحرم ما حرمه الله، وهذا يدل على حرمة هذا الشهر فى ارتكاب المعاصي، وطلب المغفرة من الله بصيام الجوارح أيضاً ابتغاء وجه الله عز وجل وطلب الرحمة والمغفرة. العتق من النار ويقول الدكتور محمد الأمير أبوزيد، عميد كلية الدراسات العربية والإسلامية بالمنصورة، إن العتق هو العزة بعد مذلة للإنسان بالمعاصى التى تهلكه، ويأتى العتق ليكون طوق النجاة بعد ذل المعاصى للإنسان، ويقول النبى صلى الله عليه وسلم: (إن لله تعالى عتقاء فى كل يوم وليلة، وإن لكل مسلم فى كل يوم وليلة دعوة مستجابة) رواه الإمام أحمد، وقال صلى الله عليه وسلم أيضا، (إن لله عز وجل عند كل فطر عتقاء) رواه أيضا الإمام أحمد، وهذا يدلنا على أن نبذل الجهد فى الإتيان بالأسباب التى بها يكون فكاك الرقاب من النار، وخاصة أن الشياطين مصفدة، ومن تلك الأسباب التى دلنا عليها النبى صلى الله عيه وسلم لعتق رقابنا، هى الإخلاص لله، سواء فى الطاعة أو العمل، وإصلاح الصلاة بإدراك تكبيرة الإحرام، والنبي، صلى الله عليه وسلم يقول: (من صلى لله أربعين يوما فى جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان: براءة من النار وبراءة من النفاق) رواه الترمذي، وفى هذا الحديث يدل على أن العتق من النار يأتى أيضاً بالمحافظة على الصلاة فى تكبيرة الإحرام، وأيضا المحافظة على صلاتى الفجر والعصر، فقال صلى الله عليه وسلم: (لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) رواه مسلم، أى صلاة الفجر والعصر.