الوقت قيمة عظيمة في حياة الإنسان، وكم أهدرنا وضيعنا وفرطنا عن قصد أو عن غير قصد، في كثير من أوقات حياتنا، غير أن هناك منحا إلهية تأتي كل حين لتصحيح المسار والعودة إلي الجادة وتعويد النفس علي غير مراداتها من المعاصي والذنوب..من ذلك بالطبع شهر رمضان، الذي اعتبره العلماء فرصة سنوية عظيمة لاستثمار الوقت والثورة علي المعاصي واعتبار ذلك ديدنا للنفس ومنهجا تتبعه طوال العام. عن قيمة الوقت يقول الدكتور زكى محمد عثمان أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر إن للوقت قيمة غالية فى حياة الإنسان، بل هو أغلى قيمة على الإطلاق، أغلى من الذهب الذى يضرب به المثل فى هذا الشأن، لأن الوقت هو جملة عمر الإنسان بشكل عام، ففيه تعبد الله وفيه تعمر الأرض وفيه تصل الأرحام، وهكذا، فالوقت منحة إلهية منحها الله للعبد فى الدنيا تنتهى بخروج روحه وانتهاء أجله، وساعتها يبدأ السؤال كما أخبرنا الصادق المصدوق النبى صلى الله عليه وسلم قائلا: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ به وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ». ومن أسف نضيع أوقاتنا فيما لا يفيد من الغيبة والنميمة وظلم النفس والآخرين.. وكأننا غير محاسبين على ذلك، والأشد ألما من ذلك أن نفرط فى أثمن أوقات حياتنا فى شهر رمضان فى الجلوس أمام التليفزيون لمشاهدة الأفلام والمسلسلات الهابطة والجلوس على المقاهى ليلا والنوم نهارا وفى النهاية نقول إننا صائمون.. نقصر فى أعمالنا ونغادرها قبل المواعيد الرسمية بحجة أننا صائمون.. وما ذلك إلا لأننا لا ندرك قيمة الوقت، فإذا ضرب أحدنا للآخر موعدا قل أن يلتزم به فتراه يأتى متأخرا غير نادم على ذلك، وأشار زكى عثمان إلى أن مما يعين على الحرص على الوقت واغتنامه أن يتذكر كل منا أن كل لحظة تمر من حياته لن تعود ثانية، وهى إما له، وإما عليه، أى إما فى ميزان حسناته وإما فى ميزان سيئاته والعياذ بالله، فيجب على الإنسان قبل أن يهم بقول أو فعل أن ينظر إلى أين يسلمه هذا السلوك، ويلفت إلى أن مما يجلب البركة للوقت والرزق معا الاستيقاظ مبكرا والجد فى العمل والطاعة ساعات البكور الأولي، اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك وامتثالا لأمره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تناموا عن طلب أرزاقكم فيما بين صلاة الفجر إلى طلوع الشمس». فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية أو جيشا بعثه أول النهار. ففى الحديث «باكروا فى طلب الرزق والحوائج فإن الغدو بركة ونجاح». كما دعا النبى صلى الله عليه وسلم لأمته بالبركة فى بكورها، فقال: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِى فِى بُكُورِهَا» وكذلك صلة الأرحام، فصلة الرحم سبب للبركة فى الرزق والعمر، عن أنس رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يبسط له فى رزقه، وينسأ له فى أثره ، فليصل رحمه». فيا سعادة من أدرك رمضان ليغتنم هذه الفرصة فى استثمار الوقت الاستثمار الأمثل، وأن يعود نفسه على الطاعة واغتنام الوقت، لعلها فرصة لا تعود، وليرى كل منا الله فى رمضان من نفسه خيرا وليجتهد فى العبادة والطاعة كأنه آخر رمضان له، بل وكأن يومه هو آخر يوم له فى الدنيا لأن أحدا لا يدرى متى ينتهى أجله. فى السياق نفسه ينعى الدكتور إمام رمضان إمام أستاذ العقيدة والفلسفة المساعد بجامعة الأزهر: على سلوك الكثيرين حينما يتفنن الإنسان فى أمور الدنيا ويجد لتحقيق أعلى كسب مادي، لاسيما إذا أتيح له أوكازيون يحمل فرصة معينة أو المشاركة بالبورصة أو نحو ذلك، فتراه حينئذ يسارع ويسابق الزمن ويضحى بكل ما يدخر لأجل هذا الربح رغم أنه فى النهاية أمر غير مضمون مائة بالمائة، أما فى أمور الدين فتراه خاملا متكاسلا يضيع الكثير والكثير، ويا ليته يكون بنفس الهمة والاجتهاد فى أمور الآخرة والعبادات ويتاجر مع الله ويستثمر وقته لتحصيل أكبر قدر من الثواب والطاعات التى لا تضيع يقينا عند الله عز وجل، فلو نظرنا مثلا لشهر رمضان ذلك الأوكازيون السنوى الكبير لمضاعفة الثواب وتحصيل الحسنات، نجد أن استثمار يوم واحد فى شهر رمضان يعدل ألف شهر، أى ثلاثة وثمانين عاما وثلث العام، فقال تعالي ليلة القدر خير من ألف شهر، فأى عائد استثمار أعلى من هذا؟! وأضاف د.إمام أن الصيام فى مفهومه الحقيقى يعنى الثورة الثائرة للعبادات، وثورة ضد السلوكيات الخاطئة التى وقعت فيها النفس طوال العام، يثور الصائم على شهواته بمختلف أنواعها، ثورة ضد الكسل وتهذيب النفس ضد الشهوات «إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا». استثمار الوقت فى الطاعة. الدكتور حلمى عبد الرءوف أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، يستهل تعليقه بالإشارة إلى حديث النبى صلى الله عليه وسلم زنعمتان مغبون عليهما كثير من الناس: الصحة والفراغس، فالصحة نعمة يجب اغتنامها قبل ضعفها او زوالها، وكذا الفراغ وهو الوقت، لذلك أوصى النبى صلى الله عليه وسلم بذلك فى حديث آخر فقال: «اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك». وأوضح د. حلمى أن لرمضان خصوصية عن سائر شهور وأيام العام، فإذا كان اغتنام الوقت مطلوبا فى كل حين فإنه يكون فى رمضان من باب الأولى فقال صلى الله عليه وسلم ألا إن لربكم فى أيام دهركم لنفحات، ألا فتعرضوا لها، فلعل أحدكم أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعد ذلك أبدا. وفضل شهر رمضان عن غيره من شهور العام يبينه الحديث الذى روى عن سلمان الفارسى - رضِى الله عنه - قال: خطَبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - فى آخِر يومٍ من شعبان فقال: ((يا أيها الناس، قد أظلَّكم شهرٌ عظيم مُبارَك، شهرٌ فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، جعَل الله صِيامه فريضة، وقيامَ ليله تطوُّعًا، مَن تقرَّب فيه بخَصلةٍ من الخير كان كمَن أدَّى فريضةً فيما سِواه، ومَن أدَّى فريضةً فيه كان كمَن أدَّى سبعين فريضةً فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابُه الجنَّة، وشهر المواساة، وشهرٌ يُزاد فيه فى رِزق المؤمن، مَن فطَّر فيه صائمًا كان مغفرةً لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثلُ أجره من غير أنْ ينقص من أجره شيء))، قالوا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يُفطِّر الصائم، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يُعطِى الله هذا الثواب مَن فطَّر صائمًا على تمرة، أو شربة ماء، أو مذقة لبن، وهو شهرٌ أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، مَن خفَّف عن مملوكه فيه غفَر الله له وأعتقه من النار، فاستكثِروا فيه من أربع خِصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما؛ فأمَّا الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأمَّا الخصلتان اللتان لا غنى بكم عنهما: تسألون الله الجنَّة وتعوذون به من النار، ومَن سقَى صائمًا سَقاه الله من حوضى شربةً لا يَظمَأ بعدَها حتى يدخُل الجنَّة))